خرج علينا مذيع نصف جاهل يسأل على الهواء: يعنى إيه السيسى يقول إنه لو نجح فى الانتخابات الرئاسية مافيش إخوان؟ ماذا سوف يفعل فى 600 ألف مصرى؟!، هل يتخلص منهم؟ سؤال انطباعى يدل على أن صاحبه لم يفهم ما قاله عبد الفتاح السيسى فى حواره مع إبراهيم عيسى ولميس الحديدى، ولم يحتفظ بجهله لنفسه وأذاعه على الناس كما لو أنه يدافع عن الحريات وحقوق الإنسان، والسيسى فعلا قال هذه العبارة، وكان يقصد ببساطة أن الجماعة بشكلها التنظيمى الحالى لن يسمح بوجودها، فهى تنظيم خارج على القانون، ورافض أن ينصاع له، حتى تظل عضويته ومصادر تمويله وأوجه إنفاقه وعلاقاته الخارجية بعيدة عن عيون القانون، وهو ما فعله طيلة 86 عاما منذ أسسه حسن البنا. وبالطبع فى دولة دستورية تحاول أن تؤسس ديمقراطية صحيحة لا يجوز أن يوجد شخص أو جماعة أو تنظيم فوق القانون، والإخوان يريدون أن يلعبوا أدوارهم فى حياة المصريين بطريقة وقواعد وأدوات هم واضعوها دون أى مرجعية قانونية، وهذا هو السبب الأكبر فى معركتهم الحالية مع الدولة المصرية. وقطعا لسنا ضد الجماعة لله فى لله، ولا ضد مصالحة حقيقية معها، إذا كانت جادة فيها، لكن عليها قبل أى مصالحة أن تخضع للقانون المصرى، سواء كانت جماعة دعوية ينظمها قانون الجمعيات الأهلية أو حزبا يحكمه قانون الأحزاب، أما حكاية الرقص على السلم، حتى تحافظ على امتدادها الإقليمى والعالمى فهى غير مقبولة، وقد يكون مسموحا به إذا تأسست على أنها جماعة للدعوة الإسلامية، فالإسلام دين عالمى ندعو له فى كل أنحاء الدنيا، لكن لا يجوز لأى حزب سياسى أن يكون له ارتباطات بتنظيم دولى، وهذا مُجَرَّم فى أى مكان فى العالم، من ديمقراطية الولايات لمتحدة إلى ديمقراطية بلاد تركب النمل. لكن الجماعة هى التى تفضِّل الحياة الحرة من نظام الدولة، وتقاتل من أجل الحفاظ على وضعها الملتبس القديم، فهل نسمح بذلك؟ وقد قرأت مؤخرا حوارا للأستاذ عزام التميمى، وهو فلسطينى وعضو فى التنظيم العالمى للجماعة، يقول فيه: «(الإخوان) لم تسقط، ومرسى لازم يرجع»، أى يشترط علينا «عودة الغائب» كى يتصالح معنا، كما لو أن هذا الغائب فى رحلة خلوية وحجزته أمطار استوائية، ولا نعرف ما علاقة هذا التميمى بما يجرى فى مصر، هل وجوده فى التنظيم الدولى للإخوان يجعله وصيا على المصريين؟ وهل يحدد هذا التنظيم ما نريد وما لا نريد؟ وهل يقبل أى شعب فى العالم أن يرسم له تنظيم عالمى حياته فى وطنه؟ أزمة الإخوان صناعة ذاتية، فى بنية التنظيم والأفكار المسيطرة على قياداته وأعضائه، أكثر من صناعة الآخرين، وهى أزمة قديمة متكررة، أيام الملك وفى زمن جمال عبد الناصر والآن، ولم تفكر الجماعة قط فى إجراء أى مراجعة وتسأل نفسها: هل يمكن أن نكون سببا من أسباب هذه الأزمات؟ وطبعا كان مستحيلا أن تسأل هذا السؤال، لأنه يزيل عنها القداسة التى غلفت بها نفسها.