مزلقان سكة حديد يفصل ما بين قرية نوى والطريق الرئيسى الذى يربطها بالقاهرة، القرية هادئة من الخارج رغم بركان الغضب الذى انفجر فيها بعد القبض على «فرافيرو». هو ليس مجرد متهم، هو الحلم الذى يراود مخيلة أطفال القرية الذين يعتبرونه مثالا لطموحهم، ومع ذلك الدخول إلى منزل عائلة فرافيرو لم يكن أمرا سهلا. مئات من أهالى القرية يهتفون باسمه وحياته، ويطالبون بالإفراج الفورى عنه، نساء وشبابا وشيوخا وأطفالا، ينادون بالحرية لفرافيرو، مؤكدين أن ما حدث له كان ترتيبا خبيثا دبر بليل من الداخلية التى صنعت أسطورة فرافيرو وحولته إلى وحش يخشى الجميع أن يفترسه، منزل فرافيرو لا يختلف كثيرا عن حاله التى انقلبت رأسا على عقب، فالمنزل المكون من طوابق عدة أصبح أطلالا بسبب المداهمة الأخيرة التى شنتها مباحث مركز شبين القناطر، ومن داخل غرفة المعيشة بالطابق الثانى وقفت هناك سيدة عجوز تبكى، العجوز كانت منزوية فى أحد أركان الغرفة، خدّها مبتل بدمعاتها المالحة، إنها والدة فرافيرو، دموعها لم تجف لحظة واحدة منذ الخبر المشؤوم، المرأة لا تحسن سوى البكاء، وتشفعه بدعاء يخرج من القلب ممزوجا بالرجاء والرغبة فى عدالة غابت عن سكان هذا الكوكب المستعر بالظلم والقهر. المرأة تحدثت إلى «التحرير» قائلة إن «فرافيرو لم يكمل تعليمه وخرج للعمل كسائق على سيارة والده، وإنه يحظى بحب أبناء القرية، والسبب فى ذلك أنه لم يؤذ أحدا من قبل، وكان دائم التردد على المسجد للصلاة، وليس له أى علاقة بسرقة السيارات، وإن الشرطة هى التى ألصقت به هذه التهم من أجل التستر على غيره، وإن كل المسروقات التى حدثت كان يقوم بها آخرون معروفون لدى رجال الأمن، لكنهم يتخذون من الزراعات مأوى لهم، والشرطة تخشى القبض عليهم»، عادت العجوز لضرب خديها مرة أخرى قائلة «أخذوا منى فرافيرو». تقارير مباحث الأمن العام من جانبها تقول إن فرافيرو مجرم عتيد وشقى خطير، فرافيرو مطلوب حسب تقارير الأمن العام بوصفه خطرا على الأمن، لكن العجوز والدته تقول إن شقيقته عندما ذهبت لزيارته بعد القبض عليه قامت الشرطة بالقبض عليها هى الأخرى وألصقوا بها قضية مخدرات! زوجة فرافيرو وقفت بكماء لا تقوى على الحديث بعد الصدمة التى أصابتها بسقوط ظهرها، ماذا تفعل المرأة بكتفها التى تحمل طفلتها الصغيرة التى لم تتجاوز العام، هل تستمر فى ندب حظها. محمد متولى أحد جيران فرافيرو، وصف ما حدث مع جاره بأنه ليس آدميا، فالكليب الأخير الذى يصور بعض أفراد الشرطة يعذبون فرافيرو يكشف عن نزعة الشرطة للعنف المفرط على غرار ما كان يحدث فى زمان داخلية العادلى. الطرائف التى حكاها أهل القرية خففت كثيرا من اللون الأسود الذى أسدلوه على أثوابهم حزنا على جارهم المغدور، أحدهم وقف يقص واقعة ألقاها فرافيرو على سمعه، قائلا إن بعض قطّاع الطريق قطعوا طريق العودة على فرافيرو فى أثناء عودته ليلا إلى منزله، وعندما سأل أحدهم عن هويته أكد له اللص بأنه فرافيرو! من المواقف الغريبة أيضا التى اتسمت بالطرافة أن أحد أبناء القرية كان طوال رحلة البحث عن حقيقة فرافيرو قد أخذ على عاتقه عهدا بالإجابة عن جميع الأسئلة التى ظلت تراودنا خلال الرحلة، واستمر «ينط» بين الحين والآخر فى «بوق» كل من يحاول أن يتحدث، معتبرا نفسه يملك الحقيقة وحده. الصورة لم تكن هكذا دائما، إذ إن البعض الآخر لم يرضه الوضع، وأكدوا أن فرافيرو كان طيب القلب، لكنه يستحق العقاب، ومنهم سيد محمد، الذى أكد أن فرافيرو لم يكن يتعرض لأبناء قريته، لكنه مع ذلك كان لصا وقاطع طريق، وللأسف تأخر عقابه كل هذه المدة. يبقى فرافيرو لغزا حيا متأرجحا بين الجريمة والشهامة، وسيظل لغزه دفين صدره الذى تلقى لكمات رجال المباحث دون أن ينتفض بحقيقة أمره، حتى لأهل قريته، الذين دفعتهم حيرتهم فى أمر تلك الأسطورة، إلى أن يطالبوا بعقابه وبراءته.