الاستقرار الاقتصادي هو ما يجب أن تسعى إليه مصر في هذه المرحلة، ولكن السؤال هل يكون هذا الاستقرار عن طريق الانكماش الاقتصادي أو من خلال استغلال كامل للطاقات الموجودة و إتباع سياسة حديثة بأدوات السياسة الاقتصادية مبتكرة. للانكماش الاقتصادي هو مجموعة من السياسات لتقليص التداول النقدي، وارتفاع قيمة العملة الوطنية وتكلفة القروض، مع ميل مستوى الأسعار والأجور إلى الانخفاض ، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى الطلب الكلي عن مستوى العرض الكلي. الانكماش حالة يمكن أن تصيب الاقتصاد على نحو عفوي وتكمن صعوبة تحديده في طبيعته، وفي كونه مقصوداً أو غير مقصود، وخاصة عندما يختلط بغيره من الظواهر النقدية والاقتصادية ، ولكن مهما يكن الأمر فإن الحدود التي يمكن حصر الانكماش فيها هي حدود العرض والطلب الكليين ، فكلما نزع الأول نحو الارتفاع نسبة إلى الثاني كان هناك انكماش، والعكس يحدث في التضخم بغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى الانكماش . وبالتالي فان الانكماش هو اتخاذ مجموعة من التدابير التي من شأنها إعادة التوازن إلى الاقتصاد، وهو يختلف عن مفهوم الركود ، حيث أن الركود فهو حالة تجتاح الاقتصاد فيصاب بانخفاض الإنتاج وارتفاع الأسعار ووقوع البطالة، وتنعكس آثار ذلك كله على الحياة الاجتماعية بشكل عام ، وقد ارتبط مفهوم الانكماش ومفهوم الركود بمفهوم التضخم ارتباطاً وثيقاً، فالانكماش حلٌ للتضخم وهما وجهان لعملة واحدة، وقد يختلط الركود بالتضخم أيضاً فيما يطلق علية بالركود التضخمي. وعندما نتحدث عن الرؤية الاقتصادية الشاملة ، يجب أن نعرف أولا ما هي أدوات السياسة الاقتصادية ،فقد تكون أدوات سياسة مالية وقد تكون أدوات سياسة نقدية ، بالنسبة للسياسة المالية هي السياسة التي تقوم الحكومة بتنفيذها ، حيث يتم إتباع سياسة مالية متوازنة للوصول إلى مستوى متساوي من الطلب والكلي والعرض الكلي ، ولا شك أن زيادة الضرائب أو تخفضها يكون له أثار على الدخول المتاحة ، وأن عدم دراسة الآثار المترتبة على تدخل الدولة لحل مشاكلها المالية عن طريق الضريبة سيودى حتما إلى الوقوع بين فكي التضخم والركود . أما السياسة النقدية وهى التي يقوم البنك المركزي المصري لمساواة الطلب الكلي مع العرض الكلي عن طريق التحكم بالأوراق المالية ، حيث يقوم بعرضها في حالة ارتفاع الطلب الكلي بأكثر من المطلوب أو بشراء الأوراق المالية في حالة انخفاض الطلب الكلي إلى حد الركود. ولكي نصل إلى حل جذري لمشاكلنا الاقتصادية يجب أولا دراسة أسباب الخلل الهيكلي في البيئة الاقتصادية المصرية كل من ميزان المدفوعات، والموازنة العامة للدولة، هروب رأس المال، الدين الداخلي والخارجي، وأيضا الخلل الهيكلي بين الأسعار والأجور لوقف نزيف التضخم والبطالة وانخفاض معدلات النمو ، .فعندما نفكر في كل هذه المشاكل نتأكد أن المسئولية لم ولن تكون سهلة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي ، ولكن في نفس الوقت فهي ليست مستحيلة إذا ما توافر العزيمة القوية والمشاركة الايجابية لكل الكوادر المعنية بالأمر من مختلف التخصصات . حيث يرجع الاختلال في ميزان المدفوعات إلى الإفراط في مستوى الاستهلاك النهائي المحلى، أو الإفراط في مستوى الاستثمار المحلى (أي وجود فائض في الطلب)، مما يترتب علية زيادة مديونيتها الخارجية ،ولذلك أذا ما أرادت مصر سداد هذه الديون فعليها بزيادة الإيرادات الحدية للاستثمار لمحلى الاجمالى على تكلفة القرض الخارجي ، وللتسهيل ، يجب عدم استخدام القروض في تمويل الإنفاق الاستهلاكي (زيادة الاستهلاك النهائي) ، وبالتالي أنا أرى أن القضاء على عجز ميزان المدفوعات يجب أن يتم من خلال سياسات نقدية ومالية وبعض الإجراءات الأخرى،حيث أن البنوك لا تملك الإمكانيات الكافية من النقد الأجنبي لتلبية احتياجات المواطنين والمؤسسات لابد من اتخاذ قرارات وإجراءات سابقة تتعلق بالسياسات الاقتصادية بشكل عام . أولاً تخفيض أسعار الصادرات إلى الخارج وزيادة أسعار الواردات إلى الداخل مما يعطى ميزة نسبية لصادرات الدولة خارجها والمنتج المحلى داخلها ، وبالتالي زيادة الصادرات ونقص الواردات ،وبالتالي خفض العجز في ميزان المدفوعات .ويجب هنا التنويه إلى أهمية الحذر و المرونة في معرفة اتجاهات الطلب العالمي على صادراتنا ،و أيضاً على اتجاهات واحتياجات الطلب الداخلي من وارداتنا . ثانيا أثر استمرار ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري على الاقتصاد الوطني مما يؤدي إلى زيادة الخلل في ميزان المدفوعات وحدوث خلل في الموازنة العامة الأمر الذي قد يدفع وزارة المالية إلى فرض ضرائب جديدة مما يزيد من الأعباء على الاستثمارات وعلى أفراد القطاع العائلي بسبب ارتفاع أسعار السلع المستوردة ،الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج والخدمات، إلى جانب ضعف قدرة الشركات الوطنية على المنافسة الخارجية، كما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة بسبب توقف بعض الشركات عن الإنتاج ، والآمر الأخطر في هذا الشأن هو أن كلما ارتفع الدولار في مقابل الجنية أدى ذلك إلى زيادة القيمة الحقيقية للديون الأمر الذي تعجز الدولة عن سدادها إلى جانب زيادة عجز الموازنة العامة للدولة. ثالثا يجب التأكيد على أن ستواجه أزمة حقيقية خلال الفترة المقبلة نتيجة الاندفاع إلى شراء الدولار لتمويل استيراد سلع كثيرة هامشية وغير ضرورية، مما سيؤدي بالقطع إلى ارتفاع كبير في سعر الدولار، وسيؤثر بالتالي على أسعار السلع في السوق المحلي باعتبارنا دولة مستوردة ، الأمر الذي سيؤدي إلى استمرار التراجع الكبير في سعر الجنيه أمام الدولار. حيث أن سعر الصرف الحالي أصبح غير ملائما في ظل استمرار مشكلة الركود وتباطؤ الاقتصاد الحالي لخلق فرص عمل.ولا شك أننا مازلنا نعيش تبعات قرار تعويم سعر الجنيه ألمصري أمام الدولار في يناير 2003 وتخلى البنك المركزي عن تحديد سعر الصرف وتركة لآليات العرض والطلب من دون تدخل من أي جهة، حيث كان سعر الدولار أمام الجنيه بالبنوك المصرية وقت التعويم نحو 517 قرشا،وقد خرج علينا المسئولين مؤكدين أن تحرير سعر صرف النقد الأجنبي كان مطلباً دائماً لكل مؤسسات التمويل الدولية وخاصة صندوق النقد والبنك الدوليين ، وطبعاً كان هناك ضغوط دولية على مصر لاتخاذ هذا القرار ، وكنا وقتها نتحدث عن تدبير النقد الأجنبي اللازم لاستيراد السلع الأساسية وقتها بقيمة 4.5 مليار دولار فقط بالسعر الاسترشادي القائم بالبنك المركزي (465 قرشا + 3% صعودا أو هبوطا) . ثالثا يجب نشر الوعي وتفعيل دور المجتمع المدني في الحد من اتجاه وثقافة المدخرين أنفسهم في شراء الدولار حيث يتجه الأفراد إلى تحويل أموالهم من الجنيه المصري إلى الدولار مما يؤدي إلى ضعف الاقتصاد المصري ، مازلت مصر في انتظار عودة التوازن العفوي بين العرض والطلب، أو بين الإنتاج والاستهلاك، أو بين سعر الدولار مقابل الجنية ،أو الأسعار والأجور ، وستظل تنتظر طالما لم تسعى إلى وجود حلول مبتكرة لعمل الاستقرار الاقتصادي ، فعدم وضوح الرؤية الاقتصادية يفقد اقتصاد السوق توازنه، ويزيد من علامات التشاؤم على الحياة الاقتصادية ، نتيجة لانخفاض احتمالات الربح ، أو زيادة احتمالات الإفلاس في المشروعات ، أو تعطيل عوامل الإنتاج ، أو زيادة نفقات الإنتاج.