"تدرك حب الجمهور الشديد للراحل.. حينما ترى عاصفة التصفيق التي استمرت له طويلا بظهوره على خشبة المسرح عمرو شاهين - أنغام عصام قامة فنية لن تتكرر، واحد من أساطير المسرح المصري، مخرج متمكن من أدواته ومؤلف لا يشق له غبار، وممثل خفيف الظل.. تعددت الأوصاف والمبدع واحد، إنه الفنان الشامل سيد بدير. ولد بدير في مثل هذا اليوم 11 يناير 1915، درس الطب البيطري، لكنه سرعان ما هجره إلى السينما، وتزوج من الفنانة شريفة فاضل، وأنجبا ابنهما الوحيد سيد السيد بدير والذي استشهد في حرب أكتوبر 1973، و الذي غنت له شريفة فاضل اغنيتها الشهيرة أم البطل، وهو والد العالم المصري سعيد السيد بدير، أحد أهم علماء مصر في مجال الأقمار الصناعية، والذي قتل بطريقة مريبة في منزلة بالأسكندرية عام 1989، وأشارت أصابع الإتهام حينها للمخابرات الإسرائيلية. البداية بدأ السيد بدير مسيرته الفنية عام 1937 حينما قدم فيلمه الأول كمؤلف وحمل اسم "تيتاوونج"، والذي شارك في تمثيله أيضا، وتدرج في سلم الفن كممثل، حيث قدم أفلام "شيء من لا شيء"، كما شارك في الفيلم المصري الأشهر "العزيمة" والذي يعد على رأس قائمة أهم 100 فيلم للسينما المصرية. ومن منتصف الأربعينيات لم يكتف السيد بدير بكونه ممثلا فحسب، بل قدم فيلمه الثاني كمؤلف "دايما في قلبي" عام 1946، وفي نفس العام أيضا قدم أحد أكثر أفلامه تميزا وغرابة وهو فيلم "الخمسة جنيه"، والذي وصف بأنه أحد الأفلام الطليعية والمختلفة كليا عن أفلام ذاك الحين. استمر بدير في تقديم نفسه للجمهور بكونه ممثلا ومؤلفا حتى عام 1955، حينما قدم مسرحية "الست عايزة كدة" مع فرقة إسماعيل ياسين، وقدم في نفس العام ومع الفرقة نفسها، مسرحية "صاحب الجلالة"، وفي عام 1957 عرفه الجمهور مخرجا سينمائيا للمرة الأولى حينما قدم فيلمه الأول "المجد" من تأليفه وشاركه في الكتابة الفنان فريد شوقي، كما قدم في نفس العام أيضا فيلم"ليلة رهيبة"، وفي عام 1958 قدم فيلم "كهرمان". انطلاق وتميز في عام 1959 قدم المخرج السينمائي سيد بدير، واحدا من أهم الأفلام الكوميدية المصرية وهو فيلم "أم رتيبة" عن قصة الكاتب الكبير يوسف السباعي والذي شارك بدير كتابة السيناريو أيضا - حوار السيد بدير، وبطولة ماري منيب وفؤاد شفيق وعمر الحريري وآمال فريد- لينطلق بعدها بدير إلى أفق أكثر رحابة، حيث عرف عن السيد بدير غزارة إنتاجه فكان يقدم في العام الواحد من فلمين إلى ثلاثة من إخراجه غير كتابته لسيناريوهات أفلام لمخرجين آخرين ومشاركته بالتمثيل في أفلام أخرى، إضافة إلى نشاطه المسرحي والإذاعي. وأفرز هذا النشاط المحموم إرثا فنيا هائلا يصعب حصره والحديث عنه، نذكر منه على سبيل المثال في مجال الإخراج أفلام "سكر هانم، عمالقة البحار، غصن الزيتون، نصف عذراء، ثلاث وريثات، حب وخيانة". وفي مجال التأليف قدم بدير "جعلوني مجرما، نهارك سعيد، شاطئ الذكريات، شباب امرأة، رصيف نمرة 5، شياطين الجو، إسماعيل ياسين في البوليس، ودعت حبك، القلب له أحكام، الفتوة، سواق نص الليل، لا أنام، سر طاقية الإخفاء، أنا حرة، بين السما والأرض، أبو حديد، المعلمة، لوعة الحب،الساحرة الصغيرة، خطيب ماما، صاحب الجلالة، المدير الفني، العبيط، حب أحلى من حب". ابن كبير الرحيمية وظهر بدير في عام 1953، بشخصية "عبد الموجود ابن كبير الرحيمية" مع الفنان الراحل "محمد التابعي" الذي قدم شخصية كبير الرحيمية، والفنان والمونولوجيست "عمر الجيزاوي"، ليكون الثلاثي قالبا كوميديا اشتهروا به في تلك الفترة وشاركوا في عدد كبير من الأفلام مثل "ابن ذوات، كدبة إبريل، بنت البلد، تار بايت، كابتن مصر". وفي عام 1985 قدم السيد بدير آخر أعماله التي ألفها وأخرجها، مسرحية "عائلة سعيدة جدا"، والتي ظهر في مشهدها الأخير كممثل، وربما تدرك حب الجمهور الشديد للراحل حينما ترى عاصفة التصفيق التي استمرت له طويلا لظهوره على خشبة المسرح، حتى وإن ظهر على كرسي متحرك. وفي 30 أغسطس عام 1986، رحل الفنان المبدع بعد رحلة فنية استمرت قرابة النصف القرن، خلدت ذكره بعد غياب جسده.