رغم الآلام التى سببتها حادثة العريش الإرهابية لكل المصريين فإنها لم تخل من إيجابية، فقد أدت إلى توحد الأمة حول هدف محدد هو محاربة الإرهاب، وصاحب ذلك التفاف حول السيسى من معظم القوى السياسية حتى التى كانت لها ملاحظات على أدائه هو والحكومة خلال الفترة السابقة، وارتفع التوافق الشعبى عليه إلى درجة كبيرة تكاد تقترب من شعبيته فى الفترة، التى سبقت انتخابه مباشرة، إذ كانت جماهيريته فى قمتها، أما بعد توليه السلطة فقد ابتعد عنه عدد من القوى، التى كانت مؤيدة له، بسبب اختلافها مع سياسته فى عديد من القضايا، لكن الشعور بالخطر أعاد معظمها إلى الاتفاق معه فى التصدى للإرهاب، ومن هنا جاءت الفرصة للسيسى من جديد لكى يستعيد هذه القوى إلى جانبه مرة أخرى، وعلى سبيل المثال، فإن جزءًا غير قليل من طلبة الجامعة أصبحوا معارضين له بسبب عدم تعديل قانون التظاهر، الذى يرونه جائرا، كما يحمّلونه مسؤولية تصرفات بعض ضباط الشرطة وعمليات القبض العشوائى، التى طالت بعض زملائهم، رغم عدم انتمائهم إلى الإخوان أو مشاركتهم فى أعمال عنف، بل إن بعضهم تم القبض عليه لوجوده بالصدفة فى مكان المظاهرة، وهناك عديد من الوقائع، التى كتبها بعض النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى، وبعضها رصدته منظمات حقوق إنسان، وهو أمر كان يتطلب التحقيق فى هذه الوقائع، كما كان يأمل البعض فى أن يصدر عفو رئاسى عن الطلاب، الذين يثبت عدم انتمائهم إلى الإخوان، حتى لو كانوا شاركوا فى المظاهرات، أيضا محاولة تعديل قانون الجامعات، الذى كاد يمنح رئيس الجامعة سلطة كبيرة فى فصل أساتذة الجامعات جعل عديدا من الأساتذة يشعرون بتراجع الحريات، وعموما فإن ملف الحريات يحتاج إلى نظرة سريعة، وعاجلة من السيسى الآن. قطاع آخر بدأ فى الانفضاض من حول السيسى بعد قرارات الحكومة المجحفة فى حقهم، وهم الفلاحون الذين اشتكوا مؤخرا من رفع أسعار الأسمدة، الذى جاء عشوائيا، ودون دراسة، فصب فى صالح التجار، وأضر بالفلاح الفقير، وسبق ذلك شكاوى المزارعين من تجاهل الحكومة لهم فى أزمة أسعار القطن والقمح، حتى إن بعض قيادات نقابات الفلاحين قال لن يذهب الفلاحون إلى الانتخابات البرلمانية القادمة احتجاجا على تعنت الحكومة معهم، هؤلاء الذين كانوا سندا شعبيا كبيرا للسيسى فى انتخابات الرئاسة، كانوا ينتظرون نظرة من الرئيس، لكنه حتى الآن لم يلتفت إليهم، بل إنهم بعد انتخابه عانوا من النظرة الدونية لهم، التى وضعتهم فى مرتبة متدنية فى المجتمع، حتى إن المجلس الأعلى للقضاء رفض التحاق أبنائهم بالنيابة بدعوى عدم حصول آبائهم على مؤهل عال، ورغم الاعتراضات والاحتجاجات التى قام بها المستبعدون من تعيينات النيابة بالمخالفة للدستور فإن السيسى لم يستمع إلى شكواهم، ولم ينصف هؤلاء المظاليم، ولا رد إلى آبائهم الفلاحين قدرهم واعتبارهم. فئة ثالثة هم العمال الذين صدرت لهم أحكام قضائية متعددة بإعادة بعض الشركات، التى تم خصخصتها إلى ملكية الدولة، بعد أن ثبت وجود مخالفات فى عمليات البيع، التى تمت بأبخس الأثمان، ولم يتم تنفيذ هذه الأحكام حتى الآن، وأيضا العمال الذين فصلوا من شركات قطاع الأعمال والقطاع الخاص الاستثمارى وعددهم يتجاوز 15 ألفا، وكانوا يأملون فى العودة إلى العمل، خصوصا أن الأمر لا يستلزم سوى قرار من الحكومة لعمال شركات قطاع الأعمال، والتفاوض مع أصحاب الشركات الخاصة بالنسبة إلى الباقين. مجموعة رابعة وهم المنتمون إلى الطبقة الوسطى، الذين وجدوا أنفسهم يواجهون ارتفاع الأسعار وزيادة فواتير الماء والغاز والكهرباء رغم انقطاعها لفترات طويلة بجانب رفع أسعار البنزين، وهؤلاء كانوا يأملون فى تخفيف العبء عنهم، فوجدوا كاهلهم ينوء بحمل ثقيل. جزء من كل هذه القطاعات شاركوا فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو وفرحوا واحتفلوا بسقوط نظامى مبارك والإخوان، وحلموا بنهاية عصر الفساد، والاستبداد السياسى ومن بعده الاستبداد الدينى، لكنهم حتى الآن لم يشعروا بأن حياتهم تغيرت إلى الأفضل، وفوجئوا بهجوم على ثورة شاركوا فيها، توصف الآن ب«المؤامرة» دون أن يتدخل الرئيس لوقف هذه المهزلة، مكتفيا بكلام جميل عن الثورة يتبعه هجوم عليها من بعض من يحسبون أنفسهم عليه. كل هؤلاء انفضوا من حول السيسى، وها هم يعودون إليه دفاعا عن الوطن ضد الإرهاب، فهل ينتهز الرئيس الفرصة ويعود هو إليهم مرة أخرى؟ هل من الصعب أن يعدل قانون التظاهر ويُفرج عن الطلبة غير المتورطين فى العنف، ويزيد من مناخ الحريات، التى كان الجميع يأمل فى أن تبلغ أوجها بعد ثورتين؟ ألا يستطيع أن يدرس حالة الفلاح المصرى وينقذه من براثن حكومته، ويتفاعل مع مطالب العمال، وينظر بعين العدل إلى الطبقة الوسطى؟ هل يمكن أن يبدأ السيسى مصالحة مع القوى، التى ابتعدت عنه، التى من المنتظر أن يتزايد أعدادها إن أضاع هذه الفرصة؟