8 دور كفالة أيتام غير مرخصة تعمل بالبلطجة لجمع الأموال 28 طفلاً يتيمًا تم عرضهم على «الطب الشرعى» خلال عام.. والفحص الطبى أثبت تعرضهم للتعذيب والاعتداء الجنسى
ما بين صرخات مكتومة واستغاثات من أطفال فى عمر الزهور تتضاعف عذابات الأطفال فى دور الأيتام، وبدلا من أن تتحول مراكز الرعاية ملجأ لهم لإنقاذهم من براثن ومخالب من يحاولون استغلالهم، تحولت إلى أماكن لتحقيق الربح السريع واستغلال الأطفال فى أعمال تتنافى مع القيم الأخلاقية دون ذرة شفقة أو رحمة فى قلوبهم، ودون النظر بعين الرأفة لهؤلاء الأطفال اليتامى الذين كتب عليهم القدر أن يخرجوا إلى الدنيا بلا أب يحملهم أو أم تحتضنهم أو أقارب لهم، فلم تكن الصرخة التى أطلقها أطفال دار أيتام «مكةالمكرمة» بالهرم، ممن تعرضوا للضرب والتعذيب والاعتداء على أيدى مدير الدار الذى تجرَّد من أبسط مشاعر الإنسانية، هى الأولى للمجتمع للتنبيه بمدى خطورة وكارثية ما يحدث فى هذا العالم الخفى، والذى يدلل بما لا يدع مجالا للشك مدى فجاعة وبشاعة واستغلال ما يحدث فى بعض دور رعاية الأطفال اليتامى، التى تحولت إلى ما يشبه دورا للتعذيب والاعتداء الجسدى واستعمال القسوة واستغلال الأطفال فى المظاهرات فى تحدٍّ واضح وصارخ لكل القيم والأخلاقيات المجتمعية. «التحرير» أجرت تحقيقا موسعا حول الأوضاع الحالية التى تشهدها دور الأيتام فى مصر، فى محاولة لفتح الجروح لمعرفة حال الأطفال من محرومى الأسرة من اليتامى، حاولت خلاله إبراز كل الحقائق التى تتعلق بهذا الجانب، وإيضاح الصورة الكاملة لهذه المراكز ودورها، لتضع أيديها على مواطن القصور والخلل فى دور الأيتام. توجهنا فى البداية إلى دار أيتام «بنت مصر الخيرية» بجسر السويس، لنلمس عن قرب مدى الواقع الذى يعيشه هؤلاء الأطفال، وما إذا كان يشبه ما ظهر فى فيديو دار أيتام «مكةالمكرمة» أم يختلف عنه، فطلب منا مشرفو الدار الحصول على تصريح بالتصوير وإجراء لقاءات، وبالفعل حصلنا على الموافقات من رئيس الجمعية، وما إن وصلنا الدار حتى وجدنا أطفالا مختلفة أعمارهم ما بين سن شهر حتى 18 عاما، ترتسم على وجوههم الابتسامة الممزوجة ببعض الخوف، يلعبون ويلهون معا، تاركين خلف ظهورهم كل ما يعترضهم من ماض أليم ومستقبل غامض، لا يبالون سوى بحاضرهم الذى يعيشون فيه، لم يتملكهم الخوف مما شاهدوه بأعينهم فى دار أيتام «مكةالمكرمة» من تعذيب واعتداء. تجولنا داخل الدار، ووجدنا أنها تضم إخصائية اجتماعية ومديرى دار وسكرتيرة وثلاث مشرفات وعاملة وطباخة ومشرفة للأطفال الكبار، كما ظهرت أسرّة الأطفال مرتبة، فالسرير يعلو الآخر ومتلاصقة بجوار بعضها، وبداخل غرفة كل مجموعة منهم دولاب كبير يقومون بوضع أمتعتهم ومستلزماتهم فيه، كما أن هناك حجرة كبيرة تجمع بينهم فى أوقات اللعب وفى أثناء لقائهم بالكفيل إلى جانب مطبخ كبير وحمام. وقبل أن نبدأ بإجراء اللقاءات، قام جميع الأطفال للصلاة، يتقدمهم من هو أكثر حفظا للقرآن وخلفه باقى زملائه، وعقب ذلك تحرك كل منهم فى شكل مجموعات، منهم من ذهب للعب بالأدوات الموسيقية، وبعضهم من ذهب من أجل الطعام، وبعضهم من ذهب للنوم، وآخرون ذهبوا للحصول على بعض الاحتياجات من أماكن مجاورة لهم. «خرج وحيدا إلى الدنيا بلا أب يرعاه أو أم تحتضنه، ليجد نفسه فى النهاية يتيما يقضى باقى حياته داخل دور أيتام لا يعلم مصيره الذى ينتظره، فحاول أن يحلم بأن يكون ضابطا وأن يضع مصيره فى يد خالقه».. كلمات بسيطة تلخص حياة الطفل إيهاب خليل، الذى لم يتجاوز من العمر 15 عاما، ويدرس فى مدرسة الجامعة الإسلامية. إيهاب قال: «ماعرفش أى شىء عن حياتى، غير أنى فتحت عنيا فوجدت نفسى بالدار وسط إخوتى، أعيش حياة طبيعية مثلى مثل غيرى، وأمارس كل شىء بصورة طبيعية»، مستطردا: أبدأ يومى بالصلاة وارتداء ملابسى ثم الاطمئنان على إخوتى بالدار، وأطالع بعض الصحف وأداوم على مشاهدة التليفزيون. إيهاب -الذى فضّل أن يميز نفسه قليلا عن جميع زملائه بالدار بحلق شعره كاملا- أكد أن حلمه الوحيد أن يكون ضابطا، قائلا «أحلم أن أكون ضابطا، لكن مش هينفع لأنى يتيم». وحين سألته «التحرير» عن مدى تأثير كلمة يتيم عليه، قال إيهاب والابتسامه ترتسم على وجهه «أنا مبسوط أنى يتيم، علشان أبقى زى النبى، وده شىء يفرحنى إنى أكون زى النبى فى أى حاجة»، لافتا إلى أننا جميعا نأكل ونشرب كل شىء ولا يوجد شىء محدد لنا. «أنا وجدت نفسى فى الدار منذ مولدى، لا أرى سوى أصحابى الذين كبروا معى ومشرفى الدار بجوارى وكفيل يرعانى فى احتياجاتى»، هكذا يقول عوض جمال نبيل، البالغ من العمر 15 عاما، ويدرس فى مدرسة أبو بكر الصديق، مضيفا أنه يتعامل مثله مثل أى شخص طبيعى، وليس شيئا غريبا على المجتمع، قائلا «الحمد لله مرتاح وسط إخوتى ومع مشرفى الدار ومع الكفيل». وحينما سألناه حول ما إذا كان قد شاهد فيديو تعذيب دور أيتام مكةالمكرمة، فأجاب متلهفا: «بالطبع رأيته مع جميع إخوتى فى الدار، وأفزعنى بشدة، لأنه كان مؤلما، لكننى اندهشت أن هناك مثل هذه الأمور تحدث فى دور للأيتام، وهو ما لم نتعرض له طوال حياتنا»، مضيفا أن أقسى عقاب لهم يتمثل فى حرمانهم من النشاط الرياضى أو منعهم من الخروج مع باقى زملائهم بالدار وغيرها من الأساليب العقابية. وحول أمنيته فى المستقبل، قال عوض أحلم أن أكون لاعب كرة كبيرا، لأننى قضيت 4 أعوام فى حياتى فى اتحاد الشرطة. التقط منه إسلام علاء عصام، البالغ 13 عاما، طرف الحديث، ليقول «كلنا إخوة فى الدار، ومافيش حاجة بتفرقنا إلا وقت النوم فقط، لا نعلم شيئا عن حياتنا سوى أننا ولدنا فى هذه الدار ومع هؤلاء المشرفين، وأن هناك كفيلا يرعانا ويلبى احتياجاتنا». عصام تابع: أدرس فى مدرسة الجامعة الإسلامية، وأقضى حياتى مثلى مثل غيرى، ولدينا لجنة حكماء للمساعدة فى الدار. عصام قال: كلمة «يتيم» أكثر شىء يفرحنى، لأننى أتمنى أن أكون مثل النبى، على حد قوله، قائلا «حياتى مع أشقائى بالدار عوضتنى عن حرمانى من والدى ووالدتى». ثم التقينا مشرفة الدار شادية محمود داوود، التى أكدت لنا أن الدار فرع من فروع الجمعية المكونة من 5 فروع تتبع مؤسسة بنت مصر الخيرية، لافتة إلى أن الدار تضم 26 طفلا بينهم 11 طفلا من عمر يتراوح ما بين شهر حتى 4 سنوات، بينهم 4 رضُع و3 أولاد، و15 ولدا ما بين سن 13 إلى 18 سنة، مؤكدة أن ال15 ولدا الموجودين بالدار فى مراحل التعليم المختلفة، لافته إلى أن هناك 11 ولدا سيدخلون مرحلة، 2 المرحلة الإعدادية، و2 ثالثة ثانوى، و1 أولى ثانوى وثانية ثانوى. وتضيف شادية أنه لا يوجد دعم مقدم من قبل الوزارة أو الشؤون الاجتماعية للدار، لكنها تخضع للإشراف فقط، لافتة إلى أن كل الحالات تأتى عن طريق الشؤون القانونية والقسم، ويتم استخراج شهادة ميلاد لأى طفل كأنه طفل عادى له أسماء «أب وأم». بينما تقول سمر محيى، الإخصائية الاجتماعية بالدار، إن رئيس الجمعية هى من تختار أسماء الأطفال، ولا نسمى «محمد أو عبده»، لافتةً إلى أن جميع الأطفال بمجرد حصولنا عليهم يسيرون بالتطعيمات العادية مثل أى طفل، ويحضر دكتور يومين أسبوعين للكشف على الأطفال بمشاركة مستشفيات أخرى، ونقدم إليهم جميع المأكولات والمشروبات العادية باستثناء يوم واحد يكون أغلب الأكل «شعبيا» حسب اختيار الأطفال. سمر تضيف أن التبرعات نتلقاها عبر الكفيل، ولكل شخص له دفتر يحمل اسمه فى الجمعية بحجم الأموال التى يتلقاها، كما أن رئيس الجمعية وفرت شققا لهم فى التجمع الخامس من أجل الزواج، وحينما يكبر الأطفال يرعون أشقاءهم الأصغر سنا، مستطردة: «كل كفيل يحصل على إيصالات رسمية بالمبالغ والتبرعات التى يقوم بها والتى تتنوع ما بين تبرعات مادية وعينية»، مشيرةً إلى أن رئيس الجمعية من تتحمل نفقات الدراسة. وعن إجراءات التبنى للأطفال، أوضحت الإخصائية الاجتماعية أنه لا توجد إجراءات تبنٍّ «لأننا لا نرمى أطفالنا، واحنا ضيوف عليهم، مش هما اللى ضيوف علينا»، فهم حينما يكبرون يتزوجون من بعضهم البعض ووفقا لاختيارهم وليس إجباريا. تكمل: رأينا حادثة دار أيتام مكة مع كل الأطفال فى الدار واندهشنا منها، لأنها حادثة غريبة على مجتمعنا ولا يمكن لأحد أن يقبلها، لافتة إلى أن الأولاد لديهم أنشطة متعددة توفرها الدار مثل كرة القدم فى نادى «الجلاء والشرطة» والسباحة فى «كلية البنات» ومعهد قيثارة للموسيقى، ومصايف ورحلات، وعروض سينما ومسرح، فضلا عن لقاءات للنواحى الدينية. بينما يقول كفيل أحد الأطفال -طلب عدم الإفصاح عن اسمه- «أستشعر أن هناك رعاية للأطفال فى الدار، وهناك اهتمام كبير بالمحور الدينى والتثقيفى»، قائلا «أنا ككفيل لا يهمنى سوى احتياجات الطفل ومتطلباته وتأهيلهم ومساعدتهم»، مضيفا أن دورنا لا يتوقف عند حد دعم الأطفال سواء ماديا أو معنويا إنما متابعتهم حتى النهاية. وبالعودة إلى الكشوف الرسمية الصادرة من المنطقة الطبية الشرعية بالقاهرة والجيزة التابعة لمصلحة الطب الشرعى، لبيان عدد الأطفال الذين يتم عرضهم لمعرفة ما إذا كانت هناك حالات اعتداء جنسى أو استعمال قسوة أو غيرها من الممارسات التى تواجه هؤلاء الأبرياء، فوجئت «التحرير» بأن إجمالى عدد الأطفال الذين تم عرضهم على المصلحة خلال العام الماضى بلغ عددهم 28 طفلا، موزعين ما بين 15 طفلا من جمعية «بلادى» الواقعة بوسط البلد و12 من جمعية دار أيتام «مكةالمكرمة» بالهرم، بالإضافة إلى حالة وحيدة بإحدى دور الأيتام الشهيرة حاليا. بينما أظهرت الكشوف النهائية لدار التشريح بمصلحة الطب الشرعى عن وجود حالة وفاة لأحد الأطفال خلال فض اعتصامى «رابعة» و«النهضة»، ممن كانوا يحملون أكفانا مكتوبا عليها «مشروع شهيد»، حاولنا التعرف أكثر عن قرب على تفاصيل هذه الوقائع لبيان مدى الاعتداءات التى وقعت على الأطفال وطبيعة الحالة الإصابية للذين تم الاعتداء عليهم من قبل مشرفى الدار، فتوجهنا إلى المنطقة الطبية الشرعية بميدان رمسيس، والتقينا أحد المسؤولين، الذى طلب عدم الإفصاح عن اسمه، بالمنطقة، مؤكدا أن أطفال جميعة «بلادى» والذين يبلغ عددهم 15 طفلا «ذكر»، تم عرضهم علينا فى شهر مايو الماضى ومرفق معهم مذكرة نيابة بمحضر رقم 4252 لسنة 2014 «جنح عابدين»، تتضمن اعترافات الأطفال والمتمثلة فى أنه يتم الاعتداء عليهم جنسيا بالدار وحبسهم وإجبارهم على ممارسة الشذوذ مع بعضهم البعض وإلتقاط صور لهم فى أثناء ممارسة هذه الأعمال، بالإضافة إلى تأجير أطفال للخروج فى المظاهرات وعرض أفلام جنسية عليهم فى الدار، منوها بأن تفاصيل الواقعة تعود إلى أنه فى أثناء قيام أحد الأشخاص بالبحث عن نجله ذهب صدفة إلى مقر الجمعية فى 2 مايو الماضى، فوجد عددا من الأطفال يستنجدون به ويستغيثون لحمايتهم من قبضة مشرفى الدار، لقيامهم بتعذيبهم والاعتداء جنسيا عليهم، وبالفعل توجه هذا الرجل إلى الشرطة، وقامت مباحث الأحداث بالتوجه إلى مقر القسم، فوجدت أطفالا ما بين 12 إلى 16 سنة، وتبين من الواقعة أن زوجة مشرف الدار تحمل الجنسية الأمريكية، وتدير هى وزوجها وشخص ثالث متطوع الدار، وتستخدم الأطفال فى المظاهرات وتهدد بالأعمال الجنسية التى تقوم بتصويرها لهم. المصدر أضاف لنا مفاجأة جديدة تتعلق بأن مقر الجمعية ثبت أنه لم يكن مرخصا، ويعتمد على تبرعات الأصدقاء، وأن الجمعية تستخدم الأطفال فى التظاهر أمام دار القضاء العالى للإفراج عن أعضاء حركة 6 أبريل المحبوسين على ذمة عدد من القضايا، وتقوم بتهديدهم بفيديوهات الأفلام الجنسية لهم. المصدر تابع أن الواقعة الثانية وهى دار أيتام مكةالمكرمة، فتم عرض 12 طفلا علينا، بينهم 9 إناث و3 ذكور، تتراوح أعمارهم ما بين سن 3 سنوات حتى 9 سنوات، بعد الاعتداء عليهم من قبل مدير الدار بشكل مبرح نتيجة تشغيلهم التليفزيون فى الدار، وأثبت الفحص الطبى وجود إصابات قديمة فى بعضهم تصل مدتها إلى نحو سنة، وآخرين بهم إصابات حديثة الظهور تصل مدتها إلى نحو أسبوع تتنوع ما بين سحجات وجروح رضية وكدمات، بينما هناك آخرون أثبتت نتائج الفحص عدم وجود أى إصابات لديهم، وأثبت الفحص أن الأطفال تعرضوا لإيذاء بدنى واضح. وأضاف المصدر أنه تم عرض أحد الأطفال بدور أيتام شهير، وتبين من الفحص كيدية الشكوى وسلبيتها وعدم صحتها بعد خضوع الطفل للكشف الطبى. وأكد المصدر ضرورة سن قانون يتم من خلاله إخضاع الأطفال بدور الأيتام للكشف الدورى للتحقق من عدم تعرضهم للإيذاء البدنى والجنسى، قائلا: «أطفال الشوارع ودور الأيتام هم الأكثر عرضة للتعرض لمثل تلك الاعتداءات»، مشيرا إلى ضرورة إخضاع العاملين بالدور للتقييم النفسى، مستطردا «كثير من مشتهى الجنس مع الأطفال يلجأ إلى عمل دور أيتام وحضانات الأطفال لسهولة تحقيق رغباتهم». بينما أظهرت الكشوف النهائية لدار التشريح بمصلحة الطب الشرعى وفاة طفل من إحدى دور رعاية الأيتام خلال أحداث فض «رابعة العدوية» أغسطس الماضى، وأوضحت الكشوف الرسمية أنه تم التعرف على الجثة عن طريق صاحب دار الأيتام، الذى تسلم بنفسه الجثة من داخل المشرحة، وأقر أنها لأحد الطفال المسجلين فى كشوف دار الأيتام التى يمتلكها، كان من ضمن الأطفال الذين خرجوا فى مسيرات الأطفال التى تجولت داخل اعتصام رابعة العدوية حاملين أكفانا كتب عليها «مشروع شهيد».