فى خطاب بالغ الأهمية وضع سامح شكرى وزير الخارجية، وجهة نظر مصر فى الحرب على الإرهاب الذى يجتاح المنطقة ويهدِّد العالم. قال وزير الخارجية إن مصر تواجه الإرهاب بالفعل، وقد نجحت فى ذلك بالإطاحة بحكم الإخوان ثم بمواجهة الجماعات الإرهابية على أراضيها.. وتساءل وزير الخارجية: هل من المنطقى أن تحشد الموارد الآن لهزيمة تنظيم داعش، بينما تحجب هذه الموارد عن مصر، وهى تخوض المعركة ضد العدو المشترك نفسه؟! ولم يكن التساؤل موجَّهًا بالطبع إلى كل الأطراف التى حضرت الاجتماع.. فدول الخليج «فى ما عدا قطر» وقفت بجانب مصر بكل قوة، لكن الحديث كان موجَّهًا إلى وزير خارجية أمريكا بالأساس، ثم لأعوانه فى دعم إرهاب الإخوان والعداء لمصر وثورتها.. تركياوقطر. لقد ذهبت مصر إلى اجتماع «جدة» انطلاقًا من أنها تخوض بالفعل «ومنذ سنوات» حربًا شرسة ضد الإرهاب، وانطلاقًا أيضًا من مسؤولية قومية تدرك أن أمن الخليج جزء من أمن مصر، وأن سقوط أى دولة عربية فى يد الفوضى والإرهاب هو تهديد لأمن كل الدول العربية.. وفى هذا الإطار جاءت الكلمة التى ألقاها وزير الخارجية المصرى لتضع كثيرًا من النقاط فوق الحروف. فى إشارته إلى حجب الدعم عن مصر، وهى تخوض معركتها ضد الإرهاب، كان المعنى واضحًا فى ما فعلته الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهى تمنع السلاح وترفض تسليم طائرات «الآباتشى» وتمارس الضغوط على النظام بعد 30 يونيو، وترفض -حتى وقت قريب- وصف ما تواجهه مصر من الإخوان وحلفائهم فى سيناء وغيرها بأنه من أعمال الإرهاب!! ولم يكن هذا الموقف الأمريكى ناشئًا من فراغ، بل كان نتيجة سياسة اعتمدتها أمريكا وأدَّت بها إلى التحالف مع «الإخوان» فى صفقة مشبوهة قد تكون سببًا فى مساءلة الرئيس الأمريكى ومحاكمته سياسيًّا، كما بدأت الدعاوى لذلك فى الكونجرس، كما كانت أيضًا نتيجة لاستراتيجية أمريكية تم اعتمادها بعد أحداث سبتمبر، وتستهدف تحطيم كل قوة عربية وإغراق المنطقة فى الفوضى، تمهيدًا لإعادة تقسيمها والسيطرة الكاملة عليها. من هنا كان من المهم أن يسمع وزير الخارجية الأمريكى كيرى، من وزير الخارجية المصرى، علنًا، وفى هذا المؤتمر بالذات، التأكيد أن جماعة الإخوان (التى دعمتها أمريكا وتحالفت معها هى وأذنابها فى المنطقة) هى العباءة التى خرجت من تحتها الجماعات الإرهابية على مختلف مشاربها. كان من المهم أن يسمع كيرى ذلك بهذا الوضوح، وأن يسمعه وزيرا خارجية تركياوقطر، حتى تتحدَّد المواقف بدقة، وحتى يدرك الجميع أن الحرب ليست ضد «داعش» وحدها، بل ضد الإرهاب بكل منظماته وبكل أشكاله، وإلا فإن الخلاص من «داعش» لن يكون أكثر من تبديل الممثلين فى نفس المسرحية.. ولنا فى «القاعدة» وغيرها مثل وعبرة!! ■ ■ ويبقى جانب مهم فى إشارة وزير الخارجية المصرى إلى مرجعية «الإخوان» بالنسبة إلى كل المنظمات الإرهابية التى تدَّعى الانتساب إلى الإسلام، وهو أن حديث الوزير المصرى ليس فقط دعوة لمراجعة السياسات الخاطئة لأمريكا وحلفائها وأذنابها فى المنطقة تجاه مصر وثورتها، وتجاه العالم العربى وأحلامه فى التقدُّم والاستقرار، لكن ما قاله الوزير شكرى كان يقصد به أيضًا -فى ما أعتقد- قطع الطريق على محاولات أمريكية جديدة تريد استغلال تهديد «داعش» وأخواتها من المنظمات الإجرامية، لكى تعود للحديث عن «الإخوان» فى مصر وخارجها كتيار معتدل (!!) يمكن استيعابه والتعاون معه!! إذا لم تكن أمريكا قد استوعبت نتيجة سياساتها الكارثية فى الماضى، فليس أمامها إلا المزيد من الفشل، وليس أمامنا إلا المضى فى طريقنا لاجتثاث الإرهاب، الذى لا تسعى أمريكا إلا لترويضه ليكون سلاحًا فى يدها، وخنجرًا فى صدورنا!! هذا هو جوهر القضية التى وضعتها مصر -من خلال خطاب وزير الخارجية فى مؤتمر جدة- مقياسًا لجدية التحالف، وهل سيكون لترويض «داعش» كما تريد أمريكا، أم للقضاء على كل «الدواعش» بمن فيهم مَن يحتمى بأمريكا أو يلقى الدعم من حلفائها وأذنابها؟! باختصار شديد نكرّر ما قلناه سابقًا: إذا كانت أمريكا ما زالت على سياستها التى تريد «إرهابًا حسب الطلب» و«إخوانًا فى الخدمة» و«داوعش» ينفّذون المطلوب فقط.. فعليها أن تسعى لذلك وحدها، ولن تجنى سوى المزيد من الفشل!! أما إذا كانت قد استوعبت الدرس فعليها أن تدرك أن ما قاله وزير الخارجية المصرى فى لقاء جدة هو مفتاح الدخول إلى الطريق الصحيح الذى يؤكِّد أن الحرب ليست ضد «داعش» وحدها، بل ضد الإرهاب بكل فصائله، وأن العنوان الرئيسى والأساسى لكل «الدواعش» هو جماعة «الإخوان» التى راهنت عليها أمريكا وخسرت الرهان بثورة شعب مصر فى 30 يونيو. من دون إقرار أمريكى بهذه الحقيقة، فلن يصدّق أحد «فى مصر وفى الوطن العربى كله» أن أمريكا وحلفاءها يريدون الحرب على الإرهاب!!