يشير الخبراء الاقتصاديون إلى ظاهرة الدولة الريعية كونها غير قادرة على تحقيق تنمية طويلة الأجل. الدولة الريعية هى التى تعتمد فى مصادر دخلها على هِبات من الطبيعة، مثل البترول أو معونات عسكرية واقتصادية، نتيجة موقعها الجغرافى والاستراتيجى. والدولة الريعية لا تعتمد على المواطنين أو الاستثمار المحلى لزيادة دخلها، وبالتالى لا تلجأ إلى إصلاحات مؤسسية وهيكلية، أو تهتم بالاستثمار فى التعليم والخدمات العامة، فحينما تمطر السماء نقودا تنسى بعض تلك الدول أهمية بناء نظام سياسى واقتصادى سليم ومستدام. أتطرق هنا إلى ظاهرة شبيهة فى مصر، ألا وهى «المستثمر الريعى» كرد فعل للسياسات الاقتصادية الحالية، سواء اتفقنا أو اختلفنا معها. نعم، هناك ضرورة قصوى للمشروعات القومية لتطوير البنية التحتية الاقتصادية ورفع معدلات التشغيل وتحقيق نمو، كما أن سبل التمويل المعمول بها حاليا ربما تكون البديل الوحيد المتوفر، لكن توابع الاندفاع نحو مشاريع قومية جديدة فقط وتمويلها من خلال شهادات الاستثمار خطيرة على مستقبل التنمية فى مصر، إن لم نتوخَّ الحذر من آثارها السلبية. فقد كانت هناك فرحة مفهومة بسبب قدرة الحكومة على تشجيع المواطنين على جلب نحو 27 مليار جنيه من خارج القطاع المصرفى، واعتبر البعض هجرة تلك الملايين من «تحت البلاطة» إلى البنوك نجاحا فائقا، وهو تحليل صحيح، لكن ينقصه السؤال الأهم: لماذا فضَّل المصريون الاعتماد على الفائدة البنكية بدلا من الاستثمار؟ والإجابة السريعة هى أنه يوجد مشكلة فى مناخ الاستثمار سمحت بوجود مبالغ طائلة خارج السوق الرسمية. المستثمر الريعى يعتمد على استثمار أمواله فى شهادات للحصول على فائدة مضمونة أو شراء قطعة أرض أو بيت حتى يرتفع سعره ويبيعه. ويؤدى سلوك عدد لا بأس به من المواطنين فى الاستثمار، إما فى شهادات الاستثمار وإما فى الأنشطة العقارية، إلى إضعاف قدرة مصر التنافسية فى الاستثمار المحلى، علما بأن القطاع الخاص هو المصدر الرئيسى للتشغيل. فارتفاع الإيرادات العامة للدولة بزيادة تصل إلى 103 مليارات ليس مؤشرا على التنمية، لأن نحو 98 مليارا منها من المنح التى حصلت عليها مصر فى ظروف استثنائية، كما أن نسبة كبيرة من ارتفاع حصيلة الضرائب هى بسبب ارتفاع المرتبات المحلية أو من حصيلة الضرائب على عوائد أذون وسندات الخزانة، لا نتيجة زيادة فى الإنتاج أو الاستثمار. اعتماد فئات كثيرة من المصريين على عوائد الأنشطة العقارية أو فوائد شهادات الاستثمار من شأنه أن ينشر ظاهرة المستثمر الريعى الذى يختار الحل الأسهل، فتزداد التحديات الاقتصادية تعقيدا، ويتضخّم الديْن الداخلى وترتفع معدلات البطالة، ولذلك يجب أن تنشغل الحكومة بتشجيع صغار المستثمرين فى إطار أجندة وطنية للتنمية، بجانب انشغالها بالتركيز على المشاريع القومية، فبناء اقتصاد معرفى يتيح فرصا متساوية للمواطنين للحصول على خدمات عامة متميزة، ويفتح المجال أمام الاستثمار، هو السبيل الأصلح إلى المستقبل، حتى لا نجد أنفسنا أمام مستثمرين لا يستثمرون.