تكريم سكرتير عام محافظة قنا تقديراً لمسيرته المهنية بعد بلوغه سن التقاعد    صبحي يشارك في مناقشة دكتوراه بجامعة المنصورة ويؤكد: الشباب محور رؤيتنا للتنمية    ابتزاز لعرقلة تقدم الجيش، أول رد من السودان على العقوبات الأمريكية بعد مزاعم الأسلحة الكيماوية    شيخ الأزهر يعزي المستشار عدلي منصور في وفاة شقيقه    6 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف عناصر تأمين المساعدات في دير البلح    بصورة قديمة وتعليق مثير، كيف احتفت هالة صدقي بخروج عمر زهران من السجن    سقوط مروجي المواد المخدرة في قبضة مباحث الخانكة    كنيسة بالسويس تساهم في مشروع صكوك الأضاحي (صور)    لاعب الأهلي السابق: «الأحمر هيعاني من غير إمام عاشور»    مراجعة مادة العلوم لغات للصف السادس الابتدائي 2025 الترم الثاني (فيديو)    بسبب خلافات أسرية.. التحقيق في اتهام جامع خردة بقتل زوجته بأوسيم    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    مدفوعة الأجر.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    "مياه الفيوم" تنفي شائعة تسرّب الصرف الصحي.. وتؤكد: مياه الشرب آمنة 100%"    هزة أرضية جديدة تضرب جزيرة «كريت» اليونانية (بؤرة الزلازل)    أرقام رافينيا مع برشلونة بعد تمديد عقده حتى 2028    روسيا.. توقف الرحلات الجوية في مطاري فنوكوفو وجوكوفسكي بسبب تفعيل الدفاعات الجوية    تراجع سعر الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن بداية تعاملات الجمعة 23 مايو 2025    وكيله: لامين يامال سيجدد عقده مع برشلونة    أخبار × 24 ساعة.. حوافز استثمارية غير مسبوقة لتعزيز مناخ الأعمال فى مصر    جامعة دمنهور تشارك فى فعاليات إطلاق برنامج عمل "أفق أوروبا Horizon Europe" لعام 2025    خروجه مجانية.. استمتاع أهالى الدقهلية بالويك إند على الممشى السياحى.. صور وفيديو    الضرائب تنفي الشائعات: لا نية لرفع أو فرض ضرائب جديدة.. وسياستنا ثابتة ل5 سنوات    «الطقس× أسبوع».. درجات الحرارة «رايحة جاية» والأرصاد تحذر من الظواهر الجوية المتوقعة بالمحافظات    دينا فؤاد: شغفي بالفن أهم من الحب.. والابتعاد عن التمثيل موت بطيء    دينا فؤاد: مفيش خصوصيات بيني وبين بنتي.. بتدعمني وتفهم في الناس أكتر مني    دينا فؤاد: صحابي كانوا كتار ووقعوا مني في الأزمات.. بالمواقف مش عدد السنين    بعد الإفراج عن عمر زهران .. هالة صدقي توجه رسالة ل مرتضى منصور    بمشاركة منتخب مصر.. اللجنة المنظمة: جوائز كأس العرب ستتجاوز 36.5 مليون دولار    صراع ناري بين أبوقير للأسمدة وكهرباء الإسماعيلية على آخر بطاقات الصعود للممتاز    وزير الشباب ومحافظ الدقهلية يفتتحان المرحلة الأولى من نادي المنصورة الجديد بجمصة    تعليم القاهرة يحصد المراكز الأولى في العروض الرياضية على مستوى الجمهورية    تعليم القاهرة يحصد المركز الأول على مستوى الجمهورية بمسابقة الخطابة والإلقاء الشعري    جانتس: نتنياهو تجاوز خطًا أحمر بتجاهله توجيهات المستشارة القضائية في تعيين رئيس الشاباك    فلسطين.. 4 شهداء وعشرات المفقودين إثر قصف إسرائيلي على منزل في جباليا شمال غزة    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    وجه لها 16 طعنة وهي ونايمة، قرار من النيابة ضد طالب بالصف الأول الإعدادي حاول قتل والدته بالغربية    مصرع طالب أسفل عجلات قطار الركاب بمحطة كفر الدوار بالبحيرة    مصرع وإصابة 5 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين بطريق إدفو مرسى علم    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 23 مايو 2025    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الجولة قبل الأخيرة لدوري المحترفين    كرة يد - موعد مباراة الأهلي والزمالك في نهائي كأس الكؤوس الإفريقية    الكشف عن موقف تشابي ألونسو من رحيل مودريتش عن ريال مدريد    Spotify تحتفل بإطلاق أحدث ألبومات مروان موسى في مباراة "برشلونة"    تنفيذًا لحكم القضاء.. محمد رمضان يسدد 36 مليون جنيه (تفاصيل)    الشعبة: أقل سيارة كهربائية حاليًا بمليون جنيه (فيديو)    ما حكم ترك طواف الوداع للحائض؟ شوقي علام يجيب    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    ما حكم تغيير النسك لمن نوى التمتع ثم تعذر؟ المفتي السابق يجيب    قباء.. أول مسجد بني في الإسلام    «المفرومة أم القطع».. وهل الفرم يقلل من قيمة الغذائية للحمة ؟    «بربع كيلو فقط».. حضري «سينابون اللحمة» بطريقة الفنادق (المكونات والخطوات)    «لقرمشة مثالية وزيوت أقل».. أيهما الأفضل لقلي الطعام الدقيق أم البقسماط؟    مسلسل حرب الجبالي الحلقة 7، نجاح عملية نقل الكلى من أحمد رزق ل ياسين    تشميع مركز للأشعة غير مرخص بطهطا بسوهاج    «المصريين»: مشروع تعديل قانون الانتخابات يراعى العدالة فى التمثيل    هل التدخين حرام شرعًا ؟| أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيد قطب.. أمير التكفير "الحلقة الثالثة"
نشر في التحرير يوم 28 - 04 - 2014

هل لعبت الماسونية دورًا فى إرسال قطب إلى بعثة أمريكا؟
كان سيد قد اتجه مبكرا وهو فى «دار العلوم» للعمل بالتدريس، وعمل كذلك مصححا فى بعض الصحف، ويبدو أن ذلك تحقق له بوجود خاله، صاحب الخبرة فى هذا المجال، بالإضافة إلى أن سيد كان يتردد على ندوة العقاد الأدبية أو صالونه الثقافى، الذى كان يعقده يوم الجمعة من كل أسبوع فى شقته بمصر الجديدة، شارع بطرس غالى.
نحن هنا بإزاء شاب مكافح فعلاً، بمجرد أن أتيح له أن يعمل قام بالعمل مدرسًا وكان التخرج فى مدرسة المعلمين يمكّن الخريج من العمل بالتدريس فى المدارس الأولية، وإلى جوار العمل راح يدرس ب«دار العلوم»، وربما بسبب الانشغال بالعمل، لم يتح له أن يتفوق فى دار العلوم وأن يعين «معيدًا» بها ويواصل دراساته العليا، ويبدو أن ذلك الانشغال والإجهاد المبكر لم يمكناه من الثقافة والذهاب إلى مصادر المعرفة، فضلاً عن الثقافة الموسوعية التى كانت سائدة لدى بعض المثقفين والكتاب آنذاك.
ولا بد من القول إننا أمام إنسان مثل ملايين المصريين، قرر أن يواجه الأزمة المالية والاجتماعية لأسرته، خرج إلى سوق العمل مبكرًا ليواصل تعليمه ثم ليرعى أسرته الصغيرة، فى البداية ساعده التكافل الاجتماعى والترابط العائلى حين احتضنه خاله ورعاه، ثم واصل هو الطريق ورعى شقيقتيه وشقيقه، نحن –هنا– بإزاء حالة من المسؤولية الاجتماعية العائلية، ولذا فإنه طوال حياته، ورغم أنه لم يتزوج لم يشعر يومًا بالوحدة، أقصد العزلة الاجتماعية، ومن خلال هذه المسؤولية شعر بتميزه الأسرى والعائلى، ذلك التميز الذى أحسه من بداية حياته، وعبر عنه فى سيرته «طفل من القرية».
فى عام التخرج أصدر سيد قطب كتابه الأول، وإن شئنا الدقة الكتيب الأول «مهمة الشاعر فى الحياة»، وكان فى الأصل بحثًا أعده وهو طالب، بإشراف د.مهدى علام وحيّاه د.علام عليه، وهو بحث متميز بالنسبة إلى طالب يستعد للتخرج، لكنه ليس كذلك بالنسبة إلى ناقد وكاتب محترف ومتخصص، وبعد عامين –سنة 1935– أصدر «الشاطئ المجهول» وهو ديوان شعر، لم يصدر غيره من الدواوين، وأخذ سيد قطب ينشر مقالاته الأدبية والنقدية فى مختلف المطبوعات التى أتيح له النشر فيها، بغض النظر عن موقف وانحياز هذه الصحف السياسى والحزبى، وهكذا نشر فى «البلاغ» و«كوكب الشرق» و«الأهرام» و«المقتطف»، فضلاً عن مجلة «أبوللو» ومجلة «دار العلوم» وغيرها، وفى ما بعد سوف يكتب فى «الرسالة».
وفى مجلة «المقتطف»، فى عددين متتاليين، فبراير ومارس 1939، نشر بحثًا بعنوان «التصوير الفنى فى القرآن» وكان هذا البحث نواة لكتاب صدر فى ما بعد، سنة 1945، بنفس العنوان، وقد أهدى الكتاب إلى والدته، وعاد فيه إلى ذكرياته القديمة وطفولته البعيدة مع القرآن الكريم، وكان فى هذا الكتاب يبتعد عن تفسيرات القرآن، وإن شئنا الدقة، كان يبحث عن جمال القرآن الكريم لغويًّا، متمردًا على المفسرين والتفسيرات المختلفة، يقول: «قرأت تفسير القرآن فى كتب التفسير وسمعت تفسيره من الأساتذة، ولكننى لم أجد فى ما أقرأ أو أسمع ذلك القرآن اللذيذ الجميل، الذى كنت أجده فى الطفولة والصبا»، ثم يقول «وا أسفاه لقد طمست كل معالم الجمال فيه، فخلا من اللذة والتشويق. ترى هما قرآنان؟ قرآن الطفولة العذب الميسر المشوق، وقرآن الشباب العسر المعقد الممزق؟ أم أنها جناية الطريقة المنبعثة فى التفسير وعدت إلى القرآن أقرؤه فى المصحف لا فى كتب التفسير، وعدت أجد قرآنى الجميل الحبيب» (راجع مقدمة الكتاب).
نجح الكتاب وصدرت منه طبعة ثانية بعد عامين فقط، وفى نفس السنة، أصدر كتابه الآخر «مشاهد القيامة فى القرآن».
كان «التصوير الفنى فى القرآن» فاتحة مشروع أو سلسلة من الكتب اعتزم سيد قطب إصدارها، بعنوان «مكتبة القرآن الجديدة» وأعلن عن بعض العناوين التى يريد إصدارها وهى «القصة بين التوراة والقرآن» ثم «النماذج الإنسانية فى القرآن».. «المنطق الوجدانى فى القرآن» وأخيرًا «أساليب العرض الفنى فى القرآن»، ولم يصدر سيد قطب أى كتاب من تلك التى أعلن عنها، وسوف نلاحظ أن الدراسات التى أعلن عنها، جميعها دراسات أدبية ونقدية، ترتبط جميعها بفنون الأدب، وإن انطلقت كلها من القرآن الكريم، أى لسنا بإزاء دراسات أو مشروع دينى إسلامى، بل مشروع أدبى، ولم يكن غريبًا فى ذلك الوقت أن يقوم كاتب واحد بإصدار سلسلة من الكتب، خاصة به، فعلها كثيرون، هكذا كان د.عبد الرحمن بدوى ومحمد صبيح وحلمى مراد وغيرهم، كان ذلك الطموح مشروعًا وكان تحقيقه ممكنًا وميسورًا لكاتب، فى مقدمة كتابه شاهد القيامة فى القرآن، يحدد سيد هدفه من تلك السلسلة التى أعلن عنها «إعادة عرض القرآن واستيحاء الجمال الفنى الخالص فيه، واستنفاذه من ركام التأويل والتعقيد، وفرزه من سائر الأغراض الأخرى التى جاء لها القرآن، بما فيها الغرض الدينى أيضًا». ويفصل ذلك بالقول.. «هدفى هنا هدف فنى خالص محض لا أتأثر فيه إلا بحاسة الناقد الفنى المستقبل. فإذا التقت فى النهاية قداسة النقد بقداسة الدين، فتلك نتيجة لم أقصد إليها ولم أتأثر بها. إنما هى خاصية كانت فى طبيعة هذا القرآن».
فى هذا النص المهم، يعلن أن هدفه من السلسلة فنى فقط، ويتعامل بإحساس الناقد الفنى المستقل، وسوف نلاحظ أنه هنا يتحدث عن قداستين، قداسة الفن وقداسة الدين، فإن كان الدين مقدسًا وهو كذلك فإن الفن مقدس أيضًا لديه، ولو حدث والتقت قداسة هذا بقداسة ذاك، فهذا ما لم يسع إليه ولم يحاول إثباته، بل شأن خاص بالقرآن الكريم ذاته.
فى تلك السنوات كان سيد قطب قريبًا من العقاد، وسوف نلاحظ من العناوين التى حدثنا عنها تأثيرًا عقاديًا، كان سيد عقاديًا حتى النخاع، يحاول أن يحاكى أسلوبه فى مقالاته ويدافع عنه بشراسة وقوة.
إلى جوار تأثره وإعجابه بالعقاد، كان معجبًا كذلك بالدكتور طه حسين، كان سيد يعمل بوزارة المعارف، وكان طه حسين حين أبعد فى ظل حكومة صدقى عن عمادة كلية الآداب سنة 1932، نقل مسؤولاً بوزارة المعارف، وكان د.طه حسين قصة كفاح مثيرة للإعجاب وكان كاتبًا صبورًا وجريئًا يمكن أن يميز كثيرا من الكتاب الشبان من أمثال سيد قطب، وهكذا وجدنا الأخير يقوم بإهداء كتابه «طفل من القرية» إلى طه حسين، ويعلن فى الإهداء أنه تأثر فيه بكتاب «الأيام»، سيرة طه حسين التى كتبها فى نهاية العشرينيات.
فى عام 1939 بدأ يكتب «التصوير الفنى فى القرآن»، وقبلها بسنوات قليلة، كان د.هيكل والعقاد وطه حسين اتجهوا إلى الكتابة فى الإسلاميات، كل بمنظوره الخاص، وحققت كتاباتهم تلك نجاحًا كبيرًا، وبدأ البعض يتحدثون عن ظاهرة التحول من الليبرالية أو العلمانية إلى الإسلامية، وقد فند د.هيكل ذلك القول فى مقدمته للطبعة الثانية من كتابه «حياة محمد»، لكن فى عام 1939 كانت الحرب العالمية الثانية بدأت، وكانت جماعة الإخوان آخذة فى الانتشار بفضل مساندة على ماهر ونظام الملك فاروق، الذى كان طامحًا آنذاك إلى الخلافة الإسلامية. وفى شهر سبتمبر من نفس السنة –1939– أصدرت مجلة «الهلال» عددًا خاصًّا عن الإسلام والعصر الحديث، طرح فيه أكابر الكتاب كثيرا من القضايا التى لا تزال مطروحة بيننا إلى اليوم، وفى الشهر التالى تنشر «المقتطف» دراسة سيد قطب عن التصوير الفنى.
سنوات الحرب العالمية أدخلت الإسلام والمسلمين فى المشكلة العالمية، بدأ التخوف من انتشار الشيوعية فى مصر وبلاد المنطقة، وكان الرأى فى الولايات المتحدة ودول الغرب أن الفكرة الإسلامية يمكنها أن تصد الشيوعية فى بلاد المنطقة، وتصوروا ذلك بالنسبة إلى المسيحية فى بلدان شرق أوروبا. وكان الحد من انتشار الشيوعية وأفكارها يقتضى الاهتمام بالمشكلات الاجتماعية ومساعدة الفقراء وحل أزماتهم، لذا نجد وزارة الشؤون الاجتماعية تتأسس فى مصر وتظهر للعيان سنة 1939 وتصدر الوزارة مجلة شهرية، تنشر المقالات ذات البعد الاجتماعى، وينضم سيد قطب منذ سنة 1940 إلى هذه المجلة، يكتب، كل عدد، مقالاً حول قضية اجتماعية، وكان فى مقالاته تلك يدعو إلى الاصلاح الاجتماعى.. وقام الباحث الفرنسى الراحل آلان روسيون بجمع هذه المقالات سنة 1994 فى كتاب بعنوان: «المجتمع المصرى جذوره وآفاقه».
لم يتحول سيد قطب إلى العمل الاجتماعى ولم يصبح مصلحًا اجتماعيًّا، بقى ناقدًا أدبيًّا، فقط أخذ فى مقاله الشهرى يتناول القضايا الاجتماعية ويدعو إلى الإصلاح، وفى واحدة من هذه المقالات يجعل للدين دورًا مهمًّا فى الإصلاح، المقال نشر فى مايو سنة 1940 وحمل عنوان «الوعظ الدينى وظيفة اجتماعية قبل كل شىء»، وجاء فى هذا المقال بالحرف «إن المتدين يستطيع أن يقول دون أن يخشى على إيمانه، إنه إذا كان الدين الإسلامى قد جعل الدنيا وسيلة إلى الآخرة فهو كذلك قد جعل الآخرة بثوابها وعقابها وسيلة إلى إصلاح الدنيا واستقامة أمورها».
فى تلك الفترة كانت الجمعيات الأهلية التى تعمل فى الحقل الاجتماعى كثيرة وعديدة، وانضم إليها عدد من الكتاب والباحثين، فضلاً عن بعض الشخصيات السياسية الشهيرة فى المجتمع، مثل على ماهر، ولم تجد أى مشاركة لسيد قطب فى هذه الجمعيات، لم يكن عضوًا ولا مشاركًا بأى منها.
لكن فى سنة 1942 يظهر قلم سيد قطب على صفحات مجلة «التاج المصرى» وهى لسان حال «المحفل الماسونى الأكبر» ومكتوب على صفحتها الأولى، إنها مجلة «يحررها كبار الماسون»، وكان هو يكتب المقال الافتتاحى لها، وهذا يعنى أنه -آنذاك– كان من كبار كبار الماسون، والذى يعرف سجل وتاريخ الجماعة والتنظيمات الماسونية يدرك أنها هرمية الطابع، بها مراتب ودرجات، وهذا يعنى أن سيد قطب حين ظهر سنة 1942 على صفحات التاج المصرى كان من خلفه تاريخ طويل فى المحفل، متى انضم إليه وكيف؟ وعلى يد مَن؟ هذه كلها تساؤلات بلا إجابة، والسؤال المهم هنا، هل كان اهتمامه بأفكار الإصلاح الاجتماعى مقدمة لدخوله الماسونية أم كانت نتيجة لها، المعروف أن الماسونية كان من بين اهتمامها القيام ببعض الأعمال الاجتماعية والخيرية.
قصة سيد قطب مع الماسونية خفية، هو لم يتحدث مطلقًا عن هذه التجربة، ومن جهة أخرى فإن عمل الماسونية سرى، ومن ثم لن تجد كثيرا عنها، خصوصا أن أرشيف المحافل المصرية تبدد واختفى منذ سنة 1964 حين تم حلها.
ولا تتوقف المفاجآت فى حياة ومسيرة سيد قطب، ففى سنة 1948 سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فى بعثة تعليمية، وكانت هذه البعثة وما زالت مصدر كثير من التساؤلات حتى اليوم، لم يكن سن سيد وقتها –42 سنة– يسمح بمثل هذه البعثة، ولا كانت بعثة تعليمية بحق، من الناحية الرسمية سميت البعثة فى أوراق وزارة المعارف أنها «مهمة ميزانية» وكانت بهدف الاطلاع على المناهج الدراسية وأصول التربية بالولايات المتحدة ولم تكن محددة الوقت، عادة مثل هذه النوعية من البعثات تكون مدتها ثلاثة أشهر وقد تمتد إلى ستة أشهر فقط، لكن بعثة سيد امتدت إلى عامين، وفى رواية د.الطاهر مكى نقلاً عن شقيق غربال أن الأخير هو وإسماعيل القبانى رتبا هذه البعثة لسيد كى يطالع الثقافة الغربية مباشرة، لكنه «لم يكمل البعثة»، والواقع أننا لا نعرف كم كانت مدة البعثة، وهل كانت مفتوحة، أى غير محددة المدة، كان البعثة ممولة من مشروع «النقطة الرابعة» وأثار ذلك المشروع لغطًا كبيرًا فى مصر وبلاد المنقطة العربية وقتها، واعتبره كثيرون مشروع المخابرات الأمريكية.
محمد قطب، شقيق سيد وتلميذه، أطلق أسطورة أن البعثة كانت مرتبة من الحكومة لإبعاد سيد عن مصر، والحكاية عنده أن سيد كان يكتب «ضد الملك والحاشية»، ولذا طلب القصر من الحكومة اعتقال سيد، ولما لم يكن هناك سند قانونى للاعتقال تم إبعاده عن مصر فى البعثة، وما نقطع به أن كتابات سيد قطب لم يكن فيها أى شىء ضد الملك والحاشية، بل كتب تهنئة للملك فى عيد ميلاده، إحدى السنوات، والأهم أن أفكاره فى العداء للشيوعية والتحذير منها، كانت تتسق مع توجه الملك فاروق، ورجال الحاشية، وكانت تتسق كذلك مع المخاوف الأمريكية من انتشار الشيوعية فى مصر، وقد أخذ د.صلاح الخالدى رواية محمد قطب وراح ينفخ فيها، حتى حولها إلى بالون ضخم.
الناقد أحمد عباس صالح، قطع فى مقال له بمجلة الكاتب، بعد القبض على سيد قطب سنة 1965، أن البعثة كانت مرتبة له من قبل المخابرات الأمريكية، وأنه تم تجهيزه كى يسير فى الخط الذى سار فيه طيلة حياته بعد ذلك، واقترب د.الطاهر مكى من هذا الاستنتاج حين ذهب إلى أن البعثة كانت مرتبة من الولايات المتحدة، دون علم سيد قطب نفسه.
الأمر المؤكد أن هذه البعثة، فيها ما يريب، خصوصا أن سيد لم يكن دارسًا للتربية ولا للأصول المناهج، ولم يكن مسؤولاً كبيرًا فى وزارة المعارف، ولم تكن التربية مجال اهتمامه، كان جل اهتمامه بالنقد الأدبى فقط، كان موظفًا بديوان وزارة المعارف.
فى كتابى السابق عن سيد قطب، ذهبت إلى أن البعثة واحدة من ألاعيب الموظفين فى دواوين الوزارة، بعثة وكان طبيعيًّا، بمعايير البيروقراطية المصرية، أن يضعوا واحدًا منهم أو أكثر فيها، وهذا ما يفعله الموظفون بدواوين الوزارات إلى اليوم فى البعثات والسفريات أو الرحلات إلى الخارج، وإلى اليوم لا أستبعد هذا الاستنتاج، لكن هل لنا أن نضيف إليه نفوذ اللوبى الماسونى فى مصر، تحديدًا آنذاك؟ هل لعبت الأصابع الماسونية دورًا فى الدفع به، وهذه الأصابع لم تكن بعيدة عن النفوذ الأمريكى الغربى؟
قرر وهو فى الولايات المتحدة أن يهجر النقد الأدبى نهائيًّا، هكذا بعث إلى أنور المعداوى برسالة يخبره فيها قراره، وعاد مكتفيًا بكتابة المقالات السياسية والاجتماعية، وأخذت نبرة التكفير تعلو لديه، وتظهر فى مقالاته التى جمعها فى كتابه «معركة الإسلام والرأسمالية»، ولم يكن العنوان دقيقًا، كانت المقالات عن معركة الإسلام مع الشيوعية والشيوعيين، وتحدث فيه، عما أسماه «الكتلة الإسلامية» فى مواجهة المعسكرين الشرقى والغربى، ومن يقرأ هذه المقالات يجد إعجابًا خفيًا لديه بالنموذج الأمريكى والرأسمالى، حتى وإن أبدى بعض انتقادات لها فى ظواهر الأشياء.
كان كتاب «العدالة الاجتماعية فى الإسلام» صدر سنة 1948 واستقبله شباب الإخوان باهتمام، ولما عاد سيد من أمريكا اتصلوا به، وصار سيد نفسه صديقًا للحركة وللجماعة، هكذا قال عن نفسه فى جريدة «المصرى».
الغريب أن سيد قطب كان يتحدث عن العدالة الاجتماعية ويندد بالفوارق الطبقية، لكن حين دعا د.طه حسين إلى مجانية التعليم وصارت المجانية مطلبًا عامًّا، لم يبد سيد تحمسًا لها، بل كتب مقالات فى الرسالة، نشر يوم 28 يوليو 1952، انتقد فيه «فوضى المجانية»، كان المقال بعنوان «نقطة البدء» وتناول فيه قضية التعليم والمخاطر التى تحيق بها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.