هل الرئيس السيسى فى حاجة بالفعل إلى حزب سياسى يؤيده؟ وفيمَ يؤيده؟ وكيف؟ وما هى الإضافة التى يزعم أصحاب الفكرة أنهم سيقدمونها بحزبهم؟ وهل ستعود إيجابياً على عموم الجماهير وتكون فى صالح الوطن كما يقولون؟ وهل لهم مصداقية حقيقية يكسبون بها ثقة الناس؟ وما هو الأثر المستقبلى لأداء هذا الحزب على الرأى العام وعلى بقية التيارات السياسية الأخرى التى لن تنضوى تحت رايته؟ كيف سيتصرف هذا الحزب مع الأحزاب الأخرى؟ وهل سيرى أنها من أعداء الوطن لأنها تعارِض السيسى؟ بعض هؤلاء من فلول نظام مبارك، ومعهم آخرون لحقوا بهم بعد الثورة بنفس عقليتهم، ويقولون جميعاً إن للسيسى رؤية بعيدة المدى لصالح مصر والمصريين وإن لديه برامج رائعة وإنه يسير وفق خطة خرافية، وإنهم يخشون أن تتبدد قيمة هذه الإنجازات أمام الشعب إذا لم يعرف الشعب بها. والحل لديهم أنهم هم الذين سيقومون بإعلام الجماهير بحجم ما يجرى وإقناعهم بفوائده على الجميع! وإلا إذا لم تُتَح لهم الفرصة لأداء هذه المهمة الوطنية فسوف يظل هنالك فراغ سياسى لا يمكن لأحد أن يتنبأ بعواقبه! ولكن سابق خبرة هؤلاء لا تثبت أن لديهم أى قدرة، وربما لم يكن لديهم قط أى رغبة، فى التواصل الحقيقى مع الجماهير! وإلا، متى كان هذا التواصل على مدى عقود من الزمن؟ وفى أى مناسبة؟ وأى قواعد جماهيرية أو فئوية أو جهوية أو اجتماعية تعاملوا معها؟ لأن ما كان واضحاً لكل مراقب أن حركة معظمهم فى هذا السياق كانت مجرد زيارات ميدانية موسمية مرتبطة عادة بانتخابات نيابية أو محلية، ليس للحصول على الأصوات، فلم تكن الأصوات مهمة فى عصرهم، وإنما لزوم التغطية على عمليات التزوير التى ستتم لصالحهم بعد هذا والتى تتطلب أمارة ما على التواجد وسط الناس! بل أحياناً ما كانت النتائج تُعلَن عن فوز واحد منهم دون أن يكون له أى وجود فى دائرته، وعندما يتحداه الناس أن ينزل إلى الدائرة التى قيل إنه فاز فيها باكتساح لم يكن يجرؤ على قبول التحدى! وكان التزوير لهؤلاء لأنهم من حزب الرئيس! ولم يكن التزوير لصالحهم فى الانتخابات هو الهدف الوحيد، فقد كانت هنالك آلية كاسحة لم يكن يستطيع أحد أن يعرقل مسارها، تتحرك فيها تلقائياً أجهزة الدولة وفق تقاليد عتيدة فى خدمة من يظهر فى كادر لقطات الرئيس، تبدأ بالحصانة البرلمانية التى ستكون درعاً فى كل خطوات سعيد الحظ، ثم التسهيلات التى سيتحصل عليها فى أمور ليس لها أول من آخر، منها إمكانيات الحصول على أراضى الدولة بأسعار مدعومة، وتوفير متطلبات الزراعة للأراضى الزراعية، وتراخيص البناء ومواده فى مشروعات الإنشاء والتعمير، ومنها تسهيلات الاقتراض من البنوك، والحصول على توكيلات تجارية لشركات أجنبية، ومنها الاستثناءات فى التوظيف لذويه ولأبناء دائرته..إلخ ولم يكن تحقيق كل هذه المزايا لهم إلا بشروط لا مناقشة فيها تلبى تحقيق أحلام الرئيس وقرينته ونجله، ويتجلى دورهم فى الحماس الأوتوماتيكى على أى طلب من الرئيس أو عائلته، وعلى تجييش المؤيدين باليومية فى تظاهرات تليفزيونية، وكانوا يأمرونهم فى مرات أخرى بالتصدى للمعارضة، وعمليات التبرع التمثيلية فى مشروعات أبناء العائلة، وكانت الأموال التى ينفقونها فى كل هذه المهام مجرد قليل من كثير تحصلوا عليه من المجاملات السابقة. وحدث أن وقعت معركة بين اثنين من أركان مبارك ونجله فى السنوات الأخيرة من حكمهم فى أحد اجتماعات حزبهم، تطاول فيها أحد قادة الحزب على زملائه من القيادات وراح يُعيِّرهم بأنه صرف على الحزب أكثر من 300 مليون جنيه، فردّ عليه أحدهم بعنف قائلاً: بس إحنا سيبناك تكسب 3 مليارات جنيه . ونشرت الصحف أيامها هذه التفاصيل، وكان من حق الرأى العام أن يعرف من هم إحنا ، وكيف سابوه ، وبأى حق يكسب 3 مليارات جنيه، وممن كسبهم؟ وهل كان المكسب قانونيا ببعض المساعدة والمجاملة، أم أنه كان خارج القانون؟ وكان الغريب أن لا أحد من أطراف الحكاية المذكورة أسماؤهم فى الخبر المنشور على الرأى العام رأى ضرورة للتكذيب أو للتصحيح أو لتجميل بشاعة الموضوع! ذلك أنهم من حزب الرئيس، لديهم الحصانة، وفى خدمتهم أجهزة الدولة المدربة على إنصافهم ضد من ينازعهم، بل سوف تدعمهم هذه الأجهزة إلى آخر الخط بغض النظر عن اعتبارات لا يعترف بها حزب الرئيس عن القانون والحق والعدالة وكل ما شابه هذه الشكليات! لقد عانت البلاد كثيراً وطوال ما يزيد عن ثلاثة عقود من حزب يرأسه رئيس الجمهورية، وقد تبلور رأى عام رافض للفكرة بعد أن اتضحت أخطاؤها للجميع، بل إن الرئيس السيسى شخصياً أبدى اعتراضه فى كل مرة تُطرَح فيها الفكرة، وقد كرّر الإعلان عن موقفه فى الصين قبل أيام، بل أعرب هذة المرة عن مخاوفه من أين يؤدى تأسيسه لحزب جديد إلى انقسام المصريين. وبعد كل هذا الوضوح هناك من يتحدث عن وجاهة الفكرة! واضح أن اقتراب الانتخابات هو باعث هؤلاء لطرح الفكرة هذه الأيام، وهم فى سباق مع الزمن ليحصلوا على ظهور فى كادر لقطة مع الرئيس، لأنهم لم يعتادوا على خوض انتخابات إلا وهم تحت مظلة الرئيس، أو بأمل أن يكونوا تحت مظلته، لأنهم عرفوا بأفضالها عليهم، كما أنهم صاروا خبراء بالمنغصات التى تنزل على من هم خارج العطف الرئاسى! كما أن تجربتهم مع مبارك جعلتهم يضمنون المكاسب فى حالة استمرار النظام، ولا يخشون من التبعات إذا سقط النظام. فهاهم رجال مبارك تسقط عنهم المساءلة ويُرفع عنهم الحظر ويعودون معززين مكرمين. ولكن المؤكد أن السيسى هو الذى سيخسر من ظهورهم فى جواره، لأن تبرئتهم كانت إجرائية، ولم تتمكن العدالة من مساءلتهم فى مضمون التهم، ومن المفتّرَض أنه لا يخفى على السيسى هذا الاستياء العام فى صفوف الجماهير!