خرج الرئيس السيسى على الموقف الرسمى الذى تعهدت به مصر، والذى دَرَجَ على الالتزام به جميع المسؤولين المصريين عبر عقود، عندما قال إن زيادة السكان فى مصر تُعدّ ثروة حقيقية. وقد وضع شرطاً لتحقيق هذه المزية قائلاً: إذا أُحْسِنَ تدريبها وإعدادها لتكون مؤهَّلَة للانخراط فى المشروعات العملاقة التى تدشنها مصر فى المرحلة الحالية. قارِنْ هذا الكلام بما كان يقوله مبارك، فى إطار توبيخه للشعب، بعبارته الشهيرة: «هوا أنا ها أعمل لكوا إيه؟ ما انتو عمالين تزيدوا وتبلعوا كل فوائد التنمية!». ولاحِظً أيضاً أن مرسى عندما تولى قال كلاماً شبيهاً بمضمون كلام مبارك وهو يتكلم عن فهمه لأسباب معوِّقات التنمية! الحقيقة الساطعة أن المصريين يزدادون سكانياً برغم المشاكل الاقتصادية التى رفعت سن الزواج، وأدت إلى انتشار ظاهرة العنوسة! فما بالك كيف يكون الأمر فى ظل نهضة اقتصادية تسمح بالزواج فى السن الطبيعية وقد تُشجِّع على الزواج المبكر؟ وقد قدر السيسى أن تكون الزيادة نحو 40 مليون نسمة خلال ال 15 عاماً المقبلة. وكان غريباً أن برامج تحديد النسل كانت تقف وراءها منظمات دولية تنفق على هذه الحملات ببذخ غير معهود فى بقية المسائل الأخرى التى تهم مصر! وكان هذا وحده كافياً لإثارة الريبة ولطرح الموضوع للنقاش العام، وكان الدكتور حامد ربيع يقول لتلاميذه منذ نصف قرن إنه إذا كان على كل مستفيد أن ينفق على الخطط التى تعود عليه بالمكاسب، فإن إسرائيل هى التى يجب أن تتحمل بالكامل نفقات برامج تحديد النسل فى مصر، لأنها هى المستفيد من تخفيض عدد سكان مصر! ومع ذلك فقد فشلت كل هذه البرامج لعدة أسباب موضوعية غفل عنها أصحاب المشروع، تتداخل فيها العوامل الطبيعية والثقافية والدينية والاجتماعية. من ذلك أن خصوبة الشعب المصرية مرتفعة، ويُرجعها البعض إلى الجينات والمناخ، ومنها النوازع الدينية التى ترسخت عن تحريم منع الحمل، ومنها أن زيادة الأبناء هى فى صالح الأغلب الأعمّ من المصريين، يحتاج الفلاح لأبنائه لمساعدته فى الزراعة، كما أنهم فى ثقافته «عزوة» يتباهى بها، بل إن المتسول أيضاً يحتاج لمزيد من الأبناء ليحصدوا له المزيد من الصدقات، وغير ذلك كثير. ولم يحدث طوال العقود الماضية، ومنذ تبنى الغرب قضية تحديد النسل، أن طرح مسؤول مصرى كبير، قبل السيسى، منطق الاستفادة من زيادة السكان، برغم الشواهد الكثيرة التى كانت تعزز مناقشة الأمر من جوانب أخرى تختلف عن السياسة التى تصر عليها علناً أمريكا والدول الأوروبية، ذلك أن بعض دول الغرب التى تطالبنا بتحديد النسل تدفع علاوات إضافية لعائل كل طفل جديد يحمل جنسيتها، كما أن أمريكا تفتح باب استقبال الهجرة حتى الآن بعد أن زاد عدد سكانها على 300 مليون نسمة! أضِف إلى ذلك نموذج الصين الرهيب الذى أثبت صحة ما أعلنه السيسى بأن الزيادة السكانية يمكنها بشروط خاصة أن تكون عامل قوة لا عامل ضعف. ومن المؤكد، فإنه فى ظل التخلف وغياب التنمية المستدامة وتدهور التعليم والصحة وما شابه، فإن أى زيادة فى السكان هى عامل سلبى، أما فى ظل نهضة شاملة حقيقية تضع الخطط العملية الناجحة، فإن البلاد تصير فى أشد الحاجة للقوة العاملة المتعلمة الماهرة من أبناء الوطن، وإلا فسوف تلجأ لاستيراد العاملين من الخارج، وسوف يعالِج هذا مشكلة البطالة، كما أن هذه القوة العاملة، عندما تتحصل على أجر، تصبح قوة شرائية فى السوق، ويترتب على إقبالها على السلع تنشيط للمنتجين الذين يحققون أرباحاً تساعد على توسعة أعمالهم، بما يعنى توظيفهم لمزيد من العمالة، التى بدورها تقلل من البطالة وتصير قوة شرائية..إلخ، وهذا ما دعا بعض العلماء إلى اعتبار البطالة مشكلة اقتصادية قبل أن تكون اجتماعية، ناهيك عن منظومة القوانين التى تحمى المنافسة، وتحارب الاحتكار، وتضع الحوافز المادية والأدبية للمنتجين الذين ينفقون على البحث العلمى، والذين يتيحون فرص العمل لذوى الاحتياجات الخاصة، والذين ينفقون على الأعمال الخيرية..إلخ، وهكذا تكتمل الدائرة الصحية للاقتصاد. والعمود الفقرى لأى نهضة هو التعليم المتطور، ولكن أنظر إلى خبرتنا التعسة، حيث يعجز نظام التعليم حتى الآن عن سدّ الثغرة الهائلة التى لا يستوعب بسببها كل التلاميذ فى سن التعليم الإلزامى، كما أنه يعانى من مشاكل هيكلية تتعلق بالنظام وبالمنشآت التعليمية وبمستوى المعلم وبالدروس الخصوصية، إضافة إلى تخلف محتوى الكتب التعليمية، وغير ذلك. ولم تعد روشتة علاج التعليم غامضة، بل إنها من الانتشار إلى الحد الذى بات يعرفها كل من يهتم بالعمل العام، كما أن نماذجها الناجحة متاحة فى تجارب الأمم الأخرى، التى هى فى عملية تطوير دائمة ليس لها نهاية، لأنه، وكمثل حى واحد، فإن طموح تقليل عدد التلاميذ فى الفصل لا يتوقف، فكلما تحقق هدف مرحلى كلما انفتح الأفق عن خطط إضافية تسعى لمزيد من التخفيض، وهذا من أهم عوامل إتاحة فرصة أكبر للمعلم فى الشرح وللتلميذ فى الفهم. كما أن الاهتمام بالتعليم الفنى يزداد، لمن سبقوا فى النهضة التعليمية، ويتجلى ذلك فى التوسع فى تأسيس مدارسه، وفى الحرص على أن يواكب أحدث التطورات حتى يجيد الخريج التعامل مع آخر ما أنتجه العصر، إضافة إلى المزايا الأخرى التى يعرفها التلاميذ جيداً والمتمثلة فى سرعة إيجاد فرصة عمل بعد التخرج بأجر مجزٍ، إضافة إلى نشر ثقافة احترام هذا العمل وتقدير العامل فى مجاله، بتدعيم الفهم العام بأن المجتمع فى حاجة للفنيين لا تقل عن حاجته لخريجى الجامعات.