لضيق الوقت وللظروف المُلحَّة استجاب القائد العام، عبد الفتاح السيسى، لنداء الدولة ليكون رئيسا لمصر فى أحلك ظروف لم ترَها الأمة منذ النكسة، الرجل جاء من الدار إلى النار دون الاستعداد الفعلى للحياة السياسية والمدنية، الرجل منذ نعومة أظافره وهو رجل عسكرى، ولا يعلم شيئا عن دولاب السياسة المصرية المعقدة والمتشابكة، ومطلوب منه فى لمح البصر أن يفهم السياسة المصرية العتيقة، ووجد نفسه مطالبا بعدة إصلاحات فى دولة فقيرة منهكة متعبة مديونة مفككة تقريبا، وكل الحياة السياسية من حوله فارغة تماما من العقول السياسية إلا من فردين تقريبا دخلا نظام الدولة، وعرفا كل تفاصيلها، اتفقنا أو اختلفنا عليهما، وهما عمرو موسى الذى تربَّى على يد أعظم وزير خارجية وهو إسماعيل فهمى، وكمال الجنزورى الذى قضى كل عمره داخل أجهزة الدولة، والباقى مجتهدون، وبعضهم مغرور وجاهل، والبعض ما زال يتعلَّم، وهذا هو سر هذا الانفصال الرهيب ما بين النظام الحاكم، والشعب المتلهّف لعودة ناصر من جديد. وإذا أضفنا السادة الإعلاميين نجد الكارثة واضحة مجسمة أمامنا، وعلينا أن ننتبه فكل الخيارات التى تتم فى جميع المجالات تتم وكأنها اختيارات من صندوق قمامة واحد، قاموا بإزاحة القمامة المتعفّنة وجاؤوا بالبقية الباقية فى الصندوق، وكأن ما حدث خلال أعظم ثورتين فى تاريخ مصر كان انقلابا من الصف الثانى والثالث على الصف الأول، ولم يحدث شيئا، نفس الوجوه العفنة، نفس الأعمار السنِّية التى تعدَّت سن المعاش، قيادات فى السبعين والثمانين من العمر اختاروا قيادات شابة من وجهة نظرهم، فكان اختيارهم لقيادات فى الستين من العمر، وأصبح يحكم مؤسسات مصر دار المسنين نفس ما كان يعيب نظام مبارك البليد، بل وهناك بعض الاختيارات تمت عن طريق الفضائيات، لأنه يقول كلاما زى الفل، بل هناك مَن يعرض اسما اقتصاديا للوزارة -لأن كلامه زى الفل- وهو مسجّل نصب قسم شرطة السيدة زينب، وقد تمت بالفعل اختيارات عن طريق الفضائيات، والأسماء كثيرة ومخجِلة لو ذكرنا مناصبهم. الرئيس فى ورطة حقيقية، ويفقد من شعبيته كثيرا كل طلعة شمس، بل إن خطاباته التى يلقيها على الناس كلها تصدّر المشكلات دون أن تحتوى على الحلول، وأصبحت الدولة كما نرى تعتمد على اقتصاد الأفراد كما هو حادث فى مشروع قناة السويس، لا توجد أمام الناس رؤية واضحة، وهى تدفع من جيوبها لإنقاذ الدولة وهم يرون رجال أعمال ينعمون بالأموال، ولم يسهم واحد منهم فى بناء اقتصاد دولته، ومن دفع عليه أن يظهر لنا شيك تبرعه، الحقيقة أنه لم يدفع أحد إطلاقا، ولم تنفّذ عليهم قوانين الضرائب، وهو ما يفقد الناس الإحساس بالسعادة وعدم الرضا، على الدولة أن تتحرك سريعا وتستغل الفرصة قبل أن تضيع ويفقد الشعب الأمل، ولو فقده ستسقط الدولة، وسقوطها هذه المرة سيكون سقوطا مدويا.