أشك كثيرا جدا أن عصابة إخوان الشياطين وسائر عصابات الإجرام والقتل والتخريب، التى خرجت من مغارتها المظلمة عقلا وروحا، يعرفون أو حتى سمعوا مجرد سمع باسم الروائى البريطانى ذائع الصيت جورج أورويل (1903- 1950) صاحب روايتى «مزرعة الحيوانات» و«1984»، المصنفتين ضمن أهم وأكثر منتجات الأدب فى القرن العشرين شهرة وانتشارا، فضلا عن كونهما تحفتين إبداعيتين تفوقتا فى تشريح وتحليل النظم والعصابات الفاشية وتتبع آلياتها ووسائلها الشريرة للهيمنة على عقول خلق الله وتدجينهم وتزييف وعيهم، وأهمها استخدام ترسانة لغوية متخمة بمصطلحات وشعارات وعبارات مبهمة أو مخاتلة ومشوهة عمدا، ليس لها من هدف إلا سحق أفهام الناس وتشويش أفكارهم وتسويغ الظلم وتبرير القهر. لقد أعطى أورويل قضية «اغتصاب اللغة»، وتحويل الخطاب السياسى الكذوب إلى سلاح دمار عقلى شامل وأداة للسطو على الأدمغة من أجل «التكمين» للنظم والعصابات الفاشية وضمان استمرارها، أهمية قصوى ومركزية، حتى إنه لم يكتفِ بالتركيز الشديد على هذه القضية فى روايتيه المذكورتين، وإنما جعلها موضوع بحث معمق وخطير عنوانه «السياسة واللغة» نشره فى عام 1946، أوضح فيه المعانى التى سربها بنعومة وبطريقة غير مباشرة فى دراما «مزرعة الحيوانات»، حيث سرق الخنازير وتوابعهم الكلاب الثورة من الباقين، وفى «1984» عندما فرض «الأخ الأكبر» ديكتاتوريته العاتية وزينها بركام هائل من الشعارات التى لا ينافس بريقها إلا غموضها وإبهامها وكذبها أيضا.. وكرس أورويل بهذا البحث مصطلح «اللغة السياسية الأورولية» المستخدم بغزارة حتى الساعة فى وصف خطاب الديكتاتوريين والفاشيين. ورغم أن شكوكى تلامس حدود اليقين أن تعليم وثقافة جماعات الظلام والإجرام التى نكتوى حاليا بنار إجرامها لا تسمح لهم بمعرفة جورج أورويل أصلا، فضلا عن إبداعاته واجتهادته، فمع ذلك هناك قائمة طويلة من الأدلة التى تثبت أنهم توصلوا ب«الغريزة» وليس العقل إلى نوع بدائى من «اللغة الأورولية» ربما تضيق هذه الزاوية عن رصدها ورصها وتتبعها جمعيا، لكننا رأينا واستمعنا وما زلنا نسمع نماذج منها اقتحمت حياتنا بكثافة ملحوظة بعدما نشلت «العصابة الأم» ثورة 25 يناير بينما هى تكره وتعادى كل أهدافها وشعارتها الراقية النبيلة. تحكى رواية أورويل «مزرعة الحيوان» للقراء كيف «لطشت» الخنازير وحلفاؤهم الكلاب ثورة قام بها جميع أنواع الحيوانات فى هذه المزرعة ونجحت فى طرد البشر كلهم منها، بمن فيهم مالكها القاسى الظالم مستر جونز، غير أن الخنازير تمكنوا من السطو على السلطة والثروة وفرضوا بمساعدة قيمة من الكلاب خنزيرا كان يدعى «سكويلر» قبل الثورة، لكنهم لأسباب مفهومة أطلقوا عليه لقب «نابليون» ونصبوه قائدا يحكم ويتسلطن تحت ظلال شعارات مبهمة وغامضة، بيد أنها تبدو براقة وثورية مع أن هدفها الوحيد هو تمرير خطة «التمكين» لسادة جدد أعادوا بسرعة إنتاج الظلم نفسه والقهر عينه الذى كانت الحيوانات تكابده قبل أن تنتفض وتثور. وترصد الرواية عينات من خطاب ملتوٍ وشعارات غوغائية ونظريات خداع اخترعها النظام القمعى الجديد ونشطت أبواقه الكذابة فى ترويجها وإشاعتها والإلحاح عليها، ومنها مثلا نظرية «المبادئ الحيوانية» العليا (تشبه فكرة الدستور) التى رغم أنها «مبادئ» فإنها تهدر العدالة ولا تسمح بمساواة حقيقية بين أنواع الحيوانات، بل تميز بينهم وتسوغ تمتع الخنازير والكلاب وحدهم بامتيازات سياسية ومعيشية محروم منها سائر حيوانات المزرعة الآخرين!! هل ترى الشبه واضحا إلى درجة التطابق بين نظرية «المبادئ الحيوانية» هذه، وشعارات كذابة ومخاتلة وخادعة تستهدف بسمومها رؤوس البسطاء والغلابة والمعدمين فكريا وروحيا وأخلاقيا، مثل «الشريعة» وما يسمى «المشروع الإسلامى» و«دولة الخلافة»... إلخ؟ تلك التى ترفعها جماعات وعصابات الضلال والجريمة عندنا وتعمل تحت ظلالها لإشاعة الظلام ومقاومة النور وتبرير التخلف وتسويغ التأخر والهمجية، وشرعنة الطائفية الممزوجة بالخراب والتقتيل والترويع وتمزيق الأوطان.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.