«لأن أرتزق بالرقص.. أهون من أن أرتزق بالدين»!! الإمام الشافعى. قلعة الموت ترتفع ستة آلاف قدم أعلى قمة جبل البورج شمال إيران، تحوى قصورًا غنَّاء وجداول تفيض بالخمر واللبن والعسل وشقراوات حسان يغنّين ويرقصن على أوتار الرغبة المتقدة، لا يطأ هذه الجنة المحرَّمة إلا مَن قرر شيخ الجبل انضمامه إلى صفوف الفدائيين، يُدخلهم فيها زُمرًا ثم يُشربهم الحشيش، ليَغُطُّوا فى سبات عميق، وحين يستيقظون على هذه الأجواء الأسطورية يتوهمون أنهم فى الفردوس المفقود فيُشبِعون شهواتهم الحيوانية المكبوتة ويخدَّرون مرة أخرى، ليجدوا أنفسهم راكعين أمام شيخ الجبل.. ويسألهم بخبث أين كنتم؟ فيردون دون تفكير: فى الجنة.. عندئذ يرسلهم ليغتالوا الأشخاص المطلوبين فإذا نجحوا فسوف يُعيدهم إلى النعيم، وإذا قُتلوا فسوف تصحبهم الملائكة إلى الفردوس! ذاك بعض من مبالغات كتاب الإيطالى ماركو بولو «أسطورة الفردوس» عن الحصن المنيع لطائفة الحشاشين، لكن الحقيقى والمؤكد أنهم بثّوا الخوف والرعب فى نفوس الملوك والأمراء الأوروبيين عندما ابتكروا استراتيجية الإرهاب السياسى بتصفية واغتيال الخصوم، لذلك اشتق الأوروبيون المصطلح اللغوى لمعنى الاغتيال من اسمهم أساسان «Assasins»، فاغتالوا ملك بيت المقدس كونراد والخليفة المسترشد بالله ثم الخليفة الراشد والعديد من الأمراء والوزراء والقضاة والفقهاء والوعاظ، كل هذا العنف حدث بالتزامن مع الغزوين المغولى والصليبى، لدرجة أن صلاح الدين الأيوبى أفلت منهم بأعجوبة. مؤسس هذه الجماعة «حسن الصباح» شخص غريب الأطوار فهو خريج الأزهر وصديق لشاعر الرباعيات عمر الخيام والوزير المرموق نظام المُلْك الذى اُغتيل على أيدى أتباعه فى ما بعد، رجل بلا قلب يشير إلى أتباعه بالانتحار فيطيعوه، ويقتل ولديه لمجرد عدم إطاعتهما أوامره. نذر نفسه لفكرة (الثورة لعودة شرعية) نزار المصطفى لدين الله، من أخيه الأصغر الخليفة المستعلى بالله، ثم ما لبث أن تحول إلى إرهابى أجير فلما اشتدت شوكته أسس دويلة الحشاشين التى صمدت مئتى عام، وبعد عدة قرون توالت علينا الفتن كقطع الليل المظلم حتى أصبح الحليم فينا حيران لا سيما عندما أبى ثُلة من أبناء جلدتنا أن يتركوا قلاع الموت خاوية على عروشها فأيقظوا الفتنة وأشعلوا نيران الحروب تحت دعاوى ما أنزل الله بها من سلطان. هذه المرة ليست ثمة أفكار باطنية إسماعيلية تأمل عودة الإمام الغائب وإنما أضغاث أحلام «صهيو جهادية» تسعى إلى إحياء الخلافة الإسلامية الراشدة عن طريق القتل والسطو المسلح والخطف والإرهاب؛ ولا يدرى المرء كيف يستقيم نقاء الغاية مع فساد الوسيلة.. أفلا تعلقون؟! لا شك أن الدواعش ومن على شاكلتهم هم الحشاشون الجدد، فهم يعيثون فى العراق والشام فسادًا ويهينون ديننا الحنيف كل يوم بهذه الترُّهات السخيفة، كالطهارة القسرية للنساء حتى العجائز منهن وتحجيب أثداء البقر لعدم الاستثارة الجنسية! ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا. أىُّ رب هذا الذى يأمركم بنحر رؤوس مخالفيكم كالأنعام وإكراه الناس على أن يكونوا مؤمنين، وأن لا تراعوا فى مراقد الأنبياء إلًّا ولا ذمة وتنتهكون حرمة الأموات والأحياء... يقينًا إنكم تفترون على الله الرحيم اللطيف كذبًا، إنما ربكم ذلك الشيطان القابع خلف الستار فى «لانجلى» يتلاعب بكم كالدُّمى لتخربوا بيوتكم بأيديكم. ومن ثم سيستأصل مغول هذا العصر شأفتكم بعد أن ينتهى دوركم المرسوم فى هذه الفتنة، «قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالًا الذين ضلَّ سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا».