شىء طبيعى للغاية أن ترفع جماعة الإخوان فى بعض تظاهراتها الأخيرة راية تنظيم داعش، ومن الخطأ أن نتصوَّر أنها فعلت ذلك نكاية فى الدولة المصرية، كما لو أنها تغيظها وتهددنا بأن «داعش» على الأبواب، ولم يبقَ أمام التنظيم المخيف إلا فَرْكة كعب ويأخذ بلادنا ويذبحنا كما يذبح الخراف الضالة، وقطعا «داعش» هنعمل حسابه زى ما بنعمل حساب أى تنظيم إجرامى، لكنه لا يخفينا، ومثله مثل كل الجماعات الدينية فى التاريخ الإنسانى لا مستقبل له حتى لو ملأ الدنيا ضجيجا وصخبا لفترة، فكل هذه الجماعات مجرد نتوءات ومطبات وأعراض جانبية، تعوق حركة الأمم أحيانا لكن لا توقفها عن السير! والحقيقة أن ثمة تماهيا شديدا بين «داعش» و«الإخوان»، فكلاهما استمد وجوده من أفكار حسن البنا، الأفكار التى كانت خميرة الإسلام السياسى فى العصر الحديث، وبالمناسبة لا أجد تعبير «الإسلام السياسى» صحيحا، فهو خطأ دارج، لأن الدين الحنيف أجل وأعظم من أن ننسب إليه جماعات العنف التى ترفع رايته ظلما وعدوانا عليه، وترتكب أفعالا وجرائم شائنة تمتد من بنجلاديش إلى قلب إفريقيا، تسىء إلى كل مسلم على كوكب الأرض، حتى صار العالم ينظر إليه باعتباره «مشروعا إرهابيا محتملا»، والأخطر أن هذه الأفعال والجرائم أوقعت فى دولها قدرا من الأزمات والاضطرابات والانقسامات والحروب الداخلية ما لم يستطِع أعداؤها إيقاع نصفه! وقد يتجرأ المرء ويسأل: هل أعضاء هذه الجماعات يعانون أمراضا عقلية ونفسية تجعل صورة العالم وشؤونه تبدو أمامهم شائهة على غير حقيقتها، كما هو حالهم فى فهم الدين على غير حقيقته، فراحت الصور المشوهة المرتبكة تتحكم فى تصرفاتهم العامة؟ طبعا القاسم المشترك بين «داعش» و«الإخوان» هو النهم الشديد المقنع بالدِّين، نهم على سلطان الدنيا وثواب الآخرة، فتنظيم داعش يفكّر فى خلافة العالم الإسلامى، وراح يحثّ الآخرين من غرب الصين إلى المغرب على مبايعة زعيمة خليفة للمسلمين، حتى إن هذا الخليفة المغمور، الذى تباينت المعلومات فى أصله ونسبه، أرسل قبل شهور رسالة إلى الوالى التركى، رجب أردوغان، يطلب منه الطاعة والانزواء تحت خلافته، وإلا فتح القسطنطينية وكل تركيا، وأنزل به عقابه! وهى نفس الأفضلية على عموم المسلمين التى أسس بها حسن البنا جماعته، التى ابتكرت أستاذية العالم بأسره، «ليتوحدوا تحت لواء القرآن العظيم، ويستظلوا براية النبى الكريم ومنهاج الإسلام القويم»، باعتبار أن الجماعة هى صاحبة التوكيل حصريا أو اختصتها السماء بحمل اللواء والراية والرسالة التى غفل عنها المسلمون منذ سقوط العباسيين. حتى فكرة الغزو التى هدد بها «داعش» أردوغان إذا لم يستجِب لمبايعة الخليفة وردت فى رسائل حسن البنا بالنص: «وفى الوقت الذى يكون فيه منكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمئة كتيبة قد جهزت كل منها نفسها روحيّا بالإيمان والعقيدة، وفكريّا بالعلم والثقافة، وجسميّا بالتدريب والرياضة، فى هذا الوقت طالبونى بأن أخوض بكم لجج البحار، وأقتحم بكم عَنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإنى فاعل إن شاء الله». لكن حسن البنا مات قبل أن يفعل، ولن تقدر جماعته أن تفعل، خصوصا بعد أن قررت المضى قدما فى حرب خاسرة حتى لو ساعدها «داعشيون»!