السيدة البدينة الشرهة التى تنفق تسعة أعشار دخل أسرتها على مجالس الأُنس والفرفشة، والملابس الفاخرة، والإكسسوارات الغالية التى ترتديها، لا يحق لها أن تلوم أبناء زوجها الراحل اليتامى الغلابة، أصحاب الحق الأصيل فى ميراث أبيهم، وأن تعايرهم طوال الوقت بأنهم يسرفون فى التهام الخبز الجاف، والطعمية المقلية فى الزيت المحروق، ويكثرون من احتساء الشاى الأسود! تفعل تلك السيدة هذا وهى تُقسِم لجيرانها ومعارفها بأنها لا تمتلك عصا سحرية لتنتشلهم من فقرهم المدقع! بجد عيب عليها. كالعادة قبل مجىء كل رئيس، تتعالى صيحات محبيه وأنصاره، أصحاب المصالح، فى الصحف والفضائيات وعلى وسائط التواصل الاجتماعى، لتخبرنا أن رئيس مصر القادم لا يمتلك عصا سحرية لكى يحقق بها مطالب الجماهير. لهؤلاء السادة نقول إن كل البلاد التى عانت من الفساد، والتوجهات الاقتصادية المغلوطة التى كانت تنحاز للمحاسيب ورجال الأعمال وتستبعد الفقراء من حساباتها، نهضت فى أوقات قصيرة نسبيًّا عندما تولى أمرها قادة أعلنوا بوضوح توجهاتهم الاجتماعية، وامتلكوا الإرادة لتنفيذ برامجهم السياسية التى حققت لبلادهم تنمية مستدامة تذهب عوائدها لصالح السواد الأعظم من شعوب بلادهم. حدث ذلك ببساطة عندما أخذت تلك القيادت على عاتقها تنفيذ ما يلى كجزء من روشتة إصلاح لا تعتمد على السحر والخوارق: 1- إخضاع جميع المؤسسات للقانون فى ظل شفافية لا يمكن أن تنجح المحاسبة إلا فى وجودها. 2- التوقف عن دعم رجال الأعمال وتدليلهم بعد أن تبين، حتى للبلهاء، فشل النظرية التى تزعم أن الثروات التى تصبها الدولة بلا ضوابط فى خزائن المستثمرين، ستفيض على الغلابة وينالهم منها نصيب عندما تمتلئ جيوب أولئك المنتفعين عن آخرها فيسيل منها الخير الوفير على الأرصفة! هذه نظرية باطلة صدّرها اللصوص للخونة، أو لضعاف العقول، ولا يوجد دليل واحد على نجاحها على مدار التاريخ. هذه النظرية بكل أسف لم تسهم فى صناعة تنمية تقلل معدلات البطالة، أو تحقق لنا القليل من الرخاء على مدار عقود تم خلالها نهب خيرات الوطن، ولم يستفِد منها سوى رجال الأعمال الانتهازيين، ورجال الإدارة العليا الفاسدين بتحقيق عمولات وثروات طفيلية هائلة. الرأسمالية الغربية التى صنعت تقدم بلادها لا تعمل وفقًا لهذه النظرية المعطوبة. لأن الإفراط فى تقديم التسهيلات والتنازلات يجتذب المغامرين والأفاقين، ولا يجتذب رؤوس الأموال الجادة التى تسعى لإقامة مشروعات تنموية ناجحة تندرج فى إطار خطة شاملة متكاملة، تصحح مسارها الشفافية والخضوع للقانون بلا استثناءات. رأس المال الجاد يعرف أن المتساهل سيطلب ثمن تفريطه، ولا يشك لحظة فى أن الإدارة الفاسدة ستعيق نجاح استثماراته وتهدرها عند أول بادرة، لرفضه الخضوع لابتزازها فى مناخ تنقصه الشفافية والعدالة القانونية الناجزة. اللصوص فقط هم الذين يرحبون بالعمل فى أجواء تملؤها تلك الرائحة. 3- الأمن الذى يقوم على العدل والكرامة، لا على البطش وإهدار الإنسانية هو الركيزة الأولى لتحقيق الاستقرار فى دولة ديمقراطية تحترم القانون. 4- ترشيد الإنفاق الحكومى وضغط النفقات يبدأ بقص أظافر الكبار، وكبح جماح شهواتهم بقوانين وقرارات تحقق العدالة وتمنع الامتيازات الخرافية التى تصنع طبقة إقطاعية فى مناصب الإدارة العليا، تحصل على ما لا تستحق، وتوجه اللوم دائمًا إلى الفقير لأنه يحتسى كوب الشاى فى الصباح بثلاث ملاعق من السكر! هذه هى بعض ملامح العصا السحرية التى يمكنها أن تغير كل شىء، والتى لا نطلب من حاملها أن يلوّح بها فى الطريق قائلًا كلمته السحرية آبراكادابرا لكى تنبعث النجوم من حولها ويتغير واقعنا فى غمضة عين. هى بالفعل عصا سحرية لكنها ليست خيالية. إنها موجودة أمامنا تنتظر اليد التى ستمسك بها لكى تصنع معه الغد الأفضل خطوة بعد أخرى، لكنها تتطلب منه، أول ما تتطلب، أن يكون صادقًا ومؤمنًا بما هو مقدم عليه، وأن يرفض بوضوح أن يصبح صنيعة أو ألعوبة فى يد رجال الأعمال، وحراس الدولة العفنة القديمة. ليتك أيها الرئيس القادم لا تكن مثل تلك السيدة البدينة المفرطة فى زينتها التى تجوع أبناء زوجها اليتامى، وتعيرهم بأنهم يسرفون فى التهام الخبز واحتساء الشاى، وتخبرهم طوال الوقت بأنها لا تملك عصا سحرية لتبدل حياتهم، بينما هى فى واقع الأمر تحتاج إلى خيرزانة نلسعها بها على مؤخرتها السمينة كلما حادت عن الطريق القويم، وكلما خطر لها أن تعيرنا بفقرنا الذى لا حيلة لنا فى تجنبه، ولا قدرة لنا على احتماله، وهى تمسك بيدها البضّة مفاتيح الكرار، والقرار. هذه هى عصاك السحرية فأرنا ماذا ستفعل بها؟