فى مؤتمره الصحفى الذى عقده مع بان كى مون، الأمين العام للأمم المتحدة، يوم 13 أكتوبر الفائت على هامش زيارة بان كى مون ل«إسرائيل»، عقب انتهاء مؤتمر «إعادة إعمار قطاع غزة»بالقاهرة الذى نظمته مصر والنرويج، كان بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيونى حريصًا على أن يرد، ولو بشكل «غير مباشر» على مقررات اجتماع القاهرة، وأن يحسم ما يراه، من وجهة نظره، «قضايا ملتبسة» تتعلق بمشروع «الدولة اليهودية الكبرى» الذى تتبناه الحكومة الإسرائيلية، والذى يعنى تفريغ مشروع «حل الدولتين» من مضمونه لصالح المشروع اليهودى القائم على أساس «أرض واحدة لشعب واحد»، أى أن فلسطين وبالتحديد الأراضى المحتلة عام 1948 «إسرائيل» والأراضى المحتلة عام 1967 «وبالتحديد الضفة الغربية» هى أرض موحدة لدولة موحدة هى دولة إسرائيل وللشعب اليهودى. وحتى يصل إلى ما يريد توضيحه طالب نتنياهو، فى حضور الأمين العام للأمم المتحدة، موضحا مطالبه إلى كل من يعنيهم الأمر وبالذات الشعب الفلسطينى وقيادته والشعب العربى كله وزعمائه، بضرورة الفصل بين ما يجرى فى قطاع غزة وما يجرى فى الضفة الغربية، على أساس أن «القطاع لا تحتله إسرائيل»، وأن الضفة الغربية هى جزء من أرض إسرائيل ومن حقها بناء على ذلك، أن تواصل فيها عمليات مصادرة الأراضى والمنازل وبناء المستوطنات. والخلاصة التى أرادها نتنياهو أن تصل إلى الجميع هى أنه «ليس هناك شىء اسمه القضية الفلسطينية»، وإن وجدت فإنها ليست السبب فى ما يجرى فى الشرق الأوسط من صراعات، وأن الصراعات هى وليدة مجتمعاتها، وهى إفراز لواقع الدول العربية «الفاشلة»، العاجزة عن تحقيق التماسك الوطنى، لكونها تضم مكونات غير متجانسة عرقيا ودينيا وطائفيا، ولأنها دول مستبدة وغير ديمقراطية. الرسالة التى أراد نتنياهو أن يرد بها على مقررات مؤتمر القاهرة لإعادة تعمير قطاع غزة من جراء الدمار الذى أحدثه عدوان «الجرف الصامد» الإسرائيلى هى إذا كنتم تريدون إعمار غزة، فلا تتدخلوا فى ما تقوم به إسرائيل من إعمار داخل الضفة الغربيةوالقدس، والإعمار هنا معناه الاستيطان والاستيلاء على الأراضى من أصحابها، ولذلك نجده يسارع بتثمين التحالف مع جناح الصقور المتشدد داخل الحكومة، خصوصًا مع زعيم حزب «البيت اليهودى» وزير الاقتصاد فى حكومته نفتالى بينيت للحيلولة دون انفراط عقد الحكومة من خلال صفقة ترتكز على قبول نتنياهو التخلى عما كان قد ألمح للقبول به استجابة لضغوط فلسطينية، ومطالب دولية تحت مسمى «التجميد الهادئ» لمشروع التوسع الاستيطانى، واستبدال سياسة استيطانية موسعة، فى مقابل تراجع نفتالى بينيت عن تهديده بالانسحاب من الائتلاف الحكومى، الذى قد يؤدى إلى انهيار الحكومة، وفرض انتخابات مبكرة للكنيست «البرلمان». فعقب إعلان هذه الصفقة أعلن نتنياهو عن خطة لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية، وتوسيع الطرق المؤدية إلى المستوطنات فى الضفة، وأعلن فى كلمة له أمام الكنيست أن «حرب الجرف الصامد ضد قطاع غزة أظهرت أن إسرائيل وحدها تقف أمام قوة إرهاب إسلامى متطرف، وأن صمودنا مصدر هائل للأمل.. أمل بالأمن، وأمل بالمستقبل». لم يكتف نتنياهو بذلك، بل قرر أن يواجه الغرب كله، خصوصًا الولاياتالمتحدةالأمريكية إذا هى وقفت معترضة ما يراه حقوقًا إسرائيلية، وأعلن رفضه «أن يملى أحد على إسرائيل شروطًا يمكن أن تعرض أمننا ومستقبلنا للخطر، وتبعد السلام الذى نتمناه». وشدد على أن «إسرائيل لن تقبل بدولة فلسطينية إلا ضمن تسوية سلمية حقيقية تعترف بها كدولة قومية يهودية، وتتضمن ترتيبات أمنية صلبة وبعيدة المدى ميدانيا، ويمكن لإسرائيل أن تدافع فى إطارها عن نفسها بقواها الذاتية ضد كل خطر». وزاد نتنياهو فى المصارحة مع الغرب، ومع العرب من باب أولى، بقوله: «إن هناك اتفاقًا جماهيريًّا واسعًا بأن لإسرائيل الحق التام فى البناء فى الأحياء اليهودية فى القدس (الشرقيةالمحتلة)، وفى الكتل الاستيطانية ب(الضفة الغربية)»، وموضحا أن «كل الحكومات الإسرائيلية فعلت ذلك فى الخمسين عامًا الماضية وحتى الفلسطينيون يعرفون أن هذه المناطق سوف تبقى بأيدى إسرائيل فى أى تسوية مستقبلية». الفرنسيون يبنون فى باريس، والإنجليز يبنون فى لندن، والإسرائيليون يبنون فى القدس.. لماذا يقولون لليهودى لا تبنى فى القدس». هكذا حسم نتنياهو القضية وزادها حسما عندما تعمد أن يعلن فى حفل إحياء ذكرى مقتل الوزير رحبعام زئيفى أن «حرب التحرير التى بدأت عام 1948 (يقصد الحرب العربية- الإسرائيلية عام 1948 التى انتهت بقيام دولة إسرائيل) لم تنته بعد، وستستمر لسنوات طويلة». نتنياهو أراد أن يجدد المعانى التوراتية التى تزعم أن فلسطين هى أرض اليهود، وأن الفلسطينيين العرب احتلوها، وأن اليهود جاؤوا عام 1948 ليحرروها، فهى إذن «حرب تحرير إسرائيل من المحتلين العرب»، وأنه مع استمرار العداء العربى والفلسطينى لإسرائيل ورفضهم إسرائيل دولة يهودية على كامل «أرض الميعاد» أضحى من الضرورى على اليهود أن يواصلوا حربهم التحريرية لفرض دولتهم على كامل أرضهم، لذلك كان صريحا وواضحا، وهو يؤكد فى ذلك الاحتفال أن «القدس الموحدة كانت وستبقى عاصمة إسرائيل إلى الأبد». مشروع نتنياهو واضح ومحدد المعالم، لكن يبقى الطرف الآخر الفلسطينى والعربى يعيش أوهامه فى مشروع التسوية السلمية غير عابئ بما تعنيه «حرب التحرير» كما يريدها ويعرفها نتنياهو وحكومته.