فى المشهد الأخير من مسلسل «الشوارع الخلفية» يترك جمال سليمان موقعه فى الشرطة، ويتحدى النظام، مضحيا بمنصبه الرفيع «القائم مقام شكرى»، وينضم إلى المتظاهرين الذين يهتفون نموت نموت وتحيا مصر».. تخيلت أن جمال سليمان هو الفنان السورى، وليس حضرة الضابط المصرى، وأنه سوف يتحدى النظام، ويشارك فى المظاهرات السورية التى يزداد هديرها ويهتف «نموت نموت وتحيا سوريا»، أو كما يردد السوريون «الله سوريا حرية وبس»! أعرف أن قبضة النظام السورى باطشة، ولكن هذا الجبروت الطائش تحديدا هو بداية النهاية للنظام المتهالك، الذى بدأ فى حالة هذيان منذ أن اقتلع حنجرة مطرب الثورة إبراهيم قاشوش، بعد قتله ثم محاولة انتزاع أصابع رسام الكاريكاتير، على فرزات، بعد تعذيبه على يد الشبيحة الذين يحركهم الأسد.. هذه الأنظمة تتحول إلى قوة مدمرة قبل أن تدمر الشعب تدمر نفسها! لو عقدنا مقارنة بين موقف النجوم السوريين الكبار وموقف النجوم المصريين الكبار فى غضون أحداث الثورة المصرية سنكتشف أن حال النجوم يتشابه هنا وهناك أغلب الكبار إما أنهم نافقوا «مبارك» أو صمتوا.. عدد من النجوم الشباب المصريين هم فقط الذين انضموا من البداية للثورة، إلا أن الأمر الذى ينبغى أن يعرفه السوريون أن الشعب المصرى لم يتسامح حتى الآن مع من خانوا تطلعه للحرية، والشعب السورى ينتظر ويراقب نجومه الكبار، ولن يسامحهم، وبالتأكيد جمال سليمان صار فى السنوات الأخيرة أحد أهم العناوين المميزة للفن السورى، ولهذا فإن انحيازه للشعب فى هذه اللحظة المصيرية له ثمن كبير، كما أن تقاعسه عن إعلان رأيه سيخسره الكثير من رصيده عند الناس! الفنان كلما ارتفع مؤشر نجوميته صار بين نار السلطة ونار الشعب، وأغلب نجومنا لم يتوقع يوما أن يحدث هذا الصدام، ويصبح عليه أن يختار السلطة أم الشعب.. أغلب الأعمال الفنية التى دأب الصحفيون والنقاد على وصفها بالجرأة، ويشارك فيها عدد من هؤلاء النجوم تتم صياغتها وفقا لإرادة الأنظمة. الفنان ينتقد الفساد والمحسوبية والرشاوى فى كل أجهزة الدولة، ولكن الرئيس ومؤسسة الرئاسة خط أحمر دائما الحاكم هو الملجأ الأخير، ويصفق لها الجمهور والنقاد، وينعتون الكاتب والمخرج والممثل بالشجاعة، ولكنها فى الحقيقة لعبة متفق عليها مع السلطة الحاكمة! الفنان السورى عليه أن ينحاز للحرية، ومن يرددون أن الأسد سوف يقود مسيرة الحرية هم أول من يعلمون أن لا الأسد ولا بن على ولا مبارك ولا القذافى على استعداد أن يمنحوا الحرية، هم فقط يريدون مهلة، وبعدها سيفتكون بشعوبهم تحت غطاء كاذب من الديمقراطية.. الآن يلعبون فى سوريا بورقة الانتخابات المبكرة للرئاسة، قائلين الصندوق يحكم، وهم قادرون على إخراج الملايين لتأييد الطاغية، ليمارس شرعية القمع والتنكيل باسم الديمقراطية.. كانت هذه هى تحديدا الخطة السرية التى وضعها مبارك، عندما طلب مدة للفترة الانتقالية حتى شهر سبتمبر، ومع الأسف بعض النخبة صدقوه، ولم يدركوا أنه خلال تلك المسافة الزمنية سوف يجمع أشلاءه ويفتك بالجميع، ونعود بعدها للمربع رقم واحد، ولهذا أرى أن تحرك الفنان وانحيازه لتطلعات الشعب فى تغيير النظام ينبغى أن لا تنتظر للغد.. أصالة مثلا لم تكتف بأنها رفضت الاشتراك فى ما وصفته بتمثيليات النجوم المؤيدة للأسد، التى دأب على تقديمها النظام السورى فى التليفزيون الرسمى، ولكنها سجلت مؤخرا أغنية من تلحينها وكلمات شاعر سورى الاسم الأول له «رامى»، وأضيف لرامى اسم حركى «نصرى»، وهو لقب أصالة الأغنية اسمها «هالكرسى لوين».. لا أريد من جمال الآن أن ينتقد بشار فى عمل فنى، ولكنى أنتظر أن أراه يهتف فى شوارع سوريا وأسواقها مثل سوق الحامدية، مثلما هتف لمصر فى الشوارع الخلفية «الله سوريا حرية وبس»!!