العنوان ليس خادعا، يمكنك فعلاً ضمان أن تُبعث فى وردة، أو فى أى نبتة أخرى. إنه نظام «دفن» صحى غير مسبوق، عماده «التبرّع» بالجسد ل«تخصيب حَيَوات» أخرى، تمنحك بدورها حياة متجددة. السبت قبل الماضى تعهد وزير الزراعة، طواعيةً، ب الجلوس مع علماء الأزهر لعرض مقترحات الهندسة الوراثية العلمية، لبيان عدم تعارضها مع الدين ، سعيا لتحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء. وزير لحقيبة حيوية يضع رضاء الكهنوت عصا فى عجلة دولاب ضمان توفير الطعام لشعب بخلت عليه الطبيعة بفرص توسيع مصادر غذائه، عقب ثورة أطاحت بمَن حاولوا توظيف ذات الكهنوت لطمس هُوية الدولة، وتفكيكها، بينما آخرون انتقلت دماغهم إلى كيف يكونوا مفيدين، حتى عضويا، بعد مماتهم. الموت الحضارى ، جمعية تأسست فى سياتل الأمريكية، هدفها تمكين من يريد تحويل جسده، بعد الموت، إلى مُخصبات زراعية لحديقة أو حقل، أو حتى أُصص منزلية. الفكرة طرحتها المعمارية كاترينا سبيد، عام 2011، كبديل بيئى للدفن. تشرح ل رويترز ، الأربعاء الماضى: نريد إبقاء الموتى فى المدينة، فلا خيارات لدينا للتصرف فى جثثنا، سواء بيئيا، أو ك(معنى)، وهذا هو الأهم . الجمعية أنهت تصميم أول منشأة تنفيذية للفكرة، مبنى خرسانى من ثلاثة أدوار، يسمّى القلب ، تحيط به مساحات خضراء تتيح للزائرين فرصة التأمل. تقنية الموت الحضارى تسير على هُدى سياق مُجرب، يوصف بأنه الأكثر احتراما للبيئة والأقل تكلفة فى مجاله، جوهره تحويل الرفات الحيوانية إلى مُخصبات، عبر وضع أجسادها تحت نشارة أخشاب وقطع خشبية، وفق منظومة معينة. فى المنظومة البشرية، ستحفظ الجثامين فى مُبردات خاصة لمدة عشرة أيام، لتفادى تحللها. وبعد إتمام مراسم الوداع، يتشارك الأصدقاء والأسرة فى إدخال الجثمان إلى القلب ، وخلال أسابيع يتحول إلى مكعب مُخصبات يكفى لزراعة شجرة أو خميلة زهور، تتسلمه الأسرة لاستخدامه فى حديقتها، أو تتبرع به لتغذية زراعات الآخرين. تقول سبيد: هنا، نتحول من بشر إلى شىء آخر. ما ينتج عن موتنا الحضارى، المُخصبات، ستكون شيئا مميزا ومقدسا، لكنه ليس بشريا . الجمعية تعانى من صعوبات، ليس منها انتظار بركة جهة دينية، فالتبرعات التى تحتاجها لم تكتمل، ولم تتوافر لها أرض بناء المنشأة، ولأنها تجربة غير مسبوقة، صنَّفتها ولاية واشنطن كدار للجنازات، وطلبت منها السعى للترخيص بهذه الصفة، وأن تلتزم بقواعد التخطيط العمرانى التى تُبعد منشآت صناعة المخصبات، وأيضا دفن وإحراق الجثامين، إلى خارج الكتلة السكنية. تأمل سبيد أن تبدأ خدمة المُنشأة الفريدة خلال ثلاث سنوات، المتبرعة الأولى، الممثلة جريس سايدل، 55 عاما، التى أعلنت ذلك لأسرتها. أنا مثلها، أتمنى أن أُبعث فى شجرة ورد فوق سطح، أو على شُرفة، منزلنا.. يتنسم عبيرها الأهل، ومن بعدهم الأحفاد. بينى وبين أمنيتى نظام دعمت وصوله للحكم بالفترة الحيوية من عمرى، أملاً فى تجاوز تشوهات ثقافية تفشت بوادينا الطيب طوال 45 عاما. نظام يقول إنه يدرك خطورة التشوهات على مستقبل الوطن، لكنه عمليا يستسلم لها. اللهم نجنا من أدمغة تربّت على أن الأجساد خُلقت للأكل والجنس، وللتفجير أو الذبح، واحشرنا مع مَن يهبون أجسامهم لتخصيب حَيَوات الآخرين، فهؤلاء، وحدهم، هم خلفاؤك فى أرضك.