كان يحكى ببساطة موجعة حكاية لا يستطيع من يسمعها أن يضبط رد فعله، يضحك أم يبكى. كان يحكى عن يوم إلقاء القبض عليه فى أحداث مجلس الوزراء، قال «بعد الضرب بالبيادة والجنازير وحاجات تانية مش عارفها، نيّمونا على الأرض على وشّنا وغمّونا وربطونا من الخلف، ونازلين فينا ضرب واحنا مش سامعين أى حاجة إلا الضرب.. الظابط قال لنا قولوا احنا آسفين يا صلاح، عشان أبطل ضرب، قلنا احنا آسفين يا صلاح، إحنا آسفين يا صلاح، عشان يمشونا، برضك فضلوا يضربوا فينا بالعصيان الجلد السودا زى الحيوانات، واحنا نصوت مش عارفين حاجة.. قال إيه صلاح حاف كده، قولوا احنا آسفين يا صلاح باشا، قلنا احنا آسفين يا صلاح باشا، قال لأ، صوتكم واطى صوتكم مش عاجبنى عايز اسمعها بصوت عالى، قلنا بصوت عالى، ومافيش فايدة الضرب شغال، قال أنا عايزكم تغنوا لى يا بلادى يا بلادى، مش فاهم قصده إيه يعنى من كده هو ده وقت أغانى، هو فاكرنا مش وطنيين مثلا.. على فكرة أنا عارف شكل صلاح واللى معاه اللى مش عارف اسمه وكان متلثم بس برضك عرفت شكله». الحكاية طويلة وتحتوى على أشكال تعذيب عديدة، لكن جزء «إحنا آسفين يا صلاح» كان قمة العبث. كانت هذه الشهادة واحدة من شهادات المتهمين التى سمعتها فى المؤتمر الصحفى الذى عقده المحامون عن قضية مجلس الوزراء فى مركز هشام مبارك، وكتبت عنه، أمس. عدد المحبوسين على ذمة هذه القضية كان 250 متهما ومصابا فى نفس الوقت، بالإضافة إلى 750 مصابا آخرين. باقى الآن مئة متهم ومصاب فى السجن.. منهم شيكا أو محمود عمران الطالب فى رابعة حقوق، محمود نجح فى السنوات الثلاث الماضية بتقدير جيد، وهو يؤدى الامتحانات الآن فى السجن، تقول أخته شيماء المحامية، «محمود كان متعذب لدرجة إنه لما شافنى أنا ووالده أنكرنا، كان خايف يقول إننا أهله أحسن نتأذى»، عندما حاولت أخته أن تقدم بلاغا لتثبت ما تعرض له من تعذيب رفض القاضى، وقال لها «فين الإصابات دى؟». وهذا ما حدث لكل من حاول إثبات الانتهاكات التى حدثت، وكان أصعبها ما حدث مع الأستاذ أحمد حشمت المحامى، الذى قال له القاضى «إنت قرفتنا كل يوم هنا واحنا ماورناش غير طلبات متهمين سيادتك»، وعندما أصر على حقه القانونى الذى يعرف القاضى أنه حقه، طلب من حرس المحكمة أن يخرجوه. ورغم أن أحمد حشمت حكى الكثير من الانتهاكات، فإن أكثر ما ألمنى هو سؤاله البسيط: «لماذا لا يقدر القضاة ما نقوم به رغم أنهم يعرفون تماما ما نفعل؟ لماذا يتصور القضاة أن هؤلاء المتهمين -والمصابين إصابات بعضها خطير-شياطين، وأننا محامو الشياطين؟». السؤال يحمل بين معانيه تقدير المحامى للقاضى الطبيعى، ويحمل رغبة فى عدم تصديق ما وصلت إليه العلاقة ويحمل ثقة رومانسية تتساءل «ليه؟». **** أجمع المحامون على أن قضاة التحقيق فى أحداث مجلس الوزراء كانوا يتعنتون فى إثبات الإصابات، وكانوا يعبرون عن آرائهم السياسية بطريقة عنيفة تفقدهم حيادهم تجاه التحقيق، وكانوا يظهرون مشاعر سلبية تجاه المتهمين المصابين وتجاه المحامين. ليه؟ الإجابة مؤلمة جدا.