أمر مهم، لم يحاول أحد توضيحه، فى غمرة رفض وتخوين واتهام المجلس العسكرى ليل نهار، ونسب كل مصيبة إليه، والسعى إلى تأكيد هذا... الغالبية العظمى من الشعب المذعور، تخشى انسحاب المجلس العسكرى من السلطة، متصورين أن هذا يعنى انسحابه من دوره الوطنى، فى حماية الوطن ومنشآته، وتأمين مستقبله، والوصول به إلى بر الأمان، وهذا مفهوم خاطئ تماما، لأن الخلاف ليس على قيام الجيش بدوره الوطنى، ولكن على توليه السلطة العليا فى البلاد، ولكن لو نظرنا إلى الصورة فى حكمه، فسنجد أننا قد عبرنا بالفعل مرحلتين مهمتين من الانتخابات البرلمانية، وبقيت مرحلة واحدة، أيا كانت نتائجها، وهذا يعنى أنه، وبعد شهر واحد سيكون لدينا برلمان منتخب، سواء اتفقنا أو اختلفنا معه، وستكون لدينا سلطة تشريعية مدنية منتخبة، يمكن نقل السلطة إليها، وسيكون على تلك السلطة أن تعيد بناء وإصلاح كل ما دمرته أحداث التحرير، من مبان ومنشآت، من مال الشعب، الذى كان من المفترض أن يستخدم فى التنمية، ولوضع لبنات بناء مستقبل مصر، الذى يكاد يضيع مع الاحتقانات المستمرة والغضب الذى يعمى العيون ويطفئ البصيرة، ويشعل النار فى مالى ومالك ومال مصر كلها، والذين يهللون لهذا، يذكروننى ببعض من عرفتهم، ممن كانوا يثورون على تجاوزات الشرطة مع المتهمين، ثم وعندما سرقت ممتلكاتهم الشخصية، رأيتهم بعينى، وسمعتهم بأذنى وهم يطالبون باستخدام منتهى القسوة مع سارقهم، مهما بلغ مداها، لإجباره على إعادة ما سرقه، لأن الأمر عندئذ اختلف، ووقع الضرر عليه شخصيا، فنسوا كل حديثهم عن الحرية ونبذ العنف، وأيّدوا القهر والوحشية، ما دامت ستعيد إليهم ما فقدوه.... هؤلاء لم يؤمنوا أبدا بالحرية، ولم تكن من أساسيات وجدانهم، لأن الحرية الحقيقية تبدأ عندما تدرك أن الكل حر وعندما تحب لأخيك ما تحبه لنفسك، وتخشى على ممتلكاته، كما تخشى على ممتلكاتك، فما بالك بممتلكاتنا جميعا؟!... ممتلكات الوطن... والشعب... عندما قاتلنا لنستعيد طابا، ربحنا معركتنا القانونية بخريطة قديمة، حسمت الأمر، وأعادت أرضنا لنا.. واليوم أحرقنا خرائط ووثائق نادرة، لا يمكن تعويضها، وقد نخسر الكثير جدا فى المستقبل، لأننا لم نعد نملكها... لو أنكم تصفون ما يحدث بالثورة، ومن فعلوه بالثوّار، فأنا أختلف معكم، وبعد خمس سنوات من الآن سيكتب التاريخ الحقائق الفعلية، ومن عظمة التاريخ أنه لا يجامل أحدا ولا يخشى أحدا، وسيضع كلاً فى مكانه الصحيح... كل شخص... وكل فعل... وسيبقى حتى بعد أن نرحل جميعا، وسيقرؤه أبناؤنا وأحفادنا، وأبناؤهم وأحفادهم، وسيعلم الكل، لماذا تأخّرت مصر فى أن تخطو خطوتها.... إلى الأمام.