مثل أى فعل هائل فى التاريخ يوجد جانب معتم فى 25 يناير 2011، يمسك فيه سدنة النظام القديم وكهنته وأصحاب امتيازاته بأسنانهم ومخالبهم، ليقاوموا إحداث أى تغيير حقيقى فى مصر نحو مجتمع عادل حديث يوفر حياة كريمة بجد لكل مواطنيه، وهذا الجانب هو مؤامرة استهدفت إسقاط الدولة. على الرغم من كل هذا فما حدث فى 25 يناير هو انتفاضة شعب، خرج لإسقاط نظام فاسد فاحت روائحه الكريهة فى كل ركن من أركان مصر. ويبدو أن السيد حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق ومعاونيه والرئيس السابق نفسه يتصوروننا شعبًا من الأغبياء، فقالوا كلاما مضحكا فى محكمة القرن وهم يخاطبون الشعب «إن بعضا من الشعب شارك فى أحداث المؤامرة بحسن نية عن غفلة واستغفال وكانت لهم مطالب عادلة»! صحيح أن قضية قتل المتظاهرين ضعيفة التكوين من بدايتها، لكن ليس إلى درجة أن يمسحوا ذاكرتنا بأستيكة مستغلين القرف والمصاعب والمتاعب التى عانى منها المصريون فى السنوات الثلاث الأخيرة، ويجرون عملية غسيل «سمعة» علنًا للنظام ورجاله، وأخشى أن يتمادوا ويرفعوا قضايا تعويض على «هذا البعض» الذى شارك فى 25 يناير، ويطلبون منهم اعتذارًا مليونيا فى ميدان التحرير. هذا عبث، لأن عموم المصريين لا علاقة لهم بأى مؤامرة، فنظام مبارك هو الذى «احتضن» الجماعة المتهمة بالمؤامرة، ورباها فى حظيرته «عفريتا» للآخرين، وكان يرخى لها الحبل ويشده حسب الظروف والأحوال، ويسمح لأعضائها بالنزول إلى انتخابات مجلس الشعب بشعاراتهم، وهم جماعة غير قانونية، يجرم القانون من ينضم إليها، منذ عام 1954، والقانون منشور فى الوقائع المصرية. باختصار كان نظام مبارك يلعب مع الإخوان ألعابا سياسية فى صراع مكتوم على السلطة تشبه «الاستغماية» أو العسكر والحرامية، واللعبة انحرفت بهم إلى صدام مسلح. لكن مصر كانت ترقد على بركان ثورة، فحجم المظالم والمفاسد وسوء المعيشة وصل بالمصريين إلى الدرك الأسفل، وظهرت عشرات الكتب سواء بالعربية أو بلغات أجنبية تتحدث عن الثورة القادمة على ضفاف النيل، وليس معقولا أن مجموعة متآمرين يمكن أن يحركوا شعبا فى كل المحافظات: الشوارع، الميادين، أسطح المنازل، البلكونات المزينة بأعلام مصر، هتافات النساء والأطفال والشيوخ والشباب «الشعب يريد إسقاط النظام». كانت أياما عظيمة، عيب أن نصفها بأنها مؤامرة، لمجرد أن تيارا سياسيا ومعه بعض الحركات الشبابية المشبوهة، كانوا يدبرون شيئا آخر.. الناس لم يكن هدفها إسقاط الداخلية وإنما إصلاحها إنسانيا وفنيا، وما زال الهدف قائما ومشروعا، الناس لم تتاجر بوطنها وإنما كانت تريد أن تعدل أحوالها المائلة وما زالت. هذا شعب عظيم لا تهينوه بأنه كان مغفلا وشارك فى مؤامرة لإسقاط الدولة. من حق مبارك القانونى والذين معه أن يدافعوا عن أنفسهم، دون أن يهينوا الناس، ولو جرت محاكمات سياسية لخنق كل منهم نفسه عقابا عما فعلوه بمصر وشعبها. باختصار 25 يناير كان مؤامرة حولها الشعب إلى ثورة، ووصل الإخوان للسلطة كان مجرد جملة اعتراضية، فبرجاء فصل الثورة عن المؤامرة، فالخلط بينهما مقصود لتشويه عقل المصريين ووجدانهم وحسابات المستقبل أيضا!