إن المقاومة السلمية للمصريين معتنقى المسيحية فى وجه طغاة الرومان قد تميّزت باشتراك جميع الفئات، نبلاء وفقراء، ضباطا وجنودا، كهولا وشبابا، صعايدة وبحاروة، رجالا ونساء، مصريين ومتمصرين، ولاة وعبيدا، رجال دين وأصحاب حِرَف. واستكمالاً لما أشرنا إليه من نماذج من الشهيدات المصريات فى هذه المرحلة يتوقف التاريخ بإجلالٍ لنموذج الأم الشهيدة رفقة من قوص فى صعيد مصر، جاهرت بإيمانها هى وأبناؤها الخمسة (أغاثون وبطرس ويوحنا وآمون وآمونا)، فقام القائد ديونيسيوس بتعذيبهم بادئا بالأم رفقة التى تحملت أهوال التعذيب وشجعّت أبناءها على الثبات، ولما كان الابن الأكبر أغاثون محبوبا فى قريته، وخشية إثارة التعاطف معه، فقد أشار البعض بإرسالهم إلى أرمانيوس والى الإسكندرية حيث لا يعرفهم أحد، وهناك قام بتعذيبهم ثم أمر بقطع رؤوسهم وإلقاء أجسادهم فى البحر، لكن ثريا مسيحيا أعطى الجنود بعض المال وأخذ منهم أجساد الأم والأبناء وحفظها عنده حتى انتهت سنوات الاضطهاد، وما زالت أجساد هذه الأسرة الشهيدة فى الكنيسة التى بُنيت على اسمهم ببلدة سنباط (تتبع مركز زفتى حاليا). ومن الأمراء والنبلاء: 1- مار بقطر: كان ابن أحد وزراء دقلديانوس، ولما قُطعت رأس القديسة ثاؤدوره وبقى جسدها مطروحا لا يجرؤ أحدٌ أن يدفنه خوفا من غضب الطاغية تقدم بقطر بشجاعةٍ وأخذ الجسد وكفّنه ثم دفنه، ولما علم الطاغية دقلديانوس أرسله إلى والى الإسكندرية أرمانيوس ليعذبه، ثم إلى أريانوس والى أنصنا الذى أكمل تعذيبه بقطع اللسان وقلع العينين ثم قطع الرأس. 2- الأمير يسطس: الذى أرسله دقلديانوس إلى أنصنا، وأرسل زوجته ثاؤكليا إلى مدينة صالحجر (قرب فوه) وابنهما الفتى أبالى إلى مدينة بسطا (قرب الزقازيق)، حيث تم تعذيبهم ثم إعدامهم. 3- أركانيوس والى سمنود وسوكيانوس والى أتريب. 4- مرقس والى البرلس والزعفران: كان يكتم إيمانه، ولما اصطحبه دقلديانوس مع باقى الولاة لأداء الطقوس الوثنية ضعُف مرقس وخاف فاشترك فى هذه الطقوس، فلما علمت ابنته دميانة بذلك قامت بتأنيبه، فندم ندما شديدا وذهب إلى الطاغية وندم أمامه على ما آتاه فانكشف إيمانه وتم إعدامه. 5- يوحنا الهرقلى: لم يكن مصريا، وإنما كان واليا فى آسيا الصغرى وهو فى سن العشرين عندما أرسله دقلديانوس إلى مصر ليجمع الخراج.. وفى مصر اعترف بمسيحيته بين المصريين، فأرسله الوالى سرياقوس مقيدا بالسلاسل إلى أريانوس والى أنصنا الرهيب، حيث ضُرب بالسياط حتى سال دمه، ثم سلخوا جلده، ووضعوا جمر نارٍ تحت جنبه وأسياخا مُحماةً على وجهه، ورُبط إلى ذيل فَرَسٍ وسُحل ووجهه إلى الأرض، وأخيرا قُطعت يداه ورجلاه ثم رأسه بحد السيف فى نواحى القوصية بصعيد مصر. ومن الضباط العظام: 1- مار مينا: هو أشهر شهداء هذه الفترة، ويسمى بالعجائبى، وكان من النبلاء، إذ كان أبوه حاكما لأحد الأقاليم المصرية وكذلك عمه وجده، فى الخامسة عشرة من عمره التحق بالجيش فى إحدى الفرق فى إفريقيا القديمة (الجزائر حاليا) وتولى منصبا قياديا نظرا لمكانة والده، وعندما أصدر ديقلديانوس أوامره باضطهاد المسيحيين لم يشأ أن يشترك فى هذه الجرائم، فترك الجيش وذهب إلى الصحراء ليتعبد، وبعد خمس سنواتٍ عاد إلى الإسكندرية فى ثياب ناسكٍ فتعرف عليه بعض جنوده ووشوا به عند الوالى الذى حاول إثناءه عن إيمانه فأبى، فتعرض لأهوال التعذيب الذى لا يُحتمل ثم أُعدم بقطع الرأس وهو فى الرابعة والعشرين من عمره. 2– تاوضروس الشطبى: نسبةً إلى قرية شطب بأسيوط، وقد التحق بالجيش ووصل إلى رتبة إسفهسلار (قائد حربى)، وقد حُكم عليه بالحرق حيا. ومن الجنود: 1– أبسخيرون القلينى: نسبةً إلى قلين بمحافظة كفر الشيخ الحالية، انتظم فى سلك الجندية وأصبح من جنود أريانوس الرهيب والى أنصنا، ولما رأى الأهوال التى يتعرض لها المسيحيون بواسطة جنود أريانوس تنفيذا لأوامر الطاغية دقلديانوس، أعلن اعتراضه، فأرسلوه إلى الوالى الذى كان متغيبا فى أسيوط، وبعد تعذيبه تعذيبا مروّعا تم إعدامه بقطع الرأس. 2– الجندى أبا بجول: وقد رفض أن يُمارس الطقوس الوثنية مثل باقى الجنود، فتولى تعذيبه ولاةٌ متعددون لإثنائه عن إيمانه فأبى، إذ بدأ بتعذيبه كلوسيانوس والى الإسكندرية قبل أرمانيوس، ولمّا تولى أرمانيوس كرر المحاولة وفشل، ثم أرسله إلى أريانوس والى أنصنا وفشل أيضا، ثم تم تعذيبه فى حضرة الطاغية دقلديانوس بتقييده على سريرٍ حديدىٍ وإشعال النار تحته، وأخيرا قُطعت رأسه بالسيف. وللحديث بقيةٌ بإذن الله.