أطلق الدكتور فاروق الباز صرخة، منذ أيام، حذّرنا فيها من مصير مظلم، إذا ما لم ننتبه إلى الجريمة التى تُرتكب علنا منذ سبعينيات القرن الماضى، مستهدفة أراضينا الزراعية.. ومن تفرض عليه الضرورة السير فى محاورنا الدائرية أو طريق كورنيش النيل، سيشعر بأن لهذه الجريمة عدة وجوه، منها المشهد العشوائى بامتياز والجارح للنظر، أو كما أقول لنفسى دائما، إن من سيسلك هذه الطرق ويرى قبح الأبنية وتلاصقها المزعج والذى يقطع بأنها لا تصلح أحيانا للسكن الآدمى، سوف يضرب كفا بكف بعد زيارته للأهرام، متعجبا، أو ربما مذهولا، من أن يكون بناة العشوائيات الشديدة القبح، هم أحفاد بناة الأهرام العظام.. لكن الطامة الكبرى والتى لا تعفى أى مصرى، حاكما كان أو محكوما، هى الاعتداء المتواصل، وبوتيرة مرعبة، على الأراضى الزراعية، وهو إذا ما لم يتوقف فوراااااااا، سنموت جوعا.. وهو ما يلزم تكرار المقولة الخالدة، «من لا يملك قوت يومه لا يملك حرية قراره».. والمثير للاندهاش أن العدوان الشرس على أراضينا الزراعية متواصل «وعلى عينك يا تاجر» فى القاهرة والجيزة.. وكمواطنة بسيطة أتساءل: هل يعقل أن السيد الوزير المحافظ، الذى تصاحبه طقوس صاخبة لدى دخوله مكتبه، لا يرى البنايات التى يصل بعضها إلى أكثر من عشرة طوابق؟ ألا يعنى ذلك فى رأى سيادته، أن موظف المحليات قد فتح الدرج، وأغلق الضمير لقاء المبلغ المتفق عليه والمعروف بالرشوة، رغم أسماء الدلع، وآخرها الشاى؟ كلنا نعرف أن من أسباب الفساد الذى إذا لم يتوقف سيقودنا حتما إلى الخراب، هو ما سُمى بالانفتاح، حيث انسحبت الدولة وتركت البلد لكل أنواع المافيات.. إذ يصعب أن يقنعنى أحد أن أى مسؤول، حتى لو كان ضعيف البصر، لم يلاحظ الأبراج التى تم تشييدها على الأرض الزراعية، فى طريق القاهرة حلوان، فى سبعينيات القرن الماضى، والتى افتتحت طريق الفوضى والاستهتار بقوتنا وقوت أجيالنا القادمة.. فعلى سبيل المثال، كانت منطقة فيصل مساحة زراعية، تمد القاهرة باحتياجاتها من الأغذية الزراعية، ولكن الذين يريدون لنا أن نموت جوعا، كما قال عالمنا الكبير الدكتور فاروق الباز، تركوا الصحراء الملاصقة وأقاموا مدينة تعج بالسكان فوق كل ما كان يمثل غذاءنا.. استمرار البناء فوق الأراضى الزراعية هو بكل وضوح جريمة مستمرة، السكوت عنها، لا يقل جرما.. وعدم محاسبة كل من تعاقب على المسؤوليات فى المحافظات والمحليات، لن يمكننا من الخروج من نفق الفساد الذى لم يكتف بصبغ حياتنا بالسواد فى كل المجالات، بل يهدد بقاء الوطن ذاته.. نعرف جميعا، أن الحكومات المتعاقبة منذ السبعينيات رفعت شعار غمض عينك تاكل ملبن ، بدلا من شعار فتح عينك تاكل ملبن .. أى أغمض عينيك عن استشراء الرشاوى والصفقات القذرة، لأنك أطلقت العنان للأسعار وقيدت الأجور بالسلاسل.. وفى ظنى، أن مواجهة هذا العبث بمقدراتنا، لم يعد يحتمل التأجيل، وإلا، كما حذّر الباز، سنموت جوعًا..