كان كل شىء يوحى فى الأشهر الأخيرة بأننا ننتظر حصول مبارك على البراءة هو وحبيب العادلى والذين معه، فلا يمكن أن تتحقق براءة مبارك مع إدانة الداخلية مثلا. هل تتذكرون لعبة «السبع طوبات»؟ أغلبكم وتحديدا من هم دون الأربعين لا يتذكرونها. كنا فى الشارع نضع طوبة كبيرة فى الأسفل وفوقها ما هو أقل حتى نصل إلى القمة وهى الأصغر حجما والأعلى شأنا، وحتى تحافظ على الحجر السابع عليك أن تتأكد من ثبات كل الأحجار الستة التى تحمله، وهكذا كان ينبغى أن تصبح براءة العادلى وباقى الضباط هى التى تحمى مبارك من الإدانة، وهو ما يمكن أن تجد له تنويعات أيضا فى براءة حسين سالم وعلاء وجمال وسامح فهمى والشاعر وغيرهم. جاء النطق بالحكم وهو يحمل عنوان «البراءة للجميع»، ورغم أن القاضى الجليل حذّر وتوعّد بالحبس عام كحد أدنى لمن يعقّب سلبا أو إيجابا، ولكنه قبل أن يغادر القاعة كان التصفيق والتهليل يملآن المكان، هل الكل سعداء ممن حضر فى القاعة بالبراءة؟ بالتأكيد لا، ولكنّ الغاضبين استشعروا أن عليهم أن يكظموا الغيظ. 25 يناير ثورة ليست فقط، لأننا عايشناها وشهود عيان عليها لحظة بلحظة، ولكن أيضا لأن الدستور الذى أقسم رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى على احترامه يقر ثورتى 25 و30، وعلى هذا لا يجوز دستوريا التشكيك فيهما، ويبقى الربط بين ثورة 25 يناير النقية وإدانة مبارك ظاهريا صحيحا، ولكن فى عرف القضاء لا إدانة دون وثيقة دامغة، والقاعدة المستقرة هى أن الشك يفسر لصالح المتهم، فى أغلب التهم التى لاحقت مبارك كانت هناك براءة تستند إلى الشكل وليس المضمون، مثل انقضاء المدة القانونية أو عدم ثبوت الأدلة. أمس قلت فى هذه المساحة إننا كلنا شهود عيان كيف أن السلطة أيام مبارك كان يتم إعدادها لكى تؤول هى ومنافعها إلى جمال مبارك، الدولة والأجهزة والصحافة والفضائيات، الجميع كان يعلم، وبالمناسبة أغلبهم كان يشارك فى التمهيد، والكل كان يتعامل فى السنوات الخمس الأخيرة من حكم مبارك على اعتبار أن لجنة السياسات هى التى تحكم مصر وهى نقطة انطلاق الكوادر الجديدة التى ستقف على الميمنة والميسرة من مبارك الصغير فى الجمهورية الجديدة، التى كانت تتشكل يوميا، وهكذا بدأ يتردد سيناريو الخروج الآمن للرئيس مع احتفاظه بلقب الزعيم والأب الروحى. الذى كان يؤخر التنفيذ هم المجموعة القريبة من مبارك الأب، التى كانت ترى أن إزاحته تعنى إزاحتها، الخلاف فقط على التوقيت حتى يتم ترتيب الأوراق. مبارك قال فى كل الحوارات التى أجراها مؤخرا وبكل ثقة إنه لم يفكر ولم يسعَ ولا يمكن أن يقبل بتوريث الحكم، بل استشهد بكلمة له: «مصر ليست سوريا»، بينما على أرض الواقع كان يمهد لها. والسيناريو المتفق عليه هو إجراء انتخابات بين جمال وآخرين ليصبح الأمر خاضعا فى النهاية للديمقراطية. الأحكام لو كانت هى قرينة الثورة لأصبحت مصر لا تستحق تلك الدماء الذكية التى أريقت، والشباب الطاهر الذى فقد الكثير ودفع من جسده أيضا الكثير، عيونا وسواعد وسيقانا، لكى تنتصر مصر. عندما نستعيد البيانات على تلاحقها، والتى أصدرها المجلس الأعلى للقوات المسلحة نوقن أن الجيش كان ليس فقط مؤيدا بل كان محفزا للثورة. هل ننسى شعار «يسقط مبارك»، الذى كُتب على أكثر من دبابة ومصفحة عسكرية؟ هل ننسى كيف غيرت قوات الحرس الجمهورى اتجاه فوهات مدافعها إلى قصر الرئيس، وتم إجباره على التنحى أو ما أطلق عليه «التخلى». قال القاضى الجليل قبل النطق بالحكم إنه ينتظر الحساب أمام الله قاضى القضاة، وكلنا صار علينا أن ننتظر كلمة قاضى القضاة!!