كما هو متوقع.. تم تفجير جهود المصالحة الوطنية الفلسطينية، ولو إلى حين!! منذ البداية كان معروفا أن العقبات كثيرة، ولكن كان الرهان على أن الجميع سوف يدركون حجم الخطر، وسوف يضعون المصلحة الوطنية فوق أى اعتبار.. ولكن يبدو أن الرهان لم يكن صحيحا!! كانت القوى الوطنية الفلسطينية قد اختارت أن تجتمع فى غزة فى ظل ذكرى رحيل ياسر عرفات بكل ما له من رمزية ومكانة وطنية رفيعة. وكان مقررا أن يبدأ فى هذه المناسبة العمل الفعلى لحكومة الوحدة الوطنية فى غزة لإنهاء سنوات الانقسام وبدء جهود التعمير والتعامل مع المشكلات الهائلة التى يواجهها أهل القطاع. قبل موعد الاحتفال بيومين كانت منازل خمسة عشر من كوادر «فتح» تتعرض لانفجارات من عبوات ناسفة فى نفس التوقيت، وكانت منصة الاحتفال تتعرض أيضا لهجوم شعبية. وكانت الإنذارات توجه إلى هذه القيادات السياسية بأن تلزم بيوتها!! وحملت «فتح» والسلطة الفلسطينية المسؤولية ل«حماس» التى أنكرت مسؤوليتها، ثم عادت -بعد أن صممت القوى الوطنية على إتمام الاحتفال بذكرى عرفات- لتعلن أنها عاجزة عن تأمين هذا الاحتفال (!!) وبالتالى تم إلغاؤه، كما تم إلغاء اجتماع حكومة الوحدة الوطنية، وانكشفت -مرة أخرى- الأزمة الحقيقية التى تهدد أى جهود لوحدة وطنية تحتاج إليها فلسطين أكثر من أى وقت مضى!! إنها مأساة أن يجرى هذا العبث فى وقت يتعرض فيه المسجد الأقصى للخطر، وتتصاعد الهجمة الإسرائيلية لاستكمال تهويد القدس مستغلة الظروف التى تمر بها المنطقة والتحديات التى تواجه العالم العربى. إنها مأساة أن يجرى هذا العبث بينما العالم يستيقظ متحديا التأييد الأمريكى الأعمى لعدوان إسرائيل، وتبدأ دول أوروبا فى اتباع الخطوة الهامة التى أقدمت عليها السويد بالاعتراف بدولة فلسطين، وبينما تستعد السلطة الفلسطينية للجوء إلى الشرعية الدولية لاستصدار قرار بأن فلسطين دولة تحت الاحتلال وتحديد موعد لإنهاء هذا الوضع وفرض استقلال الدولة على إسرائيل ومن يدعمونها، وبينما يجرى الإعداد لجر السفاحين من زعماء إسرائيل وقادتها للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية على جرائم الحرب التى ارتكبوها ضد الشعب الفلسطينى. إذا لم تفلح كل هذه التحديات فى جمع الصف الفلسطينى.. فمتى يجتمع؟! وإذا لم تكن دماء آلاف الشهداء كافية لإرغام الجميع على الانضواء تحت علم فلسطينى واحد.. فمتى يحدث ذلك؟! وإذا لم تكن كل الفصائل الفلسطينية قد تعلمت الدرس من سنوات المحنة وكارثة الانقسام.. فمتى تتعلم؟! نحن لا نريد أن تتطور الأمور إلى ما هو أسوأ. وإذا كان البعض ما زال يتصور أن هناك مجالا للمناورات بشأن الوحدة الوطنية الفلسطينية، فعليه أن يراجع حساباته جيدا لأن ثمن الخطأ هذه المرة سيكون فادحا!! نعرف أن هناك أطرافا مشبوهة.. عربية وإقليمية تتشارك مع إسرائيل فى حرصها على بقاء الانقسام الفلسطينى. ونعرف أن البعض فى «حماس» أو غيرها يريد أن تكون حكومة التوافق مجرد «خيال مآتة» وأن تظل السلطة على الأرض فى غزة كما هى، ويظل الانقسام هو الحقيقة، ويظل الشعب الفلسطينى يدفع فواتير صراعات على السلطة، وأوهام بإمارة أو خلافة مزعومة، وسلاح لا يتوجه لتحرير القدس كما يزعم البعض، بل لصدور الأشقاء ولتنفيذ مؤامرات الأعداء ضد فلسطين والعرب. إنها جريمة لا تغتفر.. أن يظل هذا المنهج يحكم فكر البعض وتصرفاتهم فى لحظات مصيرية.. وبينما الأقصى فى خطر، والقدس تشتعل بالغضب والثورة، والعالم العربى يمر بأصعب لحظات تاريخه المعاصر، والقضية الفلسطينية فى مفترق الطرق. إنها جريمة لا تغتفر.. أن يترك البعض كل ذلك جانبا لكى يتفرغ لصراع تافه على السلطة، أو ليكافح من أجل أن لا يجتمع الشعب الفلسطينى حول ذكرى عرفات لأنه يذكرهم بما غاب عنهم فى السنوات الماضية.. إن الوحدة هى الفريضة الواجبة، وإن السلاح الفلسطينى لا ينبغى أن يوجه إلا لتحرير الوطن وليس إلى صدور الأشقاء!!