ها هو شعب فلسطين يسطّر ملحمة جهادية جديدة، ها هو يؤكّد مجددًا أنه وحده (المعلم)، وأنه الأكثر نبلًا وشرفًا بين شعوب العالم العربى والإسلامى، حيث يواجه أكبر آلة للقتل الإنسانى على مدار أسبوعين متتاليين مقدمًا قرابة ال400 شهيد وثلاثة آلاف جريح، وموقع فى نفس الوقت فى قلب العدو الهلع بصواريخه وصموده ومقاومته، وسط صمت وتواطؤ عربى ودولى واضحين للعيان رغم قنابل الدخان السياسية وأراجيف الدجل والكذب الإعلامية. * إن العدوان الأخير على غزة (يوليو 2014م - رمضان 1435ه) ليس الأكثر دموية فى تاريخ الشعب الفلسطينى، لكنه الأكثر التباسًا وضياعًا للبوصلة من العرب (حكامًا وشعوبًا) تجاه الشعب الفلسطينى الصامد الصابر المضحى والمقاوم، لقد تعمد البعض خلط الأوراق وإثارة الأتربة، وصرف الأنظار بعيدًا عن العدو الرئيسى، واختراع أعداء آخرين، بديلًا عنه، وتحديدًا جعل حركات المقاومة الفلسطينية هى العدو، وهى المعتدى على حمامة السلام المزعومة (إسرائيل)، وهو عين ما تمنته وسعت إليه الإدارة الأمريكية والصهيونية طيلة السنوات السابقة. * صحيح ثمة أخطاء كبرى وقعت فيها حركة حماس، خصوصًا فى دعمها (ولو سياسيًّا) المعارضة السورية العميلة والحليفة بامتياز للمخابرات الغربية والهادفة لتفكيك الدولة السورية صاحبة الفضل الأكبر فى احتضان وتسليح حماس بكل أنواع الأسلحة بما فيها الصواريخ الأخيرة التى تطلق على تل أبيب، التى أتت إلى غزة عن طريق حزب الله وإيران وسوريا! وصحيح أنها، أى حركة حماس، أعلت من انتمائها (الإخوانى) على حساب انتمائها الفلسطينى وعلى حساب خيار المقاومة، وذلك خلال السنوات الثلاث الأولى من عهد الثورة المصرية (ثورة يناير 2011)، وفى ذروة الصعود الإخوانى لحكم مصر، وصحيح أنها وقفت ضد إرادة الشعب والجيش المصرى فى 30-6-2013 وحاولت (خصوصًا حماس الخارج الموجودة قياداتها فى قطر) تعطيل مسيرة ثورة 30 يونيو، ثأرًا وقصاصًا لما جرى للإخوان المسلمين فى مصر. وصحيح أنها، حركة حماس، مسؤولة على الأقل سياسيًّا وليس تنظيميًّا عن تسريب وتهريب بعض قوى المعارضة المسلحة (مثل أنصار بيت المقدس وجيش الإسلام وغيرها) من غزة إلى سيناء وارتكابهم جرائم دامية فى حق المصريين. * كل هذا صحيح.. لكن غير الصحيح، هو أن تتم شيطنة الشعب الفلسطينى كله، وحركات مقاومته الباسلة التى تخوض الآن واحدة من أبرز وأشرف المعارك ضد العدو الرئيسى للأمة، إن من غير الصحيح بل والجائر جدًّا أن يصدر عن بعض إعلامنا المصرى والعربى هذا التشفّى أو على الأقل عدم التعاطف غير المبرر أخلاقيًّا ومصلحيًّا ووطنيًّا مع الشعب الفلسطينى فى العدوان الصهيونى الأخير الذى جرى على غزة. إن العطب الذى أصاب العقل والضمير، لا مبرر ولا معنى له، الآن تحديدًا، والواجب الوطنى والقومى، والدينى يحتم على نخبتنا وحكامنا أن يفرّقوا بين الخصومات السياسية الماضية مع بعض قوى المقاومة وقوى السياسة (تحديدًا الإخوان) وبين المساندة والدعم العاجل والقاطع للشعب الفلسطينى فى حربه المعتدى عليه فيها من قبل الكيان الصهيونى، لأننا بهذا الدعم الواضح والقاطع لا ندافع عن (حماس) أو حتى عن قطاع غزة، بل ندافع عن القاهرة، ندافع عن أمننا القومى فى معناه الصحيح والاستراتيجى. * إن المطلوب الآن، هو ردم الفجوة النفسية والسياسية التى خلفها الصراع مع الإخوان وأخطائهم القاتلة تجاه الجيش والشعب فى مصر، والفصل الواضح بين هذا الصراع المستمر وبين عقاب الشعب الفلسطينى من خلال ترهات الإعلام والسياسة وبإغلاق معبر رفح. المطلوب (مصريًّا أولًا وعربيًّا ثانيًّا)، الانحياز للشعب الفلسطينى عبر مبادرات جديدة غير تلك المطروحة الآن، التى رفضتها المقاومة الفلسطينية، وأن تأخذ المبادرة الجديدة المطلوبة فى حسبانها مطالب أهل غزة، والانحياز لها بوضوح لا لبس فيه، ففى ذلك حماية لنا من تداعيات عدوان سافر من عدو سافل، لا أمان له، ولا ثقة فيه، عدو ستثبت الأيام القادمة أنه هو مَن كان يقف خلف جماعات العنف الدينى (القاعدة وأخواتها) التى تقتل أبناءنا فى الوادى الجديد، وفى سيناء. * وبالمقابل على حركات المقاومة الفلسطينية البطلة، التى أحدثت، رغم التضحيات الهائلة، توازنًا للرعب مع العدو الصهيونى لأول مرة فى تاريخها، أن ترتفع فوق خلافاتها الحادة مع الإدارة المصرية الجديدة وأن لا تحشر نفسها فى مربع الصراع الإقليمى (الإخوانى) مع مصر، الذى تقوده تركياوقطر لمصالحهما الخبيثة والمرفوضة، وليس لمصلحة الفلسطينيين، الارتفاع هنا يترجم بالحوار الجاد مع مصر وباستمرار المقاومة وتوسيعها لتشمل الضفة وأراضى 1948 فى آن واحد. إن النصر قريب ودماء أطفال غزة لن تضيع هباء.. فصبر جميل. والمجد لهذه المقاومة الأسطورية والعار لمن شيطنها أو خذلها.