لا يختلف كثيرون خصوصا بعد سقوط حكم الرئيس المخلوع حسنى مبارك، على أن مصر امتلأت على آخرها بالفساد والمفسدين وقدمت للعالم نموذجا غريبا فى الفساد، حيث إن الفساد أصبح هو الأصل، وأصبحت منظومة الفساد فى مصر خلال سنوات حكم مبارك هى المسيطرة على مجريات الأمور فى مصر، وأنا فى أشد الاستغراب مما نشر أخيرا فى الصحف عن عملية فساد كبيرة يصل فيها النهب للأموال العامة إلى مليارات الجنيهات، ولم يتحرك أحد لوقف هذا ربما كان قبل ثورة يناير ما يدعو إلى عدم التدخل فى منظومة الفساد التى كانت قائمة، ولكن الآن وبعد ثورتنا العظيمة كيف تقف الدولة مكتوفة الأيدى أمام الفساد؟ تعالوا بنا نشرح ببساطة القضية المهمة التى حدثت فى أثناء تولى يوسف والى، وزير الزراعة الأسبق، لمهام منصبه. الرجل خصص 26 ألف فدان من أجود الأراضى لشركة كويتية مقابل 200 جنيه للمتر بغرض الزراعة، وليس من الغريب أن تقوم الشركة بتصقيع هذه الأراضى لمدة ست سنوات ثم تتقدم بطلب لتحويل هذه الأراضى إلى أراضى بناء، وليس من الغريب أيضا أن يوافق السيد رئيس الوزراء الأسبق نظيف على ذلك وبسرعة فائقة ليرتفع سعر متر الأرض من 200 جنيه إلى 1000 جنيه، وليس من الغريب أيضا أن تزداد حصيلة أصحاب الشركة الكويتية إلى 54 مليار جنيه دخلت جيوب الشركة بدلا من أن تدخل خزينة الدولة، وليس أيضا من الغريب أن يخرج الشرفاء فى الصحافة ومنهم الكاتب محمد سعيد خطاب، ليكشف تلك المهزلة، وليس من الغريب أيضا أن يسقط الجميع وتمر الصفقة من دون أى مشكلات، ومع منظومة الفساد التى لم تقف بعد ثورة يناير جاء عصام شرف، رئيس الوزراء السابق، ليفتح باب التسوية الودية مع الشركة التى يرأسها رجل من فلول الحزب الوطنى القديم، وتؤكد المعلومات التى نشرها الكاتب المحترم أن هناك شخصيتين كبيرتين تقف ان حائلا ضد أى مواجهة مع الشركة، وهما الأستاذان يحيى الجمل وأحمد كمال أبو المجد، بل يشير محمد سعد خطاب فى تحقيقه المحترم إلى أن سفريات يحيى الجمل إلى الكويت فور توليه منصب نائب رئيس الوزراء فى حكومة شفيق كانت لهذا الغرض، ولتمرير مصالح الشركة، وأن السيد أحمد كمال أبو المجد قد هدد الحكومة باللجوء إلى التحكيم الدولى ومقاضاة مصر وأجبر على ترك الأرض بحوزة الشركة، والأغرب أيضا أنه سيطالب بتعويض للشركة من الحكومة المصرية، والشركة تدعى أنه لا توجد مياه لرى تلك الأراضى لاستصلاحها زراعيا، مع إنه يوجد مجرى مائى فرعى من النيل يمر بوسط الأرض مباشرة بميزة لا تتكرر كثيرا فى الأراضى التى خصصتها الدولة لرجال الأعمال فى النظام السابق، وكان هنا لا بد أن يخرج شرفاء مصر ليتصدوا إلى تلك المهزلة ، لذلك تقدم المهندس حمدى الفخرانى، صاحب دعوى مدينتى وصاحب دعاوى رجوع شركات القطاع العام إلى الدولة، تقدم بدعوى يطالب فيها ببطلان قرار رئيس الوزراء ورئيس مجلس إدارة الهيئة العليا للتنمية الزراعية والتعمير، مطالبا بفسخ العقد الموقع مع الشركة «المصرية الكويتية»، مؤكدا أنه تم بيع المتر من الأرض بخمسة قروش بسعر 4 ملايين و800 ألف جنيه، واتفقت على السداد على ست سنوات كاملة، قامت خلالها الشركة بعملية التصقيع لتحويل الأراضى إلى النشاط العقارى. ومن الغريب والطريف أن السيد أحمد كمال أبو المجد، وكيل الشركة الكويتية، قد تقدم بطلب إلى رئيس الوزراء لدفع 7 مليارات دولار ثمنا للأراضى لتسوية المشكلة، علما بأن قيمة الأرض الآن تصل إلى 200 مليار جنيه، وليس من الغريب أيضا أن هيئة مفوضى الدولة أوصت ببطلان العقد، ويكشف التحقيق عن تحويل الشركة الأراضى الزراعية إلى عمرانية، واستولت على 11 ألف فدان أخرى بخلاف التعاقد، وتعدت على المنطقة الأثرية، وقامت ببيع مساحات كبيرة من الأرض بسعر 50 ألف جنيه للفدان فى حين أنها حصلت عليه ب200 جنيه فقط، ونحن هنا لا بد أن نتساءل لماذا لا يتدخل السيد الجنزورى، رئيس الوزراء الحالى، ليحل تلك المشكلة؟ وما هى الفكرة فى إهدار مليارات الجنيهات من المال العام فى الوقت الذى يقف فيه السيد رئيس الوزراء الحالى الجنزورى، وتدمع عيناه فى مؤتمراته الصحفية من أجل البحث عن حلٍ لمشكلات مصر ويقول لنا وهو يعتصر ألما إن الإخوة العرب تخلوا عن مصر واشترك معهم الغرب أيضا ولم يعطوا مصر ما وعدوها من الأموال بعد الثورة، ويذهب جريا وراء صندوق النقد الدولى ليقترض منه ثلاثة مليارات دولار؟ أليس الأبدى بهذا الرجل المسؤول أن يبحث عن 54 مليار جنيه ضاعت على الدولة بفضل مملكة الفساد التى عاشتها مصر تحت حكم الرئيس المخلوع مبارك؟ وما معنى أن يقول كاتب بالبنط العريض فى إحدى الصحف (والله العظيم هذه الصفقة ضيعت على الدولة 54 مليون جنيه، لأن الدولة باعت 26 ألف فدان لشركة كويتية فى أرض زراعية ثم حولتها إلى مبانٍ)، ومع ذلك لم يتحرك أحد لوقف تلك المهزلة؟ ثم أين الوزيرة فايزة أبو النجا، التى أشبعتنا أقوالا عن الخطة وعن الاقتراض وعن مصر التى تضيع، أين هى من ذلك؟ ألايستحق هذا الموضوع أن تشكل لجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء للوقوف على كل الحقائق؟ حرام عليكوا ما يحدث فى مصر هذه الأيام.