ليس لدىَّ ورقٌ ولا قلمْ لكننى.. من شدّة الحرّ ومن مرارة الألم يا أصدقائى.. لم أنمْ فقلت: ماذا لو تسامرتُ مع الأشعار وزارنى من كوّةِ الزنزانةِ السوداء لا تستخفّوا.. زارنى وطواط وراح.. فى نشاط يُقبّل الجدران فى زنزانتى السوداء وقلتْ: يا الجرىء فى الزوّار حدّث! أَمَا لديك عن عالمنا أخبار؟ فإننى يا سيِّدى من مدّةٍ لم أقرأ الصحف هنا.. لم أسمع الأخبار حدّث عن الدنيا.. عن الأهل.. عن الأحباب لكنه بلا جواب! صفِّق بالأجنحة السوداء عبر كُوّتى.. وطار! وصحت: يا الغريب فى الزوّار مهلا! ألا تحمل أنبائى إلى الأصحاب؟ من شدة الحرّ.. من البقّ.. من الألم يا أصدقائى.. لم أنمْ والحارس المسكين ما زال وراء الباب ما زال.. فى رتابةٍ يُنَقّل القدم مثلى لم ينمْ كأنه مثلى.. محكوم بلا أسباب! أسندت ظهرى للجدار مُهدّما.. وغُصت فى دوّامةٍ بلا قرار والتهبتْ فى جبهتى الأفكار أماه! كم يحزننى! أنكِ.. من أجلى فى ليلٍ من العذاب تبكين فى صمتٍ متى يعود من شغلهم إخوتى الأحباب وتعجزين عن تناول الطعام ومقعدى خالٍ.. فلا ضحْكٌ.. ولا كلام أماه! كم يؤلمنى! أنكِ تجهشين بالبكاء إذا أتى يسألكم عنّى أصدقاء لكننى.. أومن يا أُماه أومن.. أن روعة الحياه تولد فى معتقلى أُومن أن زائرى الأخير.. لن يكونْ خفّاش ليلٍ.. مدلجاً بلا عيون لا بد.. أن يزورنى النهار وينحنى السجَّان فى انبهار ويرتمى.. ويرتمى معتقلى مهدما.. لهيبهُ النهار! وداعا سميح القاسم