فى كل الحوارات التى جرت مع المرشح الرئاسى عبد الفتاح السيسى، لم ترد كلمة «الثقافة» إلا مرة واحدة، وجاءت عرضا عندما قال: «حجم الثقافة والفهم الدينى محتاج مراجعة».. وفى كلمته هذه كان يقصد الثقافة الدينية، لا الثقافة بمفهومها العام، الذى يشمل كل أوجه الفكر والإبداع. ورغم أن كثيرا من المبدعين والكتاب والفنانين أعلنوا عن تأييدهم له، ووقوفهم معه فى الانتخابات، (بعضهم عضو فى حملته الانتخابية)، فإننى لاحظت خفوتا، إن لم يكن تجاهلا تاما، للثقافة فى تصريحاته! مقربون من حملة السيسى، يقولون إن البرنامج «المكتوب» يتضمن عديدا من التفصيلات الثقافية، إلا أن ملامح هذا الجانب، كما بدت خلال أحاديثه التليفزيونية، ولقاءاته مع فئات متعددة من المجتمع المصرى، لم تكن واضحة إلى حد بعيد! لقد تحدث السيسى باستفاضة عن الدين والأخلاق، بجانب الاقتصاد والسياسة الداخلية والخارجية، والرياضة، عندما التقى وفدا رياضيا، صالح خلاله مرتضى منصور وشوبير، وأعطى أهمية كبيرة للمشكلات الاقتصادية التى تواجه بلدنا، وأشار كثيرا إلى متاعب الفقراء والبسطاء، ونوه بالظلم الذى يتعرض له الشباب، وأعلن مساندته للمرأة فى قضاياها، وإيمانه بالمواطنة، وأنه لا فرق بين مسيحى ومسلم، وتحدث عن الفلاحين والعمال والموظفين ورجال الأعمال والصعايدة والبحاروة، إلا أن «الثقافة»، بمفهومها الواسع والتنويرى، بدت كأنها «فريضة غائبة»! قد يكون من المفهوم أن الإجابات فى الحوارات ترتبط فى الأساس بما يطرحه المحاور من أسئلة، لكن حوارات السيسى حتى اللحظة لم تتطرق إلى قراءاته، فلم نعرف أى نوع من المؤلفات يستهويه، إذا كان يحب القراءة، وما آخر كتاب قرأه؟ وهل يحب السينما والمسرح والموسيقى والروايات والقصص والتاريخ؟ هل عرف مثلا روايات نجيب محفوظ ابن الجمالية، الذى خلد حواريها وشوارعها فى عدد من قصصه، وهى نفس المنطقة التى ينتمى إليها السيسى؟ وهل شاهد معارض فن تشكيلى من قبل؟ أم أن قراءاته تنصب فقط على العلوم العسكرية والسياسة والاقتصاد والدين؟ هذا ملمح مهم فى شخصيته، ويعرفنا أى نوع من الرؤساء سيكون، إذا ما فاز بالانتخابات، كما هو مرجح حتى الآن. لقد كان عبد الناصر، الذى تمنى السيسى أن يكون مثله، قارئا نهما فى مجالات متعددة، وكانت رواية «عودة الروح» للأديب والمفكر الكبير توفيق الحكيم ملهمة له قبل الثورة، وكانت الثقافة أحد اهتماماته الكبيرة، ففى عهده تم تخصيص وزارة للثقافة، لأول مرة، واهتم بأن يكون الكتاب فى متناول البسطاء، فقام بمشروع «الألف كتاب»، الذى قدم المؤلفات العالمية بسعر زهيد، وأنشأ هيئة قصور الثقافة التى ذهبت إلى الفلاحين فى قراهم وغيطانهم، وعرضت لهم أفلاما سينمائية ومسرحيات مهمة، وشهدت الستينيات من القرن الماضى نهضة مسرحية ما زلنا نتغنى بها حتى الآن، وظهر خلال نفس الفترة جيل جديد من الأدباء أصبحوا بعد ذلك من كبار الكتاب، أما المؤسسة العامة للسينما فقد أنتجت عددا من أهم أفلام السينما المصرية على مر تاريخها. كما بلغ اهتمام عبد الناصر، بالغناء والموسيقى أنه طلب من أم كلثوم وعبد الوهاب التعاون معا، فأنتجا أغنيات خالدة. ورغم ما حدث من اعتقال عدد من المفكرين فى عهده، لكن الثقافة كانت عموما فى ازدهار. السادات أيضا كان عاشقا للسينما، يشاهد فيلما كل مساء فى منزله، وعمل صحفيا فترة من حياته تعرف خلالها على عدد غير قليل من الأدباء والموهوبين، وارتبط بصداقات معهم مثل زكريا الحجاوى ومحمود السعدنى، أما مبارك فلم يعرف عنه أى اهتمامات بالثقافة، وهو غير قارئ ولا يتذوق الفنون، ولولا مشروع «القراءة للجميع» الذى تبنته زوجته، ما كان له أى أثر ثقافى. وخلاصة القول إن الثقافة عامل مهم فى تكوين الرئيس، وهى التى تفتح أمامه آفاقا رحيبة، وتضع له حلولا غير تقليدية للمشكلات التى تواجه البلد، كما أنها الوسيلة المثلى لمواجهة التطرف، والفكر الدينى السقيم البعيد عن التدين الصحيح. لذا أرجو أن تكون الثقافة على رأس اهتمامات الرئيس القادم، أيا كان، وأن نتعرف على رؤيته الثقافية، وأن يدرك أنه لا يمكن مواجهة أى مشكلة إلا بالثقافة، ولهذا فإن تجاهلها والاستهانة بها يضع الرئيس القادم على طريق الفشل.