ترفض حركة حماس المبادرة المصرية للتهدئة، ويتهكم الإخوان على هذه المبادرة. حماس والإخوان يفضلون الموقف القطرى والتركى، وطالما يفضلون ذلك فهم على الأقل يتمنون لو كان الموقف المصرى مماثلاً للموقف القطرى التركى! لكن ما الموقف القطرى التركى؟ ما ملامحه؟ ما الإجراءات الثورية التى تم اتخاذها من قِبل الدولتين؟ هل تخوض قطر وتركيا حربًا على إسرائيل ونحن لا نعرف؟ هل اتخذتا إجراءات دبلوماسية مسكوتًا عنها؟ هل وضع الأتراك كتيبة عسكرية تحت تصرف خالد مشعل؟ هل أوقفت «الجزيرة» ظهور أفيخاى أدرعى الناطق باسم الجيش الإسرائيلى على شاشتها؟! تجتهد المطالبات والمناشدات والكتابات داخل مصر منذ تفجر الأزمة فى غزة، لإقناع الدولة المصرية بأن تقوم بالفصل بين مشاعرها تجاه حماس بسبب الخلافات السياسية المحلية التى تورطت فيها داخل مصر، والحرب فى غزة، والأهل فى غزة، وأن تتعامل باعتبار أن ظروف الحرب ليست وقتًا لتصفية الحسابات، لكن بالتوازى مع ذلك لا تُبذل جهود لإقناع حماس بأن تفصل هى أيضا بين وضعها فى غزة وانتمائها للإخوان، وهو الفصل الذى فشلت فى الحفاظ عليه خلال السنوات الثلاث الماضية، فأضرت بشعبيتها فى مصر، وتحملت وهى فى غزة جانبا من فواتير الأخطاء السياسية للإخوان فى مصر. تتعاطى حماس مع الدولة المصرية بعقل إخوانى، تنظر إلى السيسى باعتباره الذى أقصى حكم الجماعة فى مصر، لذلك فهى تصفى حسابات التنظيم فى وقت الحرب، بذات الطريقة التى ننتقدها فى أطراف مصرية معادية لحماس أيضًا. لم يكن نظام مبارك أكثر مودة مع حماس، ولم يكن رد فعله من الأزمات فى غزة مختلفا عن أداء الدولة المصرية حاليا، المعبر ذاته كان مغلقا، والتعاطف مع الحركة، مثلا فى حرب «جلعاد شاليط» التى بادرت حماس لإشعالها، كان فى أدنى مستوياته، ومع ذلك قبلت الحركة المبادرة المصرية وقتها للتهدئة، وجاءت وفودها إلى القاهرة والتقت مدير المخابرات الراحل عمر سليمان وتحملت «شماتته» حسب قيادى حمساوى كنت التقيته صيف 2011 فى مناسبة صحفية، وقال لى إن سليمان كان يقول لهم «كلتوا العلقة، وموّتوا ألف وخمسميت بنى آدم قصاد الواد شاليط»، لكن كل ذلك لم يمنع الحركة من قبول شروط التهدئة المصرية. هل مصر فى زمن مبارك كانت تختلف عن مصر فى عهد السيسى؟ فى العقل الإخوانى هناك فارق رهيب بين الحقبتين، فنظام مبارك لم يقصِ الجماعة من السلطة بعد تذوقها وعيش آمال البقاء فيها، ونظام مبارك وإن بدا معاديًا للجماعة، إلا أنه كان يترك لها مساحة كبيرة للحركة فى الشارع والبرلمان والنقابات والجامعات، ويترك لها بعض مجالات للاحتجاج والتظاهر، وأحيانًا كان يشاركها ذلك (تذكر مظاهرة إخوانية مناهضة لغزو العراق فى استاد القاهرة برعاية صفوت الشريف)، لكن نظام السيسى يُغلق كل المنافذ أمام الإخوان، قالها قاطعة قبل انتخابه: «لا إخوان فى عهدى»، ويمارس ذلك على الأرض رئيسًا. الحسابات الحمساوية من الدولة المصرية هى حسابات إخوانية تنظيمية، فى إطار البكاء على السلطة الضائعة فى مصر، وليست حسابات مرتبطة بقضية غزة وحدها، بخصوصيتها وحساباتها ومصالحها. ليس من مصلحة «غزة» أن تخسر مصر أو تعاديها، حتى لو كانت ترى أن دورها فى الأزمة أقل من المأمول منها، كان أداء مصر مماثلا فى زمن مبارك، لكن شعرة معاوية كانت باقية، وعمر سليمان كان صاحب كلمة مسموعة ومرحب بها لدى الحركة التى جلست فى مقرات المخابرات المصرية، أكثر مما جلست فى فنادق الدوحة. لكن حسابات مصلحة غزة وأهلها ليست حاضرة الآن فى ما يخص العلاقة مع مصر فى سياسة حماس، لأن حسابات التنظيم أقوى وأهم، والعقل الإخوانى داخل الحركة يتصرف بوصفها فرعا من التنظيم. وأعداء الجماعة الأم أعداؤها. فتِّش عن العقل الإخوانى فى غزة.. الذى أفسد كل شىء فى مصر وفى غزة.