هو تحول نوعى بكل تأكيد، أن تصدر مصر مبادرة كتلك التى أعلنها مؤخرًا وزير الخارجية لوقف المجازر الإجرامية الإسرائيلية المتواصلة فى غزة، والتى لا تختلف فى مضمونها عن البيانات التى يصدرها مجلس الأمن أو واشنطن والعواصم الأوروبية من ناحية التعامل مع الطرفين على قدم المساواة، وكأنه لا علاقة تاريخية لنا بفلسطين أو شعبها الذى خضنا معه ومن أجله حروبا طويلة استشهد فيها آلاف المصريين. حماس ارتكبت أخطاء فادحة فى تعاملها مع مصر على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، وتناست قضيتها المركزية، فلسطين، من أجل دعم فصيل سياسى بعينه هو الإخوان المسلمين عملا بالمنطق الخائب القائم على أن تحرير فلسطين سيأتى بعد إقامة الخلافة الإسلامية أولًا انطلاقا من القاهرة. ولكن هذا لا يمكن أن يعنى أن نبقى صامتين متفرجين لمعاقبة حماس، وكأن الأطفال والنساء والشيوخ والرجال الذين يقتلون فى غزة هم من سكان القطب الشمالى. وإذا كان الرئيس المعزول محمد مرسى قد حاول إبهار سادته فى واشنطن بقدرته على إنهاء العدوان الإسرائيلى على غزة فى ثمانية أيام فقط، فليس من المعقول أن يكون الرد لإثبات كفاءة النظام الجديد هو أن نتعامل مع الحرب الدائرة فى غزة وكأننا سويسرا، فننال ثناء رئيس وزراء إسرائيل وواشنطن والاتحاد الأوروبى. ما ترتكبه إسرائيل فى غزة هو جرائم حرب بلا جدال، وهو ما أكدته مفوضة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان نافى بيليه، والتى قالت إنه مع الوضع فى الاعتبار أن إطلاق القذائف على المدن الإسرائيلية عشوائيا أمرٌ مرفوض من وجهة نظرها، فإن ذلك لا يبرر مطلقا هذا الهجوم الوحشى والقتل العشوائى والعقاب الجماعى لسكان قطاع غزة الأكثر اكتظاظا بالسكان فى العالم بأكمله. إسرائيل ضربت المساجد والمستشفيات، وكذلك دارًا لرعاية الأطفال المعوقين. كما قامت كعادتها بإسقاط قنابل تزن أطنانا على منازل لتقتل أُسَرًا بأكملها بمن فيها من أطفال ونساء بزعم استهداف قيادى فى حماس أو الجهاد. وكل هذه أمور كان يجب أن تشير إليها المبادرة المصرية بحكم أنها مصرية عربية من دولة جارة حاربت لعقود من أجل فلسطين، وليس أن تكتفى بمطالبة كل طرف على حدة بوقف الأعمال العدائية وكأننا نتعامل مع دولتين تخوضان حربًا ضد بعضهما، وليست دولة عدوانية غاشمة تمتلك كل أنواع الأسلحة القاتلة مقابل تنظيم كل ما يمتلكه قذائف لا يمكن حتى أن نسميها صواريخ. هذه القذائف قتلت إسرائيليا واحدًا على مدى أسبوعين تقريبا مقابل ما يزيد على 225 فلسطينيا حتى وقت كتابة هذا المقال، ثلثهم من الأطفال الأبرياء وآخرهم أربعة أطفال كانوا يتنزهون على الشاطئ. أمام كل هذا القتل الوحشى، كيف يسمح وزير الخارجية لنفسه أن يصدر مبادرة تتعامل مع الطرفين على قدم المساواة! كان المطلوب من القيادة المصرية الجديدة أن تبحث كيف يتم إجبار إسرائيل على وقف هذه الطريقة الإجرامية فى التعامل مع الفلسطينيين وقتلهم بدم بارد دون خشية من حساب أو عقاب. هكذا كنا سنستعيد بالفعل موقعنا الإقليمى، ونؤكد أن فى مصر نظاما لا يتهاون مع أعمال القتل لشعب عربى مسلم، وبغض النظر عن النظام أو التنظيم الذى يتحكم فى مقدراته الآن. لا لجرائم القتل الوحشى الإسرائيلى بحق الفلسطينيين.