1- ذهب خالى إلى طبيب فى مصر الجديدة. راجل ملتزم ويعرف ربنا. سأله فى أثناء الكشف مَنِ انتخبت؟ فرد خالى: الكتلة. قال الطبيب مباشرة: «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم». وقال له خالى: إحنا عايزين توازن شوية فى المجلس، مايبقاش كله لون واحد. وقال الطبيب: «كان لازم تنتخب (الحرية والعدالة) علشان نعرف نحجّم المجلس العسكرى». هنا تدخلت أمى التى كانت برفقة خالى عند الطبيب قائلة: «لكنكم والمجلس حبايب!» فرد الطبيب. «لالالالالا. إحنا دلوقتى عاملين زى التلميذ اللى قاعد فى الفصل مكتف إيديه وساكت، لكن واخد باله من كل حاجة وبيستوعب اللى بيحصل، مش هيتدخل إلا فى الوقت المناسب». 2- باق من الزمن أربعة أسابيع تقريبا على المؤامرة اللوذعية التى تحدث عنها عضو فى المجلس العسكرى، والتى، يا للمصادفة، تتزامن مع الذكرى السنوية الأولى (أو العيد الأول) للثورة التى قتلها المجلس ومشى فى جنازتها، والآن لا يرغب حتى فى إحياء ذكراها. لم يتم القبض على أحد، ولا حتى الإعلان عن أسماء الدول المتآمرة. حتى فى الداخل، قال الحكماء إن غرض «العسكرى» من سيل البلاغات المقدمة ضد الثوار ليس ملاحقتهم قضائيا، إنما الغرض الوحيد تشويه السمعة والتأليب والتحريض. 3- عندى جدول فى دماغى بأوجه الشبه بين الإسلامجيين والمجلس العسكرى. لكن بعد أن كتبت رقم 1 و2 أعلاه اكتشفت ما يجمع بين العسكر والإسلامجيين والناخبين الغلابة من أمثالنا. القيادة بالتخويف. التربية بالتخويف. من أول «أوضة الفيران» إلى «المؤامرات الخارجية» إلى «اليهود والنصارى المتربصين بنا». الآباء الذين يعجزون عن تعليم أبنائهم بالقدوة وبالقصة وبالتفكير البسيط أن الكذب خطأ، الذين يلجؤون إلى الضرب والتخويف به، أو إلى التخويف من الأشباح «اللى هتشمك لو مغسلتش إيدك!»، هم أنفسهم الذين يعجزون عن تبين الصح من الخطأ، بل يختارون مواقفهم خوفا من شىءٍ ما. ينتخب طرفا، لأنه يخوفه من طرف آخر، ويقنعه بأنه الضامن الوحيد له، ويوالى سلطة، لأنها تقنعه -عكس كل الحجج المنطقية- أنها الوحيدة القادرة على حمايته. 4- لأن الفن أصدق إنباء من الكلِمِ، شاهدوا لو سمحتم هذا الفيلم الفرنسى المترجم، فهو أكثر منى قدرة على توصيل الفكرة http://www.youtube.com/watch?v=C36TxK0idcI الفيلم، ومدته دقيقتان، عن طفل يعيش فى مكان ضيق، آمن، رحيم، ويخشى أن يخرج من الباب. الطبيب المكلف به يحاول أن يقنعه بالخروج لكنه يخاف. لا. ليست بقية الحكاية كما تتوقعون، ولا كما توقعت. لا أعلم اسم الفيلم، لكننى لو كنت مخرجه لسميته «التحرر من الخوف ميلاد». 5- والتحرر من الخوف معركة ذاتية. تستطيع أن تمد يد العون لمن تحب، لكنك لن تحرر من أحببت أبدا، إنما الإنسان يتحرر إذا شاء. يتحرر حين ترجح كفة الرغبة عن كفة الخوف. ربما لهذا السبب تربط الآداب والفنون بين التحرر الجسدى والتحرر العام. إنها مجرد حيلة، تجسيد للمعنوى (الذهنى) فى صورة ملموسة (جسدية) يستطيع الإنسان الذى لم يجرب الصراع العقلى أن يدركها. فكلنا جربنا الرغبات الجسدية التى تحفظ بقاءه. قوة الرغبة فى الأكل تتحدى الخوف من الميكروبات. وأكثم، فى زلزال 1992، شرب بوله لكى يحيا ويخرج من الأنقاض. 6- نحن نعيش فى أنقاض، تحت أحجار أفكار متداعية، لم تعد تصلح بيتا متناسقا. ليس شباب الثورة ملائكة، وليس كل ما يخرج منهم رائعا. واللهِ نعلم ذلك. لكنهم مضطرون إلى الاكتفاء ذاتيا، فى مواجهة تجار الموت بحجة المنطق، تجار الموت اختناقا بحجة الخوف من ميكروبات أجسادنا. 7- سأفهم منطق من ينتقدون تصرفات لشباب الثورة لو شعرت للحظة أنها من منطق الحب. تعلمون أننى أفعل ذلك من وقت إلى آخر. لكننى لا أقبلها من متصيدى الأخطاء، لا أقبلها ممن هدفهم الوحيد التجريح والتشويه، ولا أقبلها ممن يصمتون على سرقة الذهب من طرف وينتفضون لسرقة رغيف العيش من طرف آخر، أو الذين يسكتون عن ضرب الرصاص من الجانى، وينتفضون لضرب الحجارة من المجنى عليه.