انهمكتُ منذ فترة فى عمل شاق ومزعج هو إعادة تجميع ما كتبت عبر سنوات سابقة فى ملفات، ثم إعادة تصنيفه (نقد سينمائى، نقد أدبى، مجموعة قصص، مقالات سياسية، مراجعات لكتب ظللت أنشرها فى مجلة «أكتوبر» لما يناهز عشر سنوات.. موضوعات وحوارات صحفية)، تمهيدا ل«مشاريع» كتب إذا سمحت الظروف، وإذا وافقت المطابع ودور النشر.. كنت أظن التجميع عملية سهلة، ولكنى دخلت فى دوامة. حصاد البحث وإرهاق العيون حتى الآن لم يتجاوز كتابا عن أدب الروائى الكبير محمد ناجى بعنوان ذاكرة الظلال والمرايا ، ومجموعة قصصية بعنوان موبايل ، وكتابا عن وجوه لا تنسى فى السينما المصرية، وكتابا ضخما عن مقالاتى النقدية السينمائية الإلكترونية (مئة مقال ودراسة معظمها نشر فى موقع عين على السينما الذى يرأس تحريره الصديق الناقد أمير العمرى). بينما لم أقترب حتى الآن من المقالات والدراسات السينمائية الورقية فى مجلة أكتوبر الأسبوعية، وجريدة روزاليوسف اليومية، ومجلة السينما الجديدة ، لفشلى فى نقلها إلكترونيا بطريقة سهلة، بدلا من إعادة كتابتها، وهو حمل تنوء به الجبال، وبينها ملفات أعتز بها، كلها مطبوعة ومنشورة ورقيا، وأصولها مكتوبة بخط اليد على ورق دشت من بتاع الصحفيين، وهناك نية (لا أكثر) لتجميع مقالاتى السياسية أيضا فى كتاب، ونية لكى أكتب عن شخصيات عظيمة قابلتها خلال عملى فى الصحافة. أعظم هدية حصلت عليها من مهنة الصحافة أنها منحتنى الفرصة للالتقاء والتحاور مع شخصيات كبيرة حقا مثل: نجيب محفوظ .. و فتحى غانم .. و أحمد بهاء الدين .. والمهندس العظيم حسن فتحى .. و فؤاد سراج الدين .. و يوسف شاهين .. والدكتور فرج فودة .. والدكتور حلمى مراد .. والدكتور حسين مؤنس .. والدكتور لويس عوض ... جمعيهم رحلوا بعد أن كانوا ملء السمع والبصر، الشىء الوحيد الذى يجمع هؤلاء هو التواضع الشديد.. كلما كبر الإنسان أصبح أكثر بساطة وتواضعا.. لن أنسى أن فؤاد سراج الدين منحنى ساعتين من وقته لعمل حوار معه وأنا فى تالتة صحافة لعمل حوار لن ينشر إلا فى صحيفة طلابية اسمها صوت الجامعة ، كلهم يحدثونك كأنك محمد حسنين هيكل شخصيا، احترامهم للآخرين هو جزء من احترامهم لأنفسهم، وهو تعبير عن احترامهم للإنسان عموما، ربما سأركز أكثر على هذا الجانب فى شخصيات هؤلاء الكبار، كل واحد منهم يمكن أن يطلق اسمه على عصره، دون أدنى مبالغة. لا يعنى ذلك أن ما جمعته جاهز للطبع، لأنه لا بد من عملية سخيفة للغاية اسمها المراجعة والتنقيح، والتدقيق والتظبيط، دماغك ماتروحش بعيد، إنه تظبيط من نوع مزعج، ولا علاقة له بتظبيط هذا الجيل للمُزز، العبد لله لا يستطيع أصلا إعادة قراءة مقال كتبه من قبل، فما بالكم أن يصل به الأمر إلى مراجعة كتاب بحاله ومحتاله؟! ورغم أننى من عشاق القراءة والكتب عموما، ولكنى لم أفكر أبدا لسنوات فى إصدار كتاب خاص بى، إن كان ولا بد، يبقى كتاب له موضوع واحد، فعلتها مع كتاب صدر أخيرا ضمن مطبوعات المهرجان القومى للسينما عن الكبير يوسف شريف رزق الله بعنوان عاشق الأطياف ، كتبت دراسة طويلة مضافا إليها نصوص وصور فى 270 صفحة، طبعوا منها 100 صفحة، وقالوا تسلم إيدك ، أصارحكم أن ما تبقى لى من عقل (بعد عشرين سنة صحافة وقراءة وكتابة) يدوب باستخدمه فى معاملاتى اليومية، وفى التعرف على عنوان بيتنا بعد يوم شاق، وفى استيعاب فوضى السياسة، واستغلال الدين وامتهانه فى الحصول على كرسى، طيب إيه اللى طسّنى فى نافوخى وخلاّنى أتهوّر وأتفرّغ لهذا الطوفان من المقالات لتجميعها؟ يمكن السبب أصدقاء أعزاء كبار يلحّون علىّ كلما التقينا لكى أجمع ما يرونه هم جديرا بالجمع، وهناك بالتأكيد عبارات أصدقاء فيسبوك المشجعة التى تُحسن ظنا بما أكتب، وربما يكون السبب أيضا إحساسى بالذنب تجاه مقالات كتبتها ونسيتها من زمان، أردت أن أخلّص ضميرى أمام أوراقى، وأن أنام بشكل أفضل وأعمق، حتى لا يظهر لى مقال شريد فى الكوابيس، يؤنبنى ويشتمنى بعبارات مكتوبة على جدارن الشوارع فى القاهرة والجيزة، الواحد مش ناقص، حاولت أن أؤدى واجبى والسلام، مستلهما مقولة عبد السلام أمين الخالدة: وان متّ اجعلنى طوبة.. يعلّوا بيها جدار ، وبما أننى لا أمتلك طوبة أو حجرا، فلتكن شوية مقالات وأفكار يعلّوا بيها أى حاجة.. إن شاء الله يعلّوا بيها سور مدرسة علشان التلامذة ماتنطّش. ذات مرّة، حاول أحد أصدقائى النقاد أن يحفّزنى على تجميع ما أكتب، فوصف الكتاب الذى يحمل اسم صاحبه بأنه مثل الابن، تشبيه رائع حقا، ولكنه نسى أننى لم أتحمس أصلا للزواج وإنجاب ابن من لحم ودم، فكيف أتحمس لإنجاب ابن من ورق؟! حسنا.. فيلكن أضعف الإيمان.. نعمل ابن تجميع وخلاص. ما زلت حتى الآن آخد الأمر على محمل التسلية وإبراء الذمة، ما زلت فى منتصف المشوار الشاق، أنا ملول جدا، ربنا يسهّل وأكمل بقية الأرشيف، أردت فقط أن أفضفض لكم، تعبت عيناى من كثرة التحديق فى شاشة الكمبيوتر. المشوار ما زال طويلا.. دعواتكم.