داخل حجرته ممتدًا على سريره المهندّم يطالع شاشات التلفاز التي تتواتر أخبارها عن ردود الفعل العالمية حول زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الأممالمتحدة، متأملاً بدقة ملامح وجوه القوم من العرب والتصفيق الحار المصافح للرئيس فور انتهائه من كلمته، ليقطع ذلك كله طرقات باب الغرفة ليبادر ضابط الحراسات الرئيس الأسبق بأن صحف المساء قد جاءت إلى سيادته ليأمره متأففًا :" هاتهالي، أشوف كاتبين عني ايه بكرة " ! محكمة "مانشيت باللون الأحمر تقول كلماته:" مبارك أمام محكمة القرن غدًا"، مدققًا في ذلك اليوم الصعب على نفسه، فيومٌ كهذا اليوم لن يمر مرور الكرام، حتماً سيتوقف عنده، يراجع تفاصيله مليّا، يستعيد مشاعره، أحزانه، نظرات الجالسين من امهات الشهداء أو المطالبين بالحق المدني، أو الصيحات المتعالية خارج أسوار أكاديمية الشرطة حيث النطق وإسدال الستار عن محكمة "الرئيس المخلوع بأمر الشعب":" تتداخل إلى مسامعه أصوات :" لابد من يوم تترد فيه المظالم، وسط يمط لثام شفتيه متعجبًا ومستنكرًا على ما تصك أذنيه مثل هذه الكلمات الموجعة باستمرار، والمؤلمة بسياط الدموع، والمنفّرة من أي أمل قد يروق على منصة القضاء الجالس، أو حتى الواقف ممثلاً في محاميه الفريد والمتأهب كالذئب" ! الرئيس يتنحى وفجأة تظهر على الشاشة استعدادات المحاكمة وتتداخل جلساتها السابقة ويمر الشريط أمامه قبل أن يقول الحاجب كلمته الشهيرة ليسرح المعزول فيما مضى لينصت إلى الشاشة حزينًا على مات : «قرر الرئيس محمد حسنى مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية»، هكذا فى أقل من نصف دقيقة، توقف شريط السينما وانتهى الفيلم وصار لزاماً عليه أن يختفى من على الشاشة إلى مكان آخر تنطفئ فيه الأنوار، وتسكن فيه الأصوات، وتتداخل فيه صباحات الأيام مع مساءاتها. خلال 501 يوما منذ عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي وحتى السبت المقبل 27 سبتمبر، اتهم محمد بديع مرشد جماعة الإخوان في 25 قضية، أحيل 11 منها إلى المحكمة، وقد يكون بديع على موعد "قريبا" مع القضية رقم 26 وهي قتل متظاهري ثورة 25 يناير 2011. منْ قتل المتظاهرين ؟ فرغم أن جماعة الإخوان، شاركت في ثورة 25 يناير، إلا أن الإجابة على سؤال من قتل المتظاهرين التي جاءت في شهادات رجال الجيش والشرطة أمام محكمة جنايات القاهرة، حملت الإخوان مسؤولية القتل، وبرأت مبارك من تهمة إصدار أمر بقتل المتظاهرين، وبرأت - أيضا - الداخلية من تهمة القتل، وهو ما يعني أن مرشد جماعة الإخوان وأعضاء بالجماعة قد يكونون على موعد مع قضية جديدة. مؤامرة يناير .. ! محمد الدماطي، محامي مرشد الإخوان توقع حدوث ذلك، وقال في تصريحات صحفية: "في ظل الخصومة السياسية مع الإخوان، وظهور بعض الأصوات الإعلامية التي حولت ثورة يناير من ثورة إلى مؤامرة، وفي ظل شهادة الشهود التي اتهمت الإخوان باقتحام السجون إبان الثورة، وهي القضية المتهم فيها الرئيس الأسبق محمد مرسي وعدد من قيادات الإخوان، لم يعد الأمر مستبعدا". ولا يوجد نص قانوني يلزم النيابة العامة بتقديم متهمين جدد في حال تبرأة مبارك ونظامه، غير أن القانون يتيح لها خلال مدة 10 سنوات فتح القضية من جديد بتقديم متهمين جدد، سواء حصل مبارك يوم السبت على البراءة أم لا، بحسب الدماطي. وأضاف: "في حال حصول مبارك على البراءة، فإن شهادات الشهود قد تدفع النيابة العامة نحو تقديم الإخوان كمتهم جديد". وخلال 9 شهادت ومرافعات، أوردتها وسائل إعلام محلية، أدلت بها شخصيات أمنية وعسكرية بارزة إبان ثورة 25 يناير، هاجموا جميعا ثورة يناير، وبعضهم اعتبرها "مؤامرة خارجية"، واتهموا عناصر الإخوان المسلمين بقتل المتظاهرين. الرويني يشهد وقال قائد المنطقة المركزية اللواء حسن الرويني، إبان ثورة يناير في شهادته: "الثورة حصلت قبل ذلك في تونس ولازم كان يحصل في مصر وكان مخططاً أمريكياً بالاتفاق مع الإخوان والوثائق التي وجدت عبارة عن خرائط لتقسيم البلاد وكان فيه خطة اغتيال معنوي للمجلس العسكري. وعندما سئل اللواء حمدي بدين قائد الشرطة العسكرية، مَن الذي لديه القدرة على إسقاط الدولة في هذا التوقيت "، قال "الذي له حلم أن يكون رئيس دولة، وعندما سألته هيئة المحكمة: "الإخوان هم المسئولون عن أحدث الفوضى في البلاد حينذاك ؟ أجاب: "أيوه. البرعي.. براءة مبارك توقّع الناشط الحقوقي نجاد البرعي، استباق الأحداث والإفراج عن مبارك غدًا السبت، أو إدانة الرئيس المخلوع ونظامه، لكنه قال في تصريحات خاصة لوكالة الأناضول: "لن أفاجئ في حالة التبرئة؛ لأننا ضيّعنا فرصة محاكمة نظام مبارك سياسيًا، واخترنا طريق المحاكمة الجنائية. وأضاف: "كان يمكن أن نحاكم مبارك على التدهور الذي شهدته مصر طوال ال30 عاما الماضية، لكننا اخترنا أن نحاكمه جنائيًا، والقانون الجنائي لا يعترف إلا بالوقائع والشهود والأدلة. ولم يدن مبارك حتى الآن إلا في قضية واحدة هي القضية المعروفة إعلاميا بقضية "القصور الرئاسية"، والتي حصل بموجبها على حكم بالسجن 3 أعوام، فيما حصل أغلب رجال نظامه على البراءة في قضايا أخرى، وحصل رجال شرطة من عدة محافظات اتهموا بقتل المتظاهرين في محافظاتهم خلال الثورة على براءات متتالية. ويسدل القاضي غدًا السبت الستار على آخر القضايا المتهم فيها مبارك وبعض من أفراد نظامه، وهي قتل المتظاهرين والفساد المالي، بعد أن حدد غدًا السابع والعشرين من سبتمبر الجاري، موعدًا للنطق بالحكم في القضية. نهار خارجي كاميرات الإعلام تزحف، والديب يهرب بموكله بعيدًا عن أعين الإعلاميين بعد وصلة التهاني التي تأتيه من بين يديه ومن خلفه خاصة من أنصار المخلوع:" مبروك ياريس"، "ربّك كريم يابو علاء"، الحرية للرؤساء"، ليقطع كل ذلك نحيب وبكاء من بعيد يأتي من سيل هادر من متظاهرين يقتحموا الصفوف وينتزعون مبارك من بين يدي محاميه فريد الديب ليقتصوا هم على طريقتهم، طالما ان عدل الأرض لم يات لهم بجد على مدار 3 سنوات، عانت الأرامل فراق الأحباب، وتشرد الأطفال، ورحلت أمهات الشهداء بعد أن عانين مرارة الظلم، ليستيقظ مبارك على خبطات خفيفة على الباب:" سيّدي الرئيس، الطائرة المنتظر أن تقل سيادتكم في الانتظار ..!