أحمد منصور.. أحد الثوار المصريين الذين خرجوا فى يناير الماضى ليقولوا «لا»، لا للنظام الوحشى ولا للاستبداد والديكتاتورية والقمع، ويبدو أن هذا سبب قتله. فى مشهد بات يظهر كأنه تصفية جسدية لكل الشباب الذين شاركوا فى الثورة. استشهد أحمد منصور، الطالب بالفرقة ال4 بقسم الصحافة فى المعهد العالى للإعلام وفنون الاتصال، السبت الماضى، بطلق نارى فى معركة مجلس الوزراء الأخيرة. «يوم فى حياة ثائر.. مذكرات الألم والفرح».. عنوان مقاله بمجلة «المحروسة»، التى وصف فيها أحمد تفاصيل مشاركته فى الثورة، وكيفية اعتقاله فيها. قال منصور فيها إنه بسبب ظروف امتحان له فى ال26 من يناير الماضى، لم يكن بوسعه المشاركة منذ اليوم الأول، واكتفى بمتابعة الأحداث عبر «فيسبوك» و«تويتر» وعبر التليفزيون. قرر أحمد النزول يوم جمعة الغضب 28 يناير، لأنه شعر بضيق شديد مما يحدث للثوار فى التحرير. وقال إنه اضطر إلى الكذب على والده بأنه سيقضى يومين مع صديق له بالمنوفية، ولكنه اتجه بدلا من ذلك إلى صديق له بالهرم عشية جمعة الغضب، وكان يتوقع أنه لن يعود مرة أخرى. وما إن وصل أحمد إلى الميدان حتى اصطدم بأحد الضباط الذى سأله عن المكان الذى يذهب إليه، فاضطر إلى الكذب عليه بقوله إنه سيستقل مواصلة من موقف الأوتوبيس. وهنا بدأت تفاصيل اعتقال أحمد، حيث قال له الضابط إنه لديه من يوصله وأخذه إلى سيارة الترحيلات التى كانت مكتظة بالأشخاص، على حد وصف أحمد. توقفت السيارة فى مكان أشبه بالصحراء، وطلبوا من المعتقلين النزول، وهى اللحظة التى وصفها أحمد بأنها ذكرته بفيلمى «الكرنك» و«إحنا بتوع الأوتوبيس»، وجال ببصره قليلا حتى وجد لافتة كتب عليها «الأمن المركزى بطرة». وضعوا على عينى أحمد عصابة، وبدأ التحقيق معه. وكانت العصابة غير محكمة مما سمح لأحمد برؤية ما تتم كتابته فى المحضر، فوجد أنه كتب عليه «ضمن نشطاء يسعون لقلب نظام الحكم وينتمى إلى جماعات محظورة». وفى منتصف الليل تم الإفراج عنه ومن معه بعد أن بدأ الجيش المصرى ينزل لتأمين الشوارع. «كل ما أفكر فيه يتحول إلى واقع ملموس».. جملة كررها الشهيد أحمد 400 مرة فى كراسة خاصة، يبدو أنه كان يكتبها فى كل مرة يتحقق فيها شىء مما كان يتوقع أحمد حدوثه، ويبدو أيضا أنها كانت أفكارا فظيعة تلك التى كان يفكر بها، جعلته يكتب فى آخر تلك الكراسة -التى حصلت «التحرير» على نسخة منها، بالإضافة إلى مفكرته اليومية- «يا ريتنى ما جبت الكراسة». غلب على مفكرة الشهيد اليومية طابع الحزن والألم والقلق من المستقبل، وهو ما ظهر فى تعليقه على أحداث كنيسة القديسين بالإسكندرية، حيث قال «لم أتأثر من قبل كما تأثرت هذه المرة، فأنا أبكى على حالنا، ومش عارف أذاكر، بجد مخنوق، الصور والفيديوهات بشعة، صور الناس اللى ماتت، كل حاجة فاكرها ومحفورة فى خيالى مش قادر أنساها وأتذكر صور أشلاء الضحايا وصورهم الحقيقية». «إحنا ليه بيحصل لينا كده ولغاية إمتى هيفضل هيحصلنا ده؟».. أسئلة راودت الشهيد كثيرا، ولم يجد لها إجابة لدرجة جعلته يقول: «دماغى هتنفجر من كتر الأسئلة، أنا بجد متضايق، مين اللى ورا ده، مين ليه مصلحة فى ده، بجد كفاية كفاية. مهما قلت مش هاعبر عن اللى جوايا». وفى قلب مذكرة الشهيد أحمد منصور، بين سطور خواطره، كان مربعان دائما الوجود، أحدهما يحتوى على كلمة «ارحل»، فى إشارة إلى رحيل حسنى مبارك، وآخر يحتوى على «التحرير» ميدان الثورة المصرية. أحمد كان يتمنى تحقيق عدة أهداف أساسية وثانوية قبل انتهاء 2011، ضمن الأساسية أن يتخرج فى كلية الإعلام بتقدير جيد جدا، وأن يعمل بصحيفة «المصرى اليوم» ويتحدث الإنجليزية بطلاقة. أما الثانوية، فتمنى فيها استضافته فى برنامج «العاشرة مساء»، ولم يكن يعلم حينها أنه سيكون حديث البرامج والصحف، لأنه أصبح ضمن شهداء تحرير مصر.