نظرا لأن المخطط واحد، فالمعركة أيضا واحدة، سواء كانت فى مصر أو سوريا أو ليبيا أو أى دولة عربية، كان المخطط هو تمكين الإخوان من الحكم فى عدد من الدول العربية بدعم أمريكى للتأسيس لوكيل إقليمى جديد قادر على حماية المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط، وفى مقدمتها الكيان الصهيونى كى يكون فى استطاعة الولاياتالمتحدة التفرغ لمواجهة التحديات المتصاعدة ضد مصالحها الاستراتيجية فى إقليمى جنوب وجنوب شرق آسيا. كان هناك إدراك أمريكى مزدوج بأن نظم الحكم فى معظم الدول العربية الحليفة باتت منهكة وافتقدت مقومات مكانتها وشرعيتها، ولن يكون فى مقدورها تحمل أعباء المسؤوليات الجديدة، ولا بد من إحلال قوى أكثر شعبية وأكثر فعالية مكانها، وبأن نظم الحكم المناوئة التى كان قد سبق تصنيفها ضمن ما عرف ب«محور الشر» يجب العمل على إسقاطها هى الأخرى وإحلال قوى وطنية حليفة مكانها. لكن إضافة إلى هذين الإدراكين كان هناك إدراك ثالث لا يقل أهمية هو أن تيار «الإسلام المدنى الديمقراطى»، وبالذات جماعة الإخوان المسلمين، هى الأكفأ للإحلال محل القوى الحليفة الضعيفة والقوى المناوئة غير المرغوب فيها. كانت هذه هى البداية، أما ما حدث بعد ذلك فقد أضحى معلوما للكثيرين بعد أن وقع الاختيار الأمريكى على الإخوان، وبدأت الاتصالات معهم ابتداء من عام 2005، لكنها تكثفت فى عام 2009 مع تركيز الرئيس الأمريكى باراك أوباما على ضرورة إجراء التغيير فى الشرق الأوسط، حيث جاءت موجة الثورات العربية لتدفع بالتحالف «الإخوانى - الأمريكى» خطوات مهمة، استطاع فيها الأمريكيون القيام بأدوار بارزة لتمكين الإخوان من الحكم بعد سقوط عديد من النظم الحليفة لواشنطن، وإذا كان الإخوان قد نجحوا فى تونس، فإن فشلهم فى مصر كان بداية لفشل المشروع الأمريكى، وتعثره فى الدول الأخرى، خصوصا فى تونس، فبعد إسقاط نظام الإخوان فى مصر بثورة 30 يونيو أخذ التحالف الأمريكى معهم منحى جديدا أكثر انحيازا، لكن هذا الانحياز كانت له أشكال أخرى مختلفة، خصوصا فى التجربتين السورية والليبية. وإذا كانت سوريا قد أصبحت خارج سيطرة الإخوان بعد نجاح المنظمات الجهادية والتكفيرية من التفوق على الإخوان ميدانيا، فإن الأمر فى ليبيا يختلف كثيرا، حيث ما زال للإخوان نفوذ قوى وميليشيات متحالفة مع الميليشيات التكفيرية الخاضعة لسيطرة تنظيم القاعدة، لذلك كان رد الفعل الإخوانى شديد التوتر على الدور الذى يقوم به الآن اللواء المتقاعد خليفة حفتر ضد الإخوان والجماعات والمنظمات السلفية والتكفيرية التى تهدد وحدة ليبيا واستقرارها. فاللواء حفتر يخوض الآن ما يسميه ب«معركة كرامة ليبيا» مدعوما بمعظم فصائل الجيش والشرطة ضد المنظمات الإرهابية وضد السلطة الموالية لهذه المنظمات، التى تشهد انقسامات حادة بين المتشبثين بالسلطة داخل «المؤتمر الوطنى العام» (البرلمان) والحكومة، وبين الذين أعلنوا ولاءهم ل«معركة الكرامة»، ومن هنا بالتحديد يمكن فهم فتوى الشيخ يوسف القرضاوى، الذى انتفض للدفاع عن حكم الميليشيات فى ليبيا، التى باتت الحاضنة الأهم للمشروع الإخوانى فى مصر لاستعادة ما يسمونه بالشرعية. لذلك بادر القرضاوى من خلال المنظمة التى يسيطر عليها وتحمل اسم «الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين» للتنديد بما سماه «استخدام السلاح خارج إطار الحق والشرعية القائمين على إرادة الشعب الحرة». ويقصد المعارك التى يخوضها اللواء حفتر وقواته ضد الميليشيات التكفيرية. فالقرضاوى يعتبر أن أى تحد لحكم الإخوان يعتبر معركة ضد الشرعية، وهذا ما أكده فى فتواه ضد «معركة كرامة ليبيا» التى يخوضها اللواء حفتر الذى يسعى إلى توحيد الجيش وضرب الميليشيات والتأسيس لحكم مدنى ديمقراطى أكثر استقرارا من خلال انتخابات نيابية بدلا من الخضوع لقرار التمديد غير الشرعى ل«المؤتمر الوطنى العام» والحكومات المنبثقة عنه، نظرا لانتهاء الولاية الرسمية لهذا المؤتمر منذ فبراير الماضى. الشيخ القرضاوى وهو يتحدث بلسان الإخوان يرفض إسقاط حكم الإخوان أو الحكم المسيطر عليه من الإخوان، ويرى أيضا ما تراه «جماعة أنصار الشريعة» المدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية أن الحركة التصحيحية التى يقوم بها اللواء خليفة حفتر وحربه ضد الميليشيات بأنها «حرب على الإسلام ومن ينادى بإقامة الشريعة» لذلك أكمل فتواه بتحذير الليبيين من «كل من قواعد الخداع الاستراتيجى ضد قضيتهم العادلة» أو يستخدم مصطلحات مطاطة على غير حقيقتها ك«الحرب على الإرهاب أو غيرها بهدف السطو المسلح على السلطة ومن ثم النيل من حرية الليبيين التى استردوها بالثورة والدماء الطاهرة». هكذا، وكأنه يتحدث عن ثورة 30 يونيو فى مصر، وهو يتحدث عن «معركة كرامة ليبيا»، وهذا طبيعى، لأن المعركتين بالنسبة له دفاع عن الشرعية، فهو فى مصر يدافع عما يتصوره من «شرعية اعتدى عليها»، وفى ليبيا يدافع عما يراه «شرعية يعتدى عليها»، وهو يرى، كما يرى الإخوان أن ليبيا هى طريق العودة إلى حكم مصر، وخسارتهم ليبيا تعنى تبديد أحلام اليقظة فى عودة مجددة لحكم المصريين. لذلك كان استنفارهم لخوض معركة الدفاع عما يسميه ب«الدفاع عن الشرعية» فى ليبيا ثقة منه بأن النجاح فى التمكين للإخوان فى ليبيا هو قاعدة أساس لانطلاق الإخوان من ليبيا نحو مصر لتحريرها من «الانقلاب» و«الانقلابيين»، وهو لا يعنى غير الشعب والجيش فى مصر.