حلمى شعراوى.. اسم لا بد أن يعرفه كل من له علاقة أو اهتمام بالقارة السمراء، فهو واحد من قلائل يملكون معرفة تفصيلية وموسوعية عن الشأن الإفريقى من جميع جوانبه، وهو مؤسس مركز البحوث العربية والإفريقية، وشغل منصب أستاذ العلوم السياسية بجامعة جوبابجنوب السودان، كما عمل خبيرا بالعلاقات العربية الإفريقية بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتونس. «التحرير» حاورت الدكتور شعراوى، مدير مركز البحوث العربية والإفريقية، فى محاولة لاستكشاف تاريخ علاقة مصر بالقارة السمراء الأم، فى محاولة لالتماس السبيل إلى مستقبل لا يعكره خلاف، أو تشوبه ضغينة. حدثنا عن المراحل المختلفة فى علاقة مصر مع دول إفريقيا؟ - تعتبر المرحلة الناصرية هى موجة التحرر الوطنى على المستوى العربى والإفريقى والدولى، حيث شهدت تحررا وعدم انحياز فى مرحلتها الأولى، لكن فى مرحلة ثانية سادت المسائل الاقتصادية، وبعدما أسسنا نسبيّا للتحرر السياسى والعلاقات السياسية، ومهدنا لخطوات اقتصادية، وسعينا للنمو الصناعى والزراعى، إلا أن مرحلة البترودولار جاءت وأصبحت مرحلة حساسة وخطيرة تحتاج إلى أموال كثيرة، وكانت فى يد الدول العربية، ومضت إلى حد كبير فى مواجهة إسرائيل وقطع العلاقات معها، لكنها لم تنجح فى إقامة مؤسسات قوية للتعاون العربى الإفريقى، قادرة على مواجهة تقلبات الزمن، ومن هنا لم نكسب كثيرا. ثم انتقلنا إلى المعالجات المختلفة وعصر العولمة، وفيها ضعف الدور العام لدول عدم الانحياز بشكل عام، إلا أن مصر مبارك كانت أسوأ الأدوار، وانعزلت مصر تماما عن لعب دورها التاريخى فى دول العالم الثالث، وفى إفريقيا بوجه خاص، انعزلنا بشكل كامل على أكثر من صعيد، وغرقنا فى مشكلات كبرى، كسقوط الصومال العربية، وانقسام السودان الإفريقية إلى شمال وجنوب، وأزمات دارفور، واتجاه القذافى إلى المضى وحده فى طريق لا يحتاج فيه إلى تعاون مع مصر، كما اتجه المغرب العربى إلى الانعزال مثلنا. سقطت الخريطة منا، وظهرت قوى جديدة، واستفادت إسرائيل من «كامب ديفيد» للعودة وحدها فى إفريقيا. كانت المشكلات كبيرة بالنسبة إلى مصر، إذ كان إطارها السياسى ينهار بأكمله، وفى إطار هذا الفراغ الذى عاشته مصر على مدار ثلاثة عقود، وبعد تركة السادات من قرارات عززت الانفتاح، واتجاه الرأسمال المصرى إلى أوروبا، بدأت عزلة مصر التى بدأت فى عصر السادات، وتفاقمت فى عهد مبارك، ويؤسفنى القول إننا لم نستفد من حرب أكتوبر عام 1973، فقد كان الانتصار الباهر على إسرائيل حريّا بإحياء أنفسنا من جديد، لكن للأسف جاءت معاهدة كامب ديفيد فى أواخر السبعينيات لتقضى على مكتسبات حرب 1973، فاتجهت مصر شمالا فقط تاركة خلفها الأفق الجنوبى دون نشاط وحيوية حقيقيين، وكانت هذه بذرة أزمة مصر. وفى بدايات عهد مبارك، قام الدكتور بطرس غالى بمحاولة بناء علاقات ودية، وقام بمحاولات دبلوماسية عدة، لكن فى النهاية ظهرت أجواء تمهد لتحسين العلاقة، ثم انهار هذا الجهد حتى سنوات تولى عمرو موسى حقيبة الخارجية، ورغم أضواء الشهرة الدبلوماسية التى حصل عليها لم يقم فى إفريقيا أى علاقات، وكانت شهرته تلك إبان انهيار الصومال، ثم أزمة السودان، ولا أعلم سبب هذه الشهرة! فخلال السنوات العشر التى شغل فيها منصب وزير الخارجية، لم يتقدم العمل السياسى فى العالم الثالث نهائيا، وكانت جهوده متركزة على التعاون مع أوروبا وأمريكا والحلف الاستراتيجى. ■ كيف نفتح الباب من جديد فى علاقاتنا مع دول إفريقيا؟ - مصر لها مواقع بدأت بها قديما، ومشكلة حوض النيل والتعامل معه كمجموعة إقليمية أمر ضرورى، لأن كل مجموعة فى إفريقيا تكون قوية فى ذاتها وقيادتها، والمجموعة الإقليمية فى الجنوب الإفريقى تتكون من جنوب إفريقيا، وفى غرب إفريقيا توجد نيجيريا، وفى شرق إفريقيا توجد كينيا وتنزانيا، وحوض النيل يضم الأشقاء الأفارقة، لكن العلاقة الأزلية بين مصر والسودان لم يعد لها أثر، وأخلاقيات الأخوة مع السودان لم تعد حاضرة، سواء فى موضوع سد النهضة أو التشاور مع الجنوب، وقلب حوض النيل هو مصر والسودان، لكن الموقف ليس سهلا أو تعاونيا رغم كوننا فى الهيئة العليا لمياه النيل المشتركة، والمجالس الوزارية المشتركة، ومع ذلك ليس هناك منتج كبير. ■ ما التعامل الأمثل مع الدول الإفريقية؟ - أى نظام أو حكومة جديدة لا بد أن تقرأ الخريطة السياسية لإفريقيا بشكل جيد، لأن فى كل منطقة أصبحت هناك مشكلات جديدة، ليست مقصورة على ضعف الحكم فى الصومال، بل إن هناك كارثة الإرهاب كصفة مشتركة فى معظم مناطق الشرق الإفريقى، بداية من الصومال وحتى كينيا، وفى الجنوب الإفريقى وغرب إفريقيا. الإرهاب قائم فى دول القارة، وفى الفترة الماضية ظنت بعض الدول أن بإمكانها عزل مصر، والسيطرة على إفريقيا، ولن أذكر أسماء، لكن كل تلك الدول أصبحت بحاجة إلى التعاون مع مصر، وهذا أول سبب فى ترحيبهم بعودتها إلى الاتحاد الإفريقى، ولا نعلم سر فرحة المصريين الساذجة بعودة مصر إلى الاتحاد الإفريقى، ويجب أن نتوقف عن هذه السذاجة، لأن الاتحاد الإفريقى هو من يحتاج إلى التنسيق مع مصر فى هذه المناطق الحساسة، إضافة إلى أن الدول العنيدة التى كانت ضدنا أصبحت الآن فى موقف ضعيف، مثل نيجيرياوجنوب إفريقيا وإثيوبيا، وهناك نقطة ثالثة تتعلق بميزانية الاتحاد الإفريقى التى تنهار بسبب غياب ليبيا ومصر، لأن نسبة الدولتين 40% من الميزانية. إنهم يريدون منقذا لميزانية الاتحاد، وعودتنا مرتبطة بحاجتهم إلى مصر. وما يجب أن أحذر منه هو محاولات الغرب لجر مصر لتلعب دور الشرطى، سواء فى العالم العربى أو إفريقيا، وليست صدفة أن يقدم الأمريكان طائرات «الأباتشى» لمصر، هذا أمر جيد إذا كان هدفه مواجهة الإرهاب، لكن الأزمة فى الدور الخارجى، وهناك فرق بين محاولة استعادة اسم مصر بين دول الجنوب وعدم الانحياز، وبين التحرك إزاء قوى كبرى مثل الروس والصين وأمريكا، والمشاركة كطرف قوى، ونحن نستطيع أن نكون أكبر اسم فى العالم خلال عامين، لكن إذا تم استعمالنا للدخول فى معارك بدلا من الأمريكان فى العراق، أو أن نذهب إلى الصحراء فى مالى ونيجيرياوالصومال، فهذا خطر كبير على سمعتنا ودورنا. ■ كيف نعالج مشكلة سد النهضة؟ - إثيوبيا حريصة على كبريائها السياسى، فهى تملك مصلحة تنموية خاصة فى إقامة سد كبير، لكن خطورة السد ليست فى حصة مصر من المياه، بل إنه سينتج كهرباء يقف وراءها البنك الدولى، حتى تصبح إثيوبيا مصدر توليد الكهرباء الأول فى إفريقيا، ورغم أن مصر تتطلع إلى هذا الأمر دائما، لكن يجب أن يكون بالتعاون مع إثيوبيا أو الكونغو أو السودان، خصوصا أن مصر منافس على مستوى أكبر من تأثير السد علينا فى بضعة مليارات مكعبة من المياه. نحن بحاجة إلى مشروعات تنمية مشتركة ومتكاملة فى دول حوض النيل، ومصر ذات علاقات وثيقة بأغنى دول عربية بترولية، ولا بد من استثمار المال العربى فى مساندة الخطط التنموية الكبيرة فى الكهرباء والمياه والزراعة.. ولا يصعب على إثيوبيا إدراك أننا قادرون بنفوذنا الدولى التأثير على شكل علاقتها بالعالم، كما نستطيع جلب استثمارات لصالحها ولصالحنا معا، وبالتالى مشروع السد يجب أن يكون وسيلة للتفاهم والاقتراب لأعمال تنموية كبيرة على مستوى حوض النيل أولا، والمستوى الإفريقى ثانيا، لأن من الممكن الوصول إلى منطقة حوض الكونغو بشكل آخر، أو نصل إلى منطقة نيجيريا وكتلتها مع النيجر الاقتصادية، كما يمكننا التقارب مع جنوب إفريقيا المتقدمة جدا، نحن نملك فرصا للانفتاح على القارة الإفريقية بخطط متعددة الجوانب. ■ ما الأدوات المصرية للوصول إلى هذا الهدف؟ - نحن نملك تراثا من المعرفة بإفريقيا، وتراثا من العلاقات الاقتصادية التى لم تتأثر بمعرفتنا بمجالات التجارة والاستثمار، ويوجد فى إفريقيا الآن استثمارات مصرية تقدر بنحو 3 مليارات دولار، ولا بد أن تحترم الرأسمالية المصرية نفسها وتقوم بدورها، بعدما ضيعت مصر بالاتجاه للعب دور العميل مع الأوروبيين والرأسمال الغربى، عليها الآن الالتزام بمصالح مصر. أما الدور الثانى فهو الدور الثقافى، حيث نقوم أحيانا باختلاق «هوجة» اقتراب، أو «هوجة» ابتعاد، وما يحدث فى هذا الشأن يوصف بغوغائية طرق اقترابنا من إفريقيا. كما أننا نملك تفكيرا سلبيا لا حدود له عن صورة الإفريقى فى الأفلام والمسلسلات والكوميديا، انظر إلى جميع البرامج الكوميدية والمسارح أحيانا لتجدها تعرض الأفارقة بشكل مسىء وغير موضوعى، لا بد أن تتوقف كل هذه الأمور، وليست المجاملة هى الدافع، بل لأننا أيضا أفارقة، ولا بد أن يتعامل المصريون على هذا الأساس، وبالنسبة إلى مؤسسة الأزهر فنحن نرى أن تأثيرها دينى وروحانى ونحترمه، لكن الثقافة الحديثة أيضا مهمة، وإفريقيا تعيش الآن موجة من الحداثة فى المسرح والموسيقى والإنتاج والزراعة، وفى مجالات كثيرة أخرى، ويملك الأفارقة إمكانيات هائلة.