سؤال يلاحقنى أينما وليت وجهى، هل هذه هى مصر التى نشاهدها فى المسلسلات؟ وهل هذا يليق بشهر رمضان؟ بالتأكيد صُدم قطاع وافر من المشاهدين من كثرة مشاهد تعاطى المخدرات والرقص والكلمات المتجاوزة، وهو ما يدفع البعض لا شعوريا إلى مطالبة الدولة بالتدخل، والكل ينتظر المهندس إبرهيم محلب وهو يلقى البيان الأول للمصادرة وسط تصفيق وتهليل وزغاريد من الجماهير وهى تردد «ينصر دينك يا باش مهندس». أدرك أن ما يدفع الغاضبون ضد ما تبثه الفضائيات هو مشاعر نبيلة، ولكن على الجانب الآخر فإن هناك مَن يسعى لكى يمنح الدولة ضوءًا أخضر للتدخل السافر، سلطة المنع هذه المرة سوف تُشهر سلاحا يرتدى زيًّا أخلاقيا ودينيا وشرعيا، إلا أن الوجه الآخر للصورة أنه يرسخ لعودة السلطة الأبوية مرة أخرى بعد أن صارت من مخلفات العهود والأحقاب السابقة. نعيش زمن «الريموت كنترول» الذى يعنى مزيدًا من حرية الفرد فى الاختيار، بديلا عن قوة وسطوة الدولة فى الانتقاء، ويبقى فى المعادلة ما يجب وضعه فى الاعتبار هو التصنيف العمرى لمن هم فوق 18، إنه التحدى الذى شاهدناه العام الماضى فى مسلسل «موجة حارة» وحقق خطوة هامة فى مجال الدراما، فهو يعنى تعاقدًا بين صُناع العمل الفنى والجمهور وكلٌّ يتحمل مسؤوليته، بالطبع كان المخرج محمد ياسين مدركًا أن حريته فى تقديم مشاهد التعاطى والتعذيب والجنس بخاصة، وأن العمل فى جزء كبير منه يجرى فى بيت دعارة، هذه الحرية تفرض عليه أن يكتب تحذيرًا لمشاهديه. البعض يعتقد أن المجتمع وما نشاهده من انحراف سببه الدراما، وكأننا لو قدمنا دراما معقمة فاضلة ترى البشر فيها ملائكة يحلقون بأجنحة على الأرض سوف ينصلح حال البلد، كثيرًا ما نكرر تلك المقولة إن مسرحية «مدرسة المشاغبين» التى عرضت قبل أربعين عاما هى التى أدت إلى انحراف منظومة التعليم فى مصر، رغم أن سيدنى بواتييه لعب بطولة فيلم «إلى أستاذى مع حبى» قبلها بعشر سنوات، ولم يشهد التعليم فى أمريكا تدهورًا. سياسة الدولة هى المسؤولة عن تردى التعليم، وليس عادل وسعيد ويونس. الرأى العام محتقن وينتظر قرارًا من السلطة، والمؤكد ستسعد به الأغلبية مثلما حدث قبل بضعة أشهر مع «حلاوة روح»، وما أراه الآن أن أكثر من منظمة ومجالس قومية تستعد لإصدار بيانات شجب، كما أن المؤسسة الدينية، سواء الأزهر أو الكنيسة على أتم استعداد للمشاركة ببيانات مباركة، لنعود مرة أخرى إلى المربع رقم واحد، العالم مفتوح فضائيا، بينما الدولة فى مساحة ضيقة جدا تسيطر عليها تعتقد أنها تسيطر على الحياة. كان المجلس القومى للمرأة الذى ترأسه السفيرة د.ميرفت التلاوى قد شكل لجنة للرصد لا للرقابة، وشرفت بعضويتها مع نخبة من النقاد والكتاب والمخرجين اجتمعت اللجنة مرتين قبل رمضان وقبل يومين عقدنا لقاء ثالثا، وبالطبع تباين وجهات النظر يظل ظاهرة صحية، وقسطا لا بأس به من المشاركين يدركون خطورة تحفيز الدولة على المصادرة، هناك اتفاق على ضرورة عودة إنتاج الدولة، وهى بالتأكيد دعوة هامة وضرورية مع الأخذ فى الاعتبار أنها ليست تميمة النجاح الوحيدة المضمونة، إنتاج الدولة من الممكن أن يلتزم مثلا بتقديم قضايا وأفكار يريدها النظام، ولكن هناك تخوفا من حالة المباشرة التى تنتاب صُناع تلك الأعمال وأن يسيطر أصحاب المصالح على مقدرات «ماسبيرو» فهم تعودوا اختراق الدولة، وهم يعرفون مفاتيحها ويصلون فى لحظات إلى صانع القرار، إهدار المال العام أحد مظاهر إنتاج الدولة والمصالح الصغيرة كثيرًا ما تصبح لها الكلمة العليا. النجوم والكتاب والمخرجون غير المطلوبين فى القطاع الخاص، لأنهم لم يتطوروا صاروا يشكلون القوة الضاربة فقدموا أعمالا عانت من التسويق ومُنيت الدولة بخسارة أدبية ومادية فادحة وفاضحة. هناك تجاوزات كلنا نراها على الشاشة إلا أن الحل ليس هو محلب!!