مسيرة التحالفات الانتخابية فى مصر والمؤدية إلى البرلمان معبرة بدقة عن حال الواقع السياسى فى مصر بعد 30 يونيو، الذى طرأ عليه جديد لم يكن موجودا منذ سنوات طويلة، وهو غياب الإخوان المسلمين عن لعبة الانتخابات، فضلا عن دستور جديد يعطى للبرلمان دورا مهما فى إدارة الدولة، مع حضور كبير فى تشكيل الحكومة والأرض تحمل قوى سياسية لم تجتمع تقريبا على كلمة سواء إلا فى تجربة جبهة الإنقاذ وكل تجاربها فى غير ذلك، وخصوصا ترتيبات الانتخابات، لم تكن موفقة بالقدر الكافى، ومع اقتراب الدعوة للبدء فى الإجراءات والمؤتمر الصحفى لعمرو موسى وعمرو الشوبكى أول من أمس لإعلان وثيقة مبادئ تحالف الأمة المصرية، تتحكم فى واقع ومستقبل التحالفات عدة نقاط: (1) عامل غياب الإخوان المسلمين سيكون مؤثرا فى إظهار خواء الساحة السياسية فى مصر من كيانات لها جذور اجتماعية يمكن أن تستند إليها فى انتخابات برلمانية يسيطر عليها فى مصر الروابط، وهذا الانكشاف بديهى، فلم يكن مناخ مبارك مجالا يتسع لقيام أحزاب ولم تنضج تجارب أحزاب ما بعد يناير بعد لضيق الوقت وتقلب الظروف السياسية، فما زالت الأحزاب الجديدة تمر بطور النمو الطبيعى وتستهلك الوقت المنطقى من ترسيخ مفهوم العمل التنظيمى وتقنين الخلافات الداخلية والأعمال الإدارية وإدارة التحالفات والانشقاقات وتغيير القيادات بالطرق اللائحية عبر المؤتمرات العامة. (2) فى ظل الانكشاف السياسى يكون بديهيا أن تلعب الأحزاب مالكة الأموال أو صاحبة الاسم الدور الأكبر فى ترتيب التحالفات الانتخابية، ولذلك فمسيرة التحالفات الانتخابية فى مصر الآن تدور فى فلك قطبين هما الوفد والمصريين الأحرار، وستتضاءل أمام ذلك القوة المعنوية للكيانات أو الأفراد حتى ولو كانت صاحبة إنجاز أو تاريخ أو منصب سابق، ولذلك فالحلقة الأضعف فى تشكيلة التحالفات الحالية هى عمرو موسى وحمدين صباحى ومراد موافى. (3) يتعامل حمدين صباحى بتواضع فهمه لطبيعة أوزان القوة، ولذلك فهو يسعى فى سياق الحضور فى أكبر تحالف ممكن يسمح بالدفع بعدد ممن كانوا فى تحالفه الرئاسى فى البرلمان القادم، أما عمرو موسى فقد أقدم على خطوة إعلان وثيقة مبادئ تحالفه الانتخابى، متجاهلا هذه المعادلة، ولذلك فالخطوة تعد متسرعة وغير محسوبة بدقة تراعى مدى قوة الداعى على إنشاء تحالف انتخابى أصلا، وتجلى ذلك فى عدم حضور أى من الأحزاب أو القوى المهمة للمؤتمر مثل الوفد أو المصريين الأحرار أو الكتلة الوطنية أو المصرى الديمقراطى، وهى الأطراف التى كان أغلبها حاضرا للاجتماع الأول الذى دعا إليه موسى، بل واستياء بعضهم من عقد المؤتمر والإعلان قبل الاستقرار على شكل التحالف، وعليه فيبدو أن عمرو موسى قد شق طريقا قد يسير فيه وحيدا. (4) أرض الانتخابات التى كان متنازعا عليها بين الإخوان والحزب الوطنى أصبحت فضاء لرجال الوطنى، وهى الأرض التى يحكمها المال والرجال والعائلات، وهى اللحظة الأهم فى مرحلة إعادة تدوير الحزب الوطنى ليرتدى ثوب الجلوس فى مقدمة صفوف إدارة الدولة، ولكن إدراك رجال الوطنى بأن الفراغ الانتخابى القائم لا يعنى سقوط الكعكة بين أيديهم لأنهم يعلمون أن قوتهم الانتخابية لم تكن معتمدة على تنظيمهم أو قاعدتهم الاجتماعية وإنما على التزوير، وهى مجال خبرتهم الأساسية، فضلا عن أن تشويه الثورة لم يصبّ فى حب الوطنى أو الحنين إليه، ولذلك فمركز تعبئة الوطنى فى حزب الحركة الوطنية المدعوم من شفيق وحركة مصر بلدى وغيرها تسعى لدخول أحد التحالفات التى لا تحمل اسمها، ولكن الواضح حتى الآن أنها لن تجد مستقرا لها فى أى من التحالفات، وستضطر فى النهاية إلى خوض الانتخابات منفردة، وقد لا تنافس على القوائم أصلا. (5) حزب الوفد يكرر نفس سيناريو الانتخابات السابقة، بأن استبق الجميع فى إعلان اسمه كأول تحالف من خلال ضم مجموعة من الأحزاب الصغيرة معدومة الوزن ليصبح تحالفا مكونا من 10 أحزاب مثلا، ثم بدأ فى المناورة داخل تحالف عمرو موسى ووضع العصا فى العجلة من قبيل طلب المحاصصة وما هو خلافى لا يقبل به أحد، ثم يخرج فى نهاية المطاف مع اقتراب موعد الانتخابات لتجد الأحزاب الأخرى نفسها فى وضع صعب وفى ضيق وقت لا يسمح لها إلا بإنشاء تحالف هش فى اللحظات الأخيرة أو الاضطرار فى الاستمرار بشروط مجحفة. (6) قد يخوض الوفد هذه الانتخابات منفردا رغم حضوره اجتماع تحالف عمرو موسى ومشاورات التحالف الآخر الذى قد يتشكل بعيدا عن عمرو موسى بعد تغريده بعيدا عن السرب لأن لديه قناعة بأنه المؤهل الوحيد بقوة الاسم واستشراء الفراغ على حصد أغلبية تؤهله من تشكيل الحكومة، وسيسعى فى إطار ذلك إلى ضم نواب الحزب الوطنى من استطاع إليهم سبيلا أو من سيذهبون إليه هاربين من الكيانات الموصومة بتبعيتها للوطنى. أما السيناريو الآخر فهو أن يستغل خطة الإعلان عن تحالف الأمة المصرية ويعود إلى مربعه الأول بتحالف الوفد المصرى وبداية التفاوض من جديد مع القوى المتبقية لتكوين تحالف آخر يكون هو مركزه حتى لو اضطر إلى تغيير اسمه. (7) التحالف الديمقراطى الذى يدور حول حمدين صباحى سيواجه مشكلة كبيرة، فليس لديه كوادر ولا أموال، والأغلب أن أحزاب هذا التحالف ستجد نفسها منفردة فى مواجهة الطوفان، وقد تتخذ بعض هذه الأحزاب قرار عدم خوض الانتخابات فى فترة قريبة قادمة بعدما تتكسر الأشكال القائمة، ولن تقوى الأخرى إلا على طرح بعض أعضائها على المقاعد الفردية، وفى أحسن الأحوال سينجح حمدين صباحى فى ضم هذه المجموعة لتحالف يرتكن إلى المصريين الأحرار كمركز وحيد أو مهم لأنه الحزب الأكثر تقبلا وتفهما لضم هذه الأحزاب الآن. (8) تحالف عمرو موسى سينهار قريبا جدا وسيقف عمرو موسى منفردا، خصوصا فى ظل عدم حرص القطبين الرئيسيين على وجوده، عمرو موسى الذى يعد نفسه بمؤازرة الكثيرين لأن يكون رئيسا للبرلمان القادم قد ينتهى به المطاف خارج البرلمان كله. (9) المصريين الأحرار يشارك فى عدد من المناقشات ولكنه يميل أيضا إلى أن يخوض الانتخابات تحت اسمه، مما يعنى أن يخوضها منفردا أو فى وجود بعض الأحزاب الصغيرة على قائمته مع بعض الشخصيات العامة التى يميل الحزب إلى دعمها فى المعركة البرلمانية حتى ولو لم تكن منتمية إلى الحزب، وقد يفكر الحزب فى لحظة متقدمة فى عدم تشكيل قائمة والنزول فقط على المقاعد الفردية، وقد تنجح الجهود الحالية فى إقناع الطرفين المؤثرين الوفد والمصريين الأحرار لتشكيل قائمة لا تحمل اسم أى منهما. أخيرا: نحن أمام واقع مفتت وهش سينعكس بدوره على التحالفات الانتخابية وعلى تشكيل البرلمان وشكله وتركيبته، وطبعا سيضاف إلى السباق حزب النور الذى سيستفيد قطعا من التفتيت المنتظر على مستوى القوائم والفردى.