الوجه الحقيقي للمناضلة التي لم نعرفها.. والمؤمنة بالتغيير السلمي بعيداً عن الكراهية والعنف ظلمت الكاتبة الصحفية مني ثابت الناقدة إيريس نظمي، وظلمتنا نحن القراء، عندما استبعدت، تجنباً للحرج، زوجها الناقد الكبير رؤوف توفيق من الإدلاء بشهادته في شخص ومنجز الناقدة الكبيرة في الكتاب، الذي أعدته عنها بمناسبة تكريمها في الدورة الرابعة عشرة للمهرجان القومي للسينما المصرية، فحرمتنا من شهادة مهمة أكبر الظن أنها كانت ستضيف الكثير وتثري الفصل الخاص بالأفلام التي كتبت عنها.. والأمر المؤكد أنها لم توفها قدر حقها. ففي الفصل السابع، والأخير، استكتبت مني ثابت بالكتاب النقاد: حسن شاه وآمال بكير وأحمد صالح ومفيد فوزي ومحمود قاسم ، وأسقطت عن عمد اسم رؤوف توفيق، الذي عاصرها وعرفها واقترب منها طوال حياتها، وكأنها تعاقبها.. وتعاقبنا، علي الرغم من الزخم الذي جاء عليه الكتاب، الذي اختارت له عنوان "القلب الشجاع، والذي لا أنكر، في البداية، أنه لم يرق لي وتصورت أن اللقب الأفضل للناقدة المحترمة: "صاحبة الابتسامة الوقورة" لكن سرعان ما تبينت أنها تتمتع بقلب شجاع بالفعل، ليس لأن اللقب تكرر عشرات المرات في الكتاب، بل لأنها فاجأتني، وأنا الذي أعرفها عن قرب، بمواقف لم تخطر لي علي بال، من بينها ما فعلته عندما استنكرت سياسة العقاب الجماعي التي تمارسها ناظرة المدرسة ضد التلميذات اللاتي تأخرن في تسديد المصاريف، فما كان منها سوي أن قادت زميلاتها إلي مكتب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لتشكوه ظلم وتعنت "الناظرة" وأيضاً الثأر من فريد شوقي الذي كذب عليها، وأخفي حقيقة زواجه براقصة درجة ثالثة فما كان منها، بعد أن عرفت الحقيقة من المرأة نفسها، سوي أن نشرت وثيقة الزواج في مجلة "آخر ساعة"، التي نشرت مذكرات "ملك الترسو" من قبل، وابتعادها عن المجاملة في هجومها علي سعد الدين وهبة وإدارة مهرجان القاهرة السينمائي التي استولت علي المهرجان من مؤسسة الراحل كمال الملاخ، وإعلان رأيها في أن ما يكتب الآن ليس صحافة، وأن أمينة السعيد ومي شاهين "كانوا بيقعدوا علي المكاتب ويكتبوا مقالات رأي" بينما جيلها نزل إلي الشارع واحتك بالناس ومارس الصحافة الحقيقية.. ومواقف كثيرة نجحت مني ثابت في إلقاء الضوء عليها فبدا وكأنها تتحدث عن إيريس نظمي، التي لا نعرفها فقد كنا نظنها "مسالمة" إلي درجة المهادنة وإذ بها -"إيريس"- تفاجئنا بأنها "مناضل" علي طريقتها الخاصة، فهي تؤمن بالتغيير السلمي وتكره العنف وتمقت أصحابه، وتحمل قدراً، غير محدود، من الاحترام لأساتذتها: مصطفي أمين وجليل البنداري، الذي طالبت بتكريمه، ولها حق، وفي المقابل لا تنسي الإساءة، ولا تغفر لصاحبها فعلته القبيحة في حقها، كما حدث مع رئيس تحرير مجلة "آخر ساعة"، الذي أحالها إلي المعاش فانتقلت للكتابة في "أخبار النجوم"، وهو نفسه تقريباً، لأن دماثة خلقها دعتها ألا تذكر اسمه، وربما تعمدت هذا كنوع من التحقير والازدراء، الذي طلب منها كتابة مقال في عيد ميلاد "آخر ساعة" وبعدما استجابت رفض نشره بدعوي "ضيق المساحة"، وهي الإهانة التي أبدعت مني ثابت في تشبيهها بأنها كالضرب في أقسام البوليس الذي يحرص أصحابه علي انتزاع الاعترافات بدون أن يحدث أي أثر(!) والواقع أن كتاب "القلب الشجاع" تحول في مناطق كثيرة منه إلي قصيدة حب زينتها مصطلحات وكلمات شاعرة اسمها مني ثابت، ووصلة صدق إنساني لا يباري من إيريس نظمي، التي قاومت المرض، ونطقت بلسان الفلاسفة والحكماء عندما رأته "تجربة من ربنا هدفها تنقية الإنسان ليدخل ملكوته طاهراً" وكم كانت عظيمة وهي تشيد بدور والدها ثم زوجها في مؤازرتها.. ولولا الأخطاء المطبعية اللعينة وعدم استكمال مني ثابت للنهج الذي بدأت به الكتاب في الفصلين والاستغراق في النقل عن المقالات والأبواب والرسائل التي كانت تبعثها إيريس نظمي، والعنوان الفضفاض "صور علي الشاشة" بينما لم يخرج الفصل كله عن مقالين أولهما عن عادل إمام والثاني عن هنيدي، وغياب السياق الزمني في فصل "ناس تحت الأضواء" والتعتيم علي تاريخ كتابة "عزيزي، لتحية كاريوكا وصلاح أبوسيف ووزير الثقافة وليلي مراد، علي الرغم من أهمية هذا في ربط الكلمة بالحدث.. إلا أن كتاب "القلب الشجاع" يظل إضافة للمكتبة وتوثيقاً لمسيرة ناقدة لم تفقد احترام الجميع، يوماً، لكونها بدأت نفسها وكانت الأكثر احتراماً لدورها ورسالتها.. وشكراً مني ثابت.