أبو شقة: لدينا قوانين سقيمة لا تناسب ما يؤسس له الرئيس السيسي من دولة حديثة    أمانة العمل الأهلي بالمنوفية تعقد إجتماعاً تنظيمياً لمناقشة خطة عملها    محافظ سوهاج: لا يوجد شخص مهما بلغ مستواه الوظيفي بعيد عن المساءلة ومن أمن العقاب أساء العمل    عقد ب800 مليون دولار أول ثمار سوريا منذ سقوط الأسد.. ما علاقة الإمارات؟    وزير الخارجية: الاجتماع التحضيري للقمة العربية اتفق على مشروع قرار إعادة إعمار غزة    بيت لاهيا تحت القصف وحشد عسكري إسرائيلي .. ماذا يحدث في شمال غزة الآن؟    ترامب يلمح إلى قرب إبرام اتفاق مع إيران    توقفوا فورا.. طلب عاجل من السعودية إلى إسرائيل (تفاصيل)    لاعب الأهلي يحتفل بخطوبته (شاهد)    4 مواجهات نارية في صراع الهبوط من الدوري .. ثنائي شعبي ينتفض    أول قرار من دفاع نجل الفنان محمد رمضان بعد الحكم بإيداعه في دار رعاية    جداول امتحانات الترم الثاني 2025 في بورسعيد لجميع الصفوف    صاحبة "الغزالة رايقة"، منة عدلي القيعي تحتفل بعقد قرانها على الفنان يوسف حشيش (صور)    د. محروس بريك يكتب: منازل الصبر    اليوم.. الأوقاف تفتتح 11 مسجدًا جديداً بالمحافظات    خروج أخر مستشفى لعلاج السرطان في غزة عن الخدمة    خسارة مصر وتتويج برشلونة باللقب.. نتائج مباريات أمس الخميس    الدوري الإسباني.. أوساسونا يهزم أتلتيكو مدريد بثنائية    هل الصلاة على النبي تحقق المعجزات..دار الإفتاء توضح    نشرة التوك شو| حجم خسائر قناة السويس خلال عام ونصف وتحذير من موجة شديدة الحرارة    أسوان ضيفًا على طنطا في الجولة ال 36 بدوري المحترفين    ترامب يلمح إلى قرب إبرام اتفاق مع إيران ويعيد نشر فيديو لشخصية مقربة من خامنئي    مسابقة معلمين بالحصة 2025.. قرار جديد من وزير التربية والتعليم وإعلان الموعد رسميًا    طقس المحافظات.. الأرصاد تطلق تحذيرا من بلوغ درجات الحرارة ذروتها «السبت»    بحضور وزير العمل الليبي.. تفعيل مذكرة التفاهم بين مجمع عمال مصر ووزارة العمل الليبية    القوى العاملة بالنواب: علاوة العاملين بالقطاع الخاص لن تقل عن 3% من الأجر التأميني    وكيل أول الشيوخ: مشروع قانون الإيجار القديم لن يخرج إلا في هذه الحالة    لاعب جنوب إفريقيا السابق: صن داونز سيفوز بسهولة على بيراميدز في نهائي دوري الأبطال    طريقة عمل الأرز باللبن، حلوى لذيذة قدميها في الطقس الحار    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 16 مايو 2025    هل يمكن للذكاء الاصطناعي إلغاء دور الأب والأم والمدرسة؟    مصرع صغير وإصابة 21 آخرين في انقلاب سيارة عمالة زراعية في البحيرة    كمين شرطة مزيف.. السجن 10 سنوات ل 13 متهمًا سرقوا 790 هاتف محمول بالإكراه في الإسكندرية    دون وقوع إصابات.. السيطرة على حريق شب فى زراعات الهيش بمدينة إدفو    دون إصابات.. سقوط سيارة في ترعة بالغربية    البنك المركزي يطرح أذون خزانة محلية بقيمة 75 مليار جنيه الأحد المقبل    25 صورة من عقد قران منة عدلي القيعي ويوسف حشيش    رامي جمال يعلن عن موعد طرح ألبومه الجديد ويطلب مساعدة الجمهور في اختيار اسمه    الكاتب صنع الله إبراهيم (سلامتك).. الوسط الثقافي ينتفض من أجل مؤلف «ذات».. بين الأدب وغرفة العمليات.. «صنع الله» يحظى باهتمام رئاسي ورعاية طبية    صفقات بمئات المليارات وتحولات سياسية مفاجئة.. حصاد زيارة ترامب إلى دول الخليج    الحوثيون يعلنون حظر الملاحة الجوية على مطار اللد-بن جوريون    "بعد الهزيمة من المغرب".. موعد مباراة منتخب مصر للشباب المقبلة في أمم أفريقيا    بيان مهم من العمل بشأن فرص عمل الإمارات.. تفاصيل    النائب إيهاب منصور يطالب بوقف إخلاء المؤسسات الثقافية وتحويلها لأغراض أخرى    لقب الدوري السعودي يزين المسيرة الأسطورية لكريم بنزيما    لتوفير سلع غذائية بأسعار تنافسية.. محافظ الشرقية يفتتح مولًا تجاريًا في العصلوجي    إعلان أسماء الفائزين بجوائز معرض الدوحة الدولي للكتاب.. اعرفهم    بعد زيارة ترامب له.. ماذا تعرف عن جامع الشيخ زايد في الإمارات؟    دعمًا للمبادرة الرئاسية.. «حماة الوطن» بالمنيا يشارك في حملة التبرع بالدم| صور    حيازة أسلحة بيضاء.. حبس متهم باليلطجة في باب الشعرية    أخبار × 24 ساعة.. الحكومة: جهود متواصلة لتأمين المخزون الاستراتيجى للقمح    بسنت شوقي: نجاح دوري في «وتقابل حبيب» فرق معي جماهيريًا وفنيًا    أمين الفتوى: التجرؤ على إصدار الفتوى بغير علم كبيرة من الكبائر    البحيرة: الكشف على 637 مواطنا من مرضى العيون وتوفير 275 نظارة طبية بقرية واقد بكوم حمادة    استعدادا للامتحانات، أطعمة ومشروبات تساعد الطلاب على التركيز    طريقة عمل القرع العسلي، تحلية لذيذة ومن صنع يديك    "الصحة" تفتح تحقيقا عاجلا في واقعة سيارة الإسعاف    "الأوقاف" تعلن موضع خطبة الجمعة غدا.. تعرف عليها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة مياه النيل.. ليست مباراة كرة
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 04 - 2010

أثار بعض ما قرأته من تصريحات شبه رسمية أحيانا وما قرأته من تعليقات أو مقابلات صحفية، شعورا لدى بأن موضوعا استراتيجيا مثل أزمة الاتفاق حول مياه النيل، قد يجرى التعامل معها بمنطق مذبحة الكرة الشهيرة أو حتى حول قمم الدورى.. إلخ. بدءا من الحديث حول أن مياه النيل «خط أحمر»، أو «حياه أو موت» أو أنها تستدعى التفكير فى استخدام «الردع العسكرى» للدفاع عن حصة مصر من مياه النيل، ضد التدخل الإسرائيلى قبل غيره.
وأنا أكتب هنا فى الحقيقة تعقيبا على موجة الاستنكارات والهجوم على موقف دول حوض النيل بمنطق «مواجهات» الكرة المشار إليها والتى أودت أو كادت تودى بعلاقات عربية مهمة وبتقييم انفعالى ظاهر، لكن المسألة هذه المرة لا تتعلق بمجرد المدح والقدح ولكنها انتقلت مباشرة لضرورات الردع العسكرى!
نحن فى موضوع مياه النيل أمام مسائل تاريخية وأخرى فنية وعلمية وثالثة تنموية وسياسية، ورابعة تتعلق بالممولين والمتدخلين..! ويجب أن توضع جميعا كما أجبرتنا الظروف فى سلة واحدة كلما أمكن للدبلوماسية ذلك. ولا مجال فى كل الأحوال لاندفاعات غير مسئولة تطيح بالباقى من علاقاتنا التى لم نحرص على إدارتها على مدى عدة عقود..
فعلى الجانب التاريخى: وقعت اتفاقيات مهمة أعوام 29 1959 على الأقل وترى معظم دول الحوض أنها غير مسئولة عنها، بينما نضعها نحن على مستوى قضايا الحدود التى قررت منظمة الوحدة الأفريقية منذ 1964 أنها أبدية مثل اتفاقيات الاستقلال، إضافة لذلك فإن اتفاقيات المياه تتعلق أيضا بحقوق الإنسان المقرة فى الوثائق الدولية وجديرة بنفس الاعتبار. وللأستاذة القاضية الجليلة «تهانى الجبالى» آراء قيمة فى هذا الصدد فى أكثر من ندوة محترمة.
وعلى الجانب الفنى والعلمى، هناك الكثير عند علماء المنطقة جميعا حول وفرة المياه على مستوى مساحة الحوض، وحول ضرورة تفريقنا بين سدود لتوليد الكهرباء أو تنظيم الفيضانات أو تنسيق انحدارها.. إلخ وبين سدود «حجز المياه» بغرض التنمية الخاصة، ولا أعرف ذلك النوع الذى يتحدث عنه البعض وكأنها مشروعات للمكايدة المدفوعة!
ولكنى أعرف إشارات الكثيرين من العلماء حول المليارات التى تتطلبها مثل تلك المشروعات الحاجزة للماء وهى لا تتوافر حتى الآن بأى حال فى المواقع أو فى الخزائن الدولية المثيرة لنا. والأمر كله يتطلب الاستماع جيدا لذوى القول فى هذا الشأن.
أما ما يتعلق بالمسائل التنموية والسياسية، فالأمر يرتبط بمدى إنجاز مشروعات التنمية المطروحة أمام جهاز مبادرة حوض النيل، أو ما يمكن دفعه بين مشاركين جادين كان يجب العمل معهم دائما لنملك أوراقا فى الجدل معهم. وتساؤلنا هنا عن مدى تعاون فنى ومالى من العيار الثقيل مع دول الحوض ومشروعاتها إلى جانب توافر رءوس الأموال المصرية والعربية التى تلهث فى كل اتجاه للكسب السريع خارج دائرة المصالح الحقيقية دون أن يخطر على بال أحد مشروعات التنمية الضرورية والتكاملية على طول النهر العظيم. وترك الأمر لتصميم رجال البنك الدولى على صياغة «المبادرة» ومسارها منذ 1998 فى حدود مشروعات استثمارية كبرى للدول الأوروبية والشركات الأمريكية متعددة الجنسية.
وهى ما قد تتسلل عبرها إسرائيل. بل وطرح البنك الدولى نفسه مسألة تسعير المياه دون أن ننتبه لمناوراته فى الحوض، بينما كان يجب طرح «إطار المبادرة» نفسه مبكرا كإطار لمشروع المفوضية والمنظمة الإقليمية التنموية والسياسية على نحو ما تم فى غرب وجنوب وشرق أفريقيا أمام أعيننا طوال التسعينيات دون أن يقلقنا على حالنا مع مجموعة الدول النيلية، على الرغم من حيوية قضايانا معها، مكتفين بحدود «مبادرة البنك الدولى».
ولابد للمنفعلين بأمر «الموقف الأفريقى» ونحن كلنا بالمناسبة أفارقة أن يسألوا المسئولين المصريين عن مصير وزن مصر فى أى تنظيم إقليمى بالقارة فى عصر التنظيمات الإقليمية، حيث لا أجد فشلا يضارع وهن مشاركتنا مع بلدان الشمال الأفريقى كله فى التنظيم الإقليمى بالقارة، مع الاعتذار للمباريات الإعلامية هنا وهنالك، أو هرج الزيارات الدبلوماسية، والعمل «التجارى» الطارئ أو محدود القيمة.
نحن إذن أمام معضلة تمويل البنك الدولى المحتملة لمشروعات تنمية منفصلة رغم «إشاراته» أنه سيلتزم برؤى مختلف دول الحوض، وقد شرع بالفعل بمشروعات بنية تحتية فى أثيوبيا وأوغندا تبلغ أكثر من عشرة مليارات دولار!
إن موقفنا مع البنك الدولى وتصميمه على شكل العمل الاستثمارى فى الحوض لصالح رأس المال العالمى قد يصل إلى حد توتر موقفنا معه أو بالأحرى معركتنا معه عند بناء السد العالى، وهى تقترب من ذلك بالفعل، مع وقوع التطورات الأخيرة، ومن قبل ذلك خلال إدارته العامة التى كاد ولفوفتز الصهيونى أن يبقى على رأسها لولا فضائحه! ذلك أن البنك يعتبر هو المنفذ الفعلى لإسرائيل وتأثير اللوبى الصهيونى وليس دبلوماسية أو نفوذ إسرائيل المباشر داخل دول الحوض على النحو الذى نقيم الدنيا حوله ولا نقعدها!
وأنا لا أعرف مشروعا كبيرا لها فى أية بقعة بالقارة. غير تجارتها التى تتجاوز المليارات أما عن الحضور الصينى المتسارع والذى بدأ ينافس الغرب كله تقريبا فى أثيوبيا، ناهيك عنه فى تنزانيا وبقية دول الحوض فإنه جدير بدراسات جديدة وأساليب مواجهة وضغط جديد أيضا.
كنت أتمنى أن تسمح المساحة بمساءلة أوسع للمسئول المصرى نفسه عن القضايا الأفريقية، والتى جعلت دول الحوض وأعضاء مبادرة حوض النيل يستهينون الآن تحديدا بوزن مصر فى عملية تنمية الأدوار فى حوض النيل، بدءا من عدم تطوير العلاقة تنظيميا مع دول الحوض لخلق تنظيم إقليمى، إلى تجاهل أوراق الضغط المصرية والعربية عبر ما جرى فى الصومال وإريتريا والكونغو مثلا، أو حجم مشروعاتها فى أوغندا ورأسمالها فى التبادل التجارى والسياحى...إلخ. والأمر لا يحتاج لإعادة ما يذكر كثيرا عن الغياب أو الحضور فى دارفور أو محادثات حل قضية جنوب السودان حتى أصبحت دارفور هى المقتل القادم فى السودان، فضلا عن إضافة الجنوب كدولة حادية عشرة فى حوض النيل إذا تم الانفصال.
وفى تقديرى أن المسائل الأفريقية لا تعالج منعزلة عن بعضها، لأن معالجة قضية وزن مصر فى حوض النيل لا يمكن فصلها عن وجودها العام فى الاتحاد الأفريقى ولا عن التساؤل عن علاقة مصر التاريخية مع بلدان وشعوب نيجيريا وجنوب أفريقيا وأنجولا والسنغال وكلها أصبحت ذات أوزان ثقيلة كقوى إقليمية أو بوصفها فى التنظيم الإقليمى المسمى الاتحاد الأفريقى القائم فى أديس أبابا، بما كان يكفى فى التفاوضات الجماعية المبدئية لإقرار مبادئ جديدة مثل قدسية الحدود... إلخ.
بمثل هذه التساؤلات نخشى على وضع مصر على نحو ما نأمل. ونخشى أن تدفع المهاترات الإعلامية الأخيرة الموقف الأفريقى إلى مزيد من المكايدة التى تستفيد منها فقط إسرائيل بثقلها الإعلامى وموالاة دول الغرب لها ومن ثم تتحول أزمة استراتيجية للمياه إلى أجواء السفه الكروى المعروف.
ومن يريدون رؤية مخاطر إسرائيل نفسها عليه أن يراجع هيمنتها واعتمادها على مياه فلسطينية وأمان مصرى نحوها، ومعاهدات الغاز والجاز واتفاقيات التجارة والزراعة مع مصر وأكثر من دولة عربية صغيرة وكبيرة. ثم نترك ذلك لنساعدها إعلاميا أيضا على ترويع الرأى العام المصرى.
وليس هناك مشروع حقيقى إلا النفوذ فى دوائر مثل البنك الدولى لأننا لا نرغب فى الاحتكاك بالبنك أو محاورته محاورة جادة مسئولة مثلما نجادل قوى التدخل الأخرى فى دول الحوض ومشروعاتها لمراجعة المصالح التى تقدمها أسواقنا وأموالنا العربية.
أما قضية البدائل فى حال التضييق على نصيبنا (التاريخى) من مياه النيل فقد تحدث عنها الكثيرون، ويشير الإعلام «الأفريقى» نفسه إلى سوء تعاملنا مع «نصيبنا المحدود» من المياه أو الاعتماد على التبادل التجارى الذى يضيع أثره مع أى مشكل، كما يشير الكثيرون من علمائنا لعدم حسم قضايا المياه الجوفية، وقد يتبارى رشدى سعيد وفاروق الباز فى هذا الصدد ويدخل فى الحوار حاليا تنبؤات «ناسا» الأمريكية وعالمها المصرى الشاب عصام حجى فى نفس الخط.
أما حديث الطاقة النووية ودورها فى تحلية مياه البحر كنسبة فى البديل لنقص مياه النيل، فإننى اقترح على قادة الرأى العام المنفعلين أن يقرأوا عن جهود الفرنسيين والإسرائيليين لاحتكار هذا الفن فى حوض البحر الأبيض المتوسط من مشرقه لمغربه «بالمعنى الحرفى» وآمل ألا تكون المشروعات السياسية أو الأموال العربية فى خدمة هذه المشروعات، التى تجرب ويدفع ثمنها فى الخليج بينما هيئة الطاقة النووية المصرية تطرح مقترحاتها فى هذا المجال على المسئولين منذ سنوات دون مجيب (مقالات منير مجاهد وكتاب من تحرير محمد نصرالدين علام 2001 عن المياه والأراضى الزراعية) إن مبادرة حوض النيل سوف ينتهى عمرها عام 2012 لنبدأ النضال حول مفوضية حوض النيل ومشروع «التنظيم الإقليمى لدول حوض النيل» متأخرين لعقدين على الأقل ولأن المشروع ليس حول كأس كروية فإنه يستحق بتأمل وعقل بارد أن يسمى «مسألة مصيرية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.