قضيت مع الإخوان 43 رمضانًا منهم 5 داخل السجن مهدى عاكف «طباخ ماهر» وزوجة أبو الفتوح أستاذه في «الكنافة» أنصح بالابتعاد عن السياسية في رمضان التقينا بالدكتور محمد حبيب نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين سابقًا، بعيدًا عن ضجيج العاصمة، في مسقط رأسه بالصعيد يقضي الشهر الفضيل وسط أهله وأسرته وأبنائه، تحدثت «التحرير» معه عن الأوضاع اليساسية، وذكرياته القديمة مع شهر رمضان المبارك، وإلى نص الحوار ** بداية.. هل هناك فرق بين رمضان هذا العام ورمضان العام الماضى؟ رمضان هذا العام له مذاق خاص، فقد جاء بعد الإطاحة بحكم الإخوان، وأعمال العنف والتوترات المصاحبة لاعتصامى رابعة والنهضة؛ وقد تم الاستفتاء على دستور 2014، وانتخاب رئيس الجمهورية، وبعد اشهر قليلة تتم الانتخابات النيابية، ونكون بذلك قد استكملنا مؤسساتنا الدستورية. ** وما رأيك في الأوضاع السياسية والاقتصادية؟ صحيح، تمر مصر بأزمة اقتصادية حادة، تلقي بظلالها السلبية على خطط التنمية، لكن هناك محاولات جادة للخروج منها، كما أن هناك مشكلات أمنية وسياسية، فضلًا عن المشكلات المعتادة كالبطالة، والارتفاع في الأسعار، والتعليم، والصحة، والإسكان، لكن مع الوقت سوف تتراجع هذه المشكلات، ونأمل أن تستعيد مصر عافيتها خلال عامين. **ماذا لو لم يتم عزل مرسي قبل رمضان؟ استجابة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لثورة 30 يونيو وعزل مرسى بعدها في 3 يوليو، كان ضروريًا، واعتقد أن تأخير ذلك لم يكن في الصالح العام.. ولم أكن أتمنى أن يُسمح لمتظاهري رابعة بالاحتشاد في الميادين، وأيضًا ما كنت أتمنى أن يتم فض الاعتصامين بهذه القوة، وإن كنت أحمل الجزء الأكبر من مسئولية الدماء التي سالت لقيادات الإخوان وأنصارهم. **بماذا تنصح شباب الإخوان؟ أنصح شباب الإخوان بأن ينتبهوا للشرك المنصوب لهم، وأظن أن ما يجري من غارات همجية ووحشية من قبل العدو الصهيوني على قطاع غزة، واستغاثة أهل القطاع بالجيش والشعب المصرى يؤكد أن مصر هي الركيزة والسند للأمة العربية. س8: هل تفسد السياسة شهر رمضان؟ تفسده إذا كانت مصحوبة بالكذب، والغش، والخداع، والتضليل، واخلاف العهود، واى عمل غير أخلاقى..وبما أن السياسة لا تخلو من كذبة هنا أو خداعا هناك، فأرجو أن يكون الصيام عن السياسة أيضًا، اللهم إلا إذا تمكن الساسة من إخضاع ألسنتهم وسلوكياتهم للمعايير الأخلاقية. ** يأتى رمضان هذا العام بالتزامن مع ضرب الاحتلال الصهيونى لغزة.. هل يذكرك ذلك بشئ؟ منذ وطئت أقدام الاحتلال الصهيونى أرض فلسطين، وهو لا يتوقف عن ممارسة كل أنواع العربدة والوحشية والطرد والإبادة للشعب الفلسطيني، مدعومًا بالإدارة الأمريكية والغرب، وفي ظل عجز وشلل كامل لأنظمة الحكم العربية. وفي ظني أن العدو الصهيوني انتهز فرصة خطف وقتل ثلاثة من المستوطنين لشن غارات بشعة على أهل غزة ويقتل المئات ويصيب الآلاف، ويحقق مجموعة من الأهداف؛ أولها: عرقلة المصالحة الفلسطينية، ثانيها: التأكيد على هيمنته وتفوقه الساحق على دول المنطقة، وثالثها: استنزاف وضرب الآلة العسكرية التي تمتلكها المقاومة الفلسطينية بفصائلها المختلفة. ** ننتقل إلى الحديث عن شهر رمضان.. كيف كانت طفولتك في الشهر الكريم؟ «رمضان الطفولة» له صبغته وسمته المميزة، خاصة فى بلد شديد التدين كمدينة دمياط.. فقد حفر في ذاكرتنا ووجداننا أخاديد عميقة وعلامات بارزة مازلنا نذكرها حتى اليوم.. كنا نسعد كثيرًا عندما نصر ونحن صغار على الصوم.. كان ذلك يجهدنا، خاصة في الأيام شديدة الحرارة كأيامنا هذه.. كنا نتباهى بذلك بين أقراننا. ما زلت أذكر جيدا كيف كنا - نحن أطفال الحارة - نحمل فوانيسنا بعد صلاة القيام ونمر بها على البيوت ونحن نردد مثل هذه الأهازيج «هاتوا العادة..ياأصحاب العادة..الفانوس طقطق..والعيال ناموا»..فيتعطفون علينا بالقطايف والكنافة ولقمة القاضي، وما أشبه.. وكانت الفوانيس على أيامنا كما «اللمبة نمرة 5»، فإذا انتهت كمية الكيروسين، بدا الفانوس في الطقطقة. كما كنا نمر على الكثير من المحلات لنشرب من «ماء الورد» البارد الذى كانت تمتلئ به «القلل» المتراصة أمامها. كنا نستيقظ في السحر على «طبلة» مسحراتي الحي لتناول السحور، ثم الذهاب مع الوالد لصلاة الفجر في المسجد. وفي بداية الستينات صرت طالبا فى جامعة اسيوط، ولم يكن بها سوى كليتى العلوم والهندسة.. كان عددنا انذاك محدودا، وكنا نتاول طعام الإفطار فى رمضان بمطعم الجامعة (مبنى كلية الآداب الآن) ، وكانت الوجبة (شاملة الكنافة) بخمسة قروش لا غير..بعد تخرنا، كنا - كمعيدين - نتناول افطار رمضان فى احد المطاعم، وبعد صلاة القيام نجتمع فى شقة احدنا ويمتد السهر بنا فى مناقشة أحوالنا بالجامعة حتى السحور.. في نهاية الستينات، تزوجت وبدأت الحياة تأخذ منحًى جديدًا.. وتواكب هذا مع انتهائي من رسالة الماجستير وبداية العمل في الدكتوراه، وبالتالي لم يعد هناك تناول لإفطار رمضان في المطاعم، ولا السهر حتى السحور خارج البيت.. وأصبح لكل منا حياته الخاصة. ** وماذا عن رمضان داخل «الإخوان»؟ قضيت وأنا في الإخوان أكثر من ثلاثة وأربعين رمضانًا.. وفى هذه الشهور، كانت أغلب إفطاراتنا مع الإخوان، وقليل جدًا مع زوجتى وأولادى.. وقد تتزامن هذه الإفطارات مع لقاءات إدارية وتنظيمية، أو مؤتمرات دعوية وسياسية، وهكذا..لم تكن مقتصرة على القاهرة، وإنما امتدت إلى المحافظات المختلفة. لهذا حرصت منذ سنوات «بعد تركى للاخوان فى منتصف عام 2011» على تناول إفطار رمضان مع الزوجة والأولاد والأحفاد لتعويض ما فات. وخمس رمضانات داخل سجن ملحق مزرعة طرة، وذلك فى الفترة من 1995 إلى 2000، تنفيذًا لحكم المحكمة العسكرية العليا بحبسنا، مع محمد مهدى عاكف، وحسن جودة، وخيرت الشاطر، ومحمود عزت، وعبد المنعم ابوالفتوح، وعصام العريان، وغيرهم. ** هل تتذكر مواقف معينة مع قيادات الاخوان فى شهر رمضان؟ مهدى عاكف كان طباخًا ماهرًا، وكان يتميز في عمل «المحاشي»، وأوضح أن عصام العريان كان متخصصًا في عمل «محشى الشبت»، الذي يشتهر به سيدات ناهيا. وكانت زوجة عبد المنعم أبوالفتوح أستاذه في عمل «الكنافة»، وكنت أطلق عليها «الكنافة الفردوسية» بسبب جمالها، مشيرًا إلى أن زوجة محمود عزت حاولت منافستها لكنها فشلت. ** لماذا تعكف على العبادات في رمضان دون الشهور الأخرى، وتمتنع عن الكلام في السياسة؟ العبادات في رمضان فضلها كبير وثوابها عظيم، والعاقل الحصيف من انتهز فرصة الشهر الكريم في التزود بالطاعات، ويكفي أن نعرف أن الفريضة فيه تعدل 70 فريضة فيما سواه، وفى الحديث: «لو تعلم أمتى ما في رمضان من الخير، لتمنت أن تكون السنة كلها رمضان»، ولا ننسى أن في رمضان ليلة هي خير من ألف شهر، هى ليلة القدر، فنسأل الله تعالى أن نكون من أهلها..أما الكلام فى السياسة، فلا امتنع عنه طالما كان لمصلحة عامة، وإذا كان يدفع ضررًا ويجلب نفعًا، ونسأل الله القبول. ** في عهد الرئيس السابق مرسي كانت المساجد في رمضان مفتوحة للجميع ولم تكن هناك رقابة على المعتكفين .. لماذا أغلقت بعض المساجد الآن؟ الوضع الآن مختلف.. لقد أساء الإخوان ومناصروهم إلى الإسلام، وإلى الدعوة الإسلامية، وإلى الشعب المصري، خاصة بعد الثورة عليهم في 30 يونيو والإطاحة بهم في 3 يوليو، وبعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، وما تلى ذلك من حرق وتدمير وتخريب وأعمال عنف واغتيال.. وهو ما أدى إلى رصيد كبير من الكراهية تجاههم.. ورغم الضربات الأمنية الموجهة للإرهاب، إلا أنه ما زالت هناك بؤر منتشرة تسعى لإثارة القلاقل والإضرابات، وربما ارتكاب جرائم اغتيال.. ومن البديهى إذن أن تكون هناك رقابة على المعتكفين، فلا تدري من هؤلاء، وما الذى يخططون له، ومن اين تأتيك الضربة؟ وأظن أنه بات واضحًا لكل ذى عينين إننا نواجه في هذه الفترة ظروفًا استثنائية وغير عادية تتطلب مزيدًا من الحيطة والحذر، ونسأل الله السلامة لمصر والمصريين. ** هل يتم منعك من قول خواطر دينية في المسجد الذي تصلي فيه؟ منذ سنوات طويلة، ربما تصل لأكثر من ثلاثين عاما، وانا لا القى خواطر فى المسجد.. وبالتالي لا توجد مشكلة أصلا..والسؤال: هل هناك نية لفعل ذلك؟ اقول: لو أتيح لى ذلك لفعلت، فأنا أدرك خطورة الكلمة وأهميتها، ونحن في أمس الحاجة هذه الأيام إلى الخطاب الوسطي المعتدل، الذي ييسر ولا يعسر، يبشر ولا ينفر، يجمع ولا يفرق.. في أمس الحاجة إلى تصحيح كثير من الأفكار المطروحة على الساحة.. وإلى تصويب كثير من الأفهام، خاصة تلك التي تعتمد على العنف كوسيلة للتغيير.. فى أمس الحاجة إلى ترشيد كثير من الممارسات، فبعضها لا علاقة له بصحيح الإسلام.