أسعار الأسماك والخضروات والدواجن.. اليوم 8 ديسمبر    ترامب يعرب عن خيبة أمله لأن زيلينسكي لم يطلع على مقترحه للسلام    مقتل جندى تايلاندى وإصابة آخرين فى اشتباكات حدودية مع كمبوديا    نتنياهو: مفاوضات جنوب سوريا تتواصل مع الحفاظ على المصالح الإسرائيلية    ملفات ساخنة وأحداث مُشتعلة فى تغطية خاصة لليوم السابع.. فيديو    ماسك يشبّه الاتحاد الأوروبي بألمانيا النازية    «قد تفكك الجيش».. إعلام إسرائيلي: تصاعد الأزمة بين كاتس وزامير    الحرس الثوري الإيراني: أي عدوان إسرائيلي جديد سيواجه برد أشد وأكثر قسوة    ميلوني تؤكد لزيلينسكي استمرار الدعم قبيل محادثات لندن    "من يريد تصفية حسابات معي فليقبض عليّ أنا" ..لماذا تعتقل "مليشيا السيسى "شقيق مذيعة في قناة تابعة للمخابرات !؟    حبس عاطل لقيامه بسرقة وحدة تكييف خارجية لأحد الأشخاص بالبساتين    لميس الحديدي: قصة اللاعب يوسف لا يجب أن تنتهي بعقاب الصغار فقط.. هناك مسئولية إدارية كبرى    شئون البيئة: سوف نقدم دعمًا ماديًا لمصانع التبريد والتكييف في مصر خلال السنوات القادمة    الرئيس التشيكي: قد يضطر الناتو لإسقاط الطائرات والمسيرات الروسية    "قطرة ندى" للشاعر محمد زناتي يفوز بجائزة أفضل عرض في مهرجان مصر الدولي لمسرح العرائس    بعد رحيله، من هو الفنان سعيد مختار؟    ترتيب الدوري الإسباني.. برشلونة يتفوق على ريال مدريد ب4 نقاط    مجموعة التنمية الصناعية IDG تطلق مجمع صناعي جديد e2 New October بمدينة أكتوبر الجديدة    كأس العرب - بن رمضان: لعبنا المباراة كأنها نهائي.. ونعتذر للشعب التونسي    أوندا ثيرو: ميليتاو قد يغيب 3 أشهر بعد الإصابة ضد سيلتا فيجو    إبراهيم حسن: محمد صلاح سيعود أقوى وسيصنع التاريخ بحصد كأس أمم إفريقيا    أشرف صبحي: قرارات الوزارة النهائية بشأن حالة اللاعب يوسف ستكون مرتبطة بتحقيقات النيابة    لاعب الزمالك السابق: خوان بيزيرا «بتاع لقطة»    هل تقدم أحد المستثمرين بطلب لشراء أرض الزمالك بأكتوبر؟ وزير الإسكان يجيب    وزير الإسكان يعلن موعد انتهاء أزمة أرض الزمالك.. وحقيقة عروض المستثمرين    بدون محصل.. 9 طرق لسداد فاتورة كهرباء شهر ديسمبر 2025    استكمال محاكمة سارة خليفة في قضية المخدرات الكبرى.. اليوم    وزير الزراعة: القطاع الخاص يتولى تشغيل حديقة الحيوان.. وافتتاحها للجمهور قبل نهاية العام    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    ياهو اليابانية.. والحكومة المصرية    غرفة عقل العويط    «القومية للتوزيع» الشاحن الحصري لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2026    رئيس "قصور الثقافة": السوشيال ميديا قلّلت الإقبال.. وأطلقنا 4 منصات وتطبيقًا لاكتشاف المواهب    كم عدد المصابين بالإنفلونزا الموسمية؟ مستشار الرئيس يجيب (فيديو)    مستشار الرئيس للصحة: نرصد جميع الفيروسات.. وأغلب الحالات إنفلونزا موسمية    كيف يؤثر النوم المتقطع على صحتك يوميًا؟    اليوم.. المصريون بالخارج يصوتون فى ال 30 دائرة المُلغاة    وزير الأوقاف يحيل مجموعة من المخالفات إلى التحقيق العاجل ويوجه بتشديد الرقابة ومضاعفة الحوكمة    أحمد موسى يكشف أزمة 350 أستاذا جامعيا لم يتسلموا وحداتهم السكنية منذ 2018    وائل القبانى ينتقد تصريحات أيمن الرمادى بشأن فيريرا    أمن مطروح يفك لغز العثور على سيارة متفحمة بمنطقة الأندلسية    حاتم صلاح ل صاحبة السعادة: شهر العسل كان أداء عمرة.. وشفنا قرود حرامية فى بالى    الموسيقار حسن شرارة: ثروت عكاشة ووالدي وراء تكويني الموسيقي    أحمد موسى: "مينفعش واحد بتلاتة صاغ يبوظ اقتصاد مصر"    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    تعرف على شروط إعادة تدوير واستخدام العبوات الفارغة وفقاً للقانون    عاشر جثتها.. حبس عاطل أنهى حياة فتاة دافعت عن شرفها بحدائق القبة    تجديد حبس شاب لاتهامه بمعاشرة نجلة زوجته بحلوان    حياة كريمة.. قافلة طبية مجانية لخدمة أهالى قرية السيد خليل بكفر الشيخ    الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم تشمل فهم المعاني وتفسير الآيات    كشف ملابسات فيديو عن إجبار سائقين على المشاركة في حملة أمنية بكفر الدوار    إضافة 4 أسرة عناية مركزة بمستشفى الصدر بإمبابة    الجامعة البريطانية بمصر تشارك في مؤتمر الطاقة الخضراء والاستدامة بأذربيجان    اختبار 87 متسابقًا بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن بحضور الطاروطي.. صور    باحث يرصد 10 معلومات عن التنظيم الدولى للإخوان بعد إدراجه على قوائم الإرهاب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 7-12-2025 في محافظة الأقصر    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    الطفولة المفقودة والنضج الزائف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في العدد 1000.. حوار مع «الأستاذ» هيكل
نشر في التحرير يوم 29 - 03 - 2014

السلطة باستمرار تُخفى المعلومات.. والصحفى عليه دومًا أن يبحث عنها.. فهذا صراع مستمر هيكل أول من حصل على جائزة نقابة الصحفيين لمدة 3 مرات متتالية فى الأربعينيات ثم طلب منه مجلس النقابة عدم الاشتراك ليمنح الفرصة لآخرين وهو يقودنا بلطف وكرم إلى باب مكتبه مودعًا بعد 45 دقيقة ثمينة منتزعة من عمر التاريخ والصحافة والزمن، توقف فجأة برشاقة معهودة أمام الجدار الذى تستكين فيه نحو 80 صورة فى إطارات سوداء أنيقة تختصر أيامًا ومواقف وأجيالًا وأزمنة رحبة وصعبة. التفت إلينا ليتأكد من أن الكل يتابعه- ومن ذا الذى يستطيع أن يفعل عكس ذلك أصلًا؟!- قبل أن يشير إلى صورة له تعود إلى سنوات الخمسينيات يجلس فيها على مكتب رئيس تحرير «الأهرام» قائلًا بروح لا تفارقها الدعابة أبدًا: «ده رئيس تحرير الأهرام السابق»، ثم يشير إلى الصورة المجاورة ويظهر فيها عبد الناصر وهو يجلس «وقورًا» دون أن تختفى ابتسامته على نفس المقعد، ثم إلى صورة ثالثة يجلس فيها السادات على ذات المقعد بطريقة مرحة توحى بأنه «يجربه». تتسع ابتسامته وهو ينظر إلينا بعين لم تفقد الشغف ولا روح التقصى قط، قائلًا بفخر: «هذه هى قيمة الصحافة.. حتى الرؤساء يحبون أن يجلسوا على مقعد رئيس التحرير». لكن هل كان عبد الناصر والسادات يريدان الجلوس على مقعد رئيس تحرير «الأهرام» أم على مقعد محمد حسنين هيكل؟ للأسف لم يسمح لنا «الأسانسير» الذى وصل مسرعًا إلى الطابق الرابع بأن نطرح هذا السؤال على الأستاذ. لكننا قضينا خمسًا وأربعين دقيقة، بألف مما تعدُّون، فى حضرة هيكل بمكتبه المطل على نيل القاهرة، وقد قررنا أن نكافئ أنفسنا بلقاء- لا حوار- عن الصحافة- لا السياسة- مع الأستاذ بعد 1000 يوم من العمل اليومى المرهق فى «التحرير»، وكانت الأسئلة تتسابق وتتشابك، والإجابات التى تدخلك عوالم رحبة من المعرفة والدهشة دومًا حاضرة. كنا ندرك نحن الضيوف الستة محمد فوزى ونانسى حبيب وأحمد عليمى ومصطفى شحاتة ومحمد قنديل ومحمد هشام عبيه فى حضرة الأستاذ أهمية الوقت مع رجل من صناع الأزمنة والتاريخ. لذا بدأ رئيس التحرير التنفيذى إبراهيم منصور- الذى استخدم «سيف المحبة» لتحديد موعد هذا اللقاء بحسب تعبير الأستاذ- بالسؤال عن التحديات الرئيسية التى تواجه الصحافة المصرية الآن. فتدفق الأستاذ هيكل متحدثًا: «قبل أن أسأل عن الصحافة أسأل عن البلد وعن الإقليم. نحن فى هذه اللحظة عند مفترق طرق، لا أحد يستطيع أن يرى بالضبط ما هو قادم ولا كيف ستسير الأمور فى ظروف وتحديات وعالم كله يتغير. مشكلة الصحافة بالدرجة الأولى ليست فقط فى المهنة، وإنما فى أنها مهنة معنية بأحوال العالم، مهمتنا أن نغطى وأن نتابع وإذا كانت الصورة التى أمامنا بهذا الشكل فنحن أمام مشكلة حقيقية». يفتح الأستاذ الباب أمامنا إذن، أمام السعى لتشريح الحالة الصحفية المصرية الآنية، فنسأل «إذا كانت مهمتنا أن نتابع فالملاحظ فى هذه الفترة أن الصحفى يتدخل بشكل مغاير للمهنة مع صانع القرار، وأصبح الصحفى هو الذى يضع ويؤثر فى صنع القرار». يتحفظ الأستاذ هنا ليقول «أخشى أنك تخلط بين حالتين.. الآن نحن أمام حالة وجود فراغ يسمح لكل شخص بالتدخل. وبالتالى ما تراه من تداخل الصحفى مع صانع القرار هو من عوارض أحوال الفراغ، لكنها ليست أحوالا دائمة.. هذه أحوال لحظة. قد يحدث بعد استقرار الأمور أن يكون دور الصحافة أكبر مما نتصور، لكنْ هناك سؤال آخر عن تأثير صانع القرار فى الصحافة. نحن نتحدث عن علاقة جدلية بين السلطة والصحافة فأى سلطة وأى صحافة؟ هناك تداخل كبير جدًّا بين الاثنتين. نحن فى لحظة انتقال كبيرة جدًّا لا يستطيع أحد أن يوصِّفها ونحن أيضًا فى لحظة انتقال متعلقة بالإعلام نفسه ووسائله المختلفة وسلطته وتأثيره واختلاطه بالبلد وظروفه نفسها. دورك المستمر أن تتابع ما يجرى. بالأساس لديك ثلاثة أدوار: أن تتابع ما يجرى وأن تحلله إذا استطعت وأن تعلق عليه إذا تمكنت. وهذه المهام الثلاث هى مهمتك طول الوقت، سواء فى وقت أزمة أو فى عدم وجود أزمة. لكن المشكلة أنك تنقل الأخبار عن واقع موجود، فإذا كان الموجود عاصفًا بهذه الطريقة فلا يوجد لديك إلا أن تبذل كل جهدك. لكن فى عالم الصحافة الورقية أنت فى وسيلة متعَبة ومتعِبة وفى أزمة، وفى ظروف انتقال تمس كل الأوضاع وكل المؤسسات، وأنت الرابط بين القارئ أو الرأى العام وصانع القرار، وأنت تغطى كل ما هو موجود فى ساحة مضطربة داخليا وخارجيا. وليس أمامك فى وسط كل هذه الظروف إلا أن تتابع، لكن مطلوب منك فى أوقات الأزمة أن تتنبه أكثر لأنك إذا كنت تغطى فى ظروف عادية فيمكن تحمُّل الخطأ، أما فى ظروف الأزمة التى نعيشها فيمكن أن نجر الناس إلى حالة من التيه لن يتحملها أحد. نستفسر «لكن الانتقاد الموجه إلى الصحافة الآن أنها أصبحت تتبنى لغة خطاب واحدة، وهذه ليست طبيعة وسائل الإعلام حتى ولو فى الحالة التى نعيشها الآن». التفسير الممنطق جاهز عند الأستاذ هيكل «لأنك فى وقت أزمة.. طبيعة الأمور باستمرار أنه فى أوقات الأزمات لا توجد حلول وسط، والمجال غير مفتوح إلا للمواقف الحادة والظاهرة والقاطعة. وبالتالى قد يظهر لك وجود معسكرين أو ثلاثة، لأنك فى وقت أزمة والاستقطاب فى أوقات الأزمات يكون مستحكمًا». ولا يستطيع أحد أن يتنبه إلى ما ستنتهى إليه الأمور. فى هذه الظروف نحن أمام أسئلة بلا أجوبة كاملة وبدايات بلا نهايات محددة. فى المجال العلمى القوانين مفهومة ومعروفة، أما فى المجال الاجتماعى فأنت أمام تغيير كبير فى الدنيا كلها. ينتقل الحديث إلى نقطة متصلة «البعض يرى أن الصحفى فى مصر لديه أزمة نقص المعلومات بسبب عدم تداول المعلومات، وهذا يؤثر على ما يكتبه». يحسم الأستاذ هيكل القول: «لم تكن هناك أبدًا فى أى وقت سلطة حريصة على إتاحة المعلومات للناس. فكرة تداول المعلومات هى قضية بحاجة إلى نقاش كبير بين الصحفيين، لأنه من طبيعة السلطة باستمرار أن تخفى المعلومات وطبيعتك أنت كصحفى أن تبحث عنها. هنا أصبح لدينا صراع إذا قصرت فيه، فهذه مسؤوليتك وتعنى أن قدرتك على الوصول ليست كافية وقدرتك على الرصد ليست كافية، لكن إذا تصور أحد أن المعلومات موجودة فهو خاطئ. المعلومات موجودة لمن يبحث عنها وهذا موجود فى العالم كله». نعود لنسأل: فى الظرف الحالى هناك من يتحدث عن أن الأمن القومى يعلو أى شىء آخر حتى فكرة حرية الفرد أو حرية نقل العلومة للقارئ. هل يرى الأستاذ أننا فى ظرف تاريخى يحتم ذلك؟ يرد الأستاذ بخبرة مَن لامس صنع القرار فى عهود عدة: «القضية أولا أنك لا بد أن تحدد ما الأمن القومى. لأنى أتصور أن البعض ليس لديه فكرة عما هو الأمن القومى ومقتضياته، ويحمِّلون الأمن القومى فوق ما يحتمل. البعض يتعامل مع أشياء على أنها أسرار، وهى ليست كذلك. حين تقول لى إننا فى زمن يتجسس فيه الأمريكان فى مصر ب120 مليون تسجيل خلال أربعة أشهر، هل يمكن أن تقول بعد ذلك أن هناك أشياء هى أمن قومى؟! إذا كانت كل مكالمة لديك فى الداخل مرصودة، فأين هو الأمن القومى؟ فى العالم الثالث كله لا يوجد لديك إلا نميمة، أما الحديث عن كونها أسرارًا فهذا أمر آخر. كل شىء مرصود بأقمار صناعية ووسائل تنصت. أنت فى حاجة إلى إعادة تعريف الأمن القومى، والوسائل التى يمكن أن تهدده. واقع الأمر أنك لا تواجه أمنًا قوميًّا وإنما تواجه سلطة تتذرع بالأمن القومى لكى تخفى أشياء، وعليك أنت هنا أن تقدر. بعض الأشياء قد تطلبها السلطة منك بدعوى الأمن القومى، لكنك قد ترى أن تستجيب لها فهناك اعتبارات كثيرة، لكن أعتقد أن الادعاء بالأمن القومى مبالغ فيه جدًّا. وتعريف مصطلح الأمن القومى مسؤولية مجتمع، ويحدده الجغرافيا والتاريخ بالدرجة الأولى. هناك مصادر تهديد موجودة على أرض وإذا قلت لى (أمن قومى) فلا بد أن تقول لى مصادر التهديد، وعليك هنا أن تشير إليها عينًا، لا أن تقول مصادر تهديد فى الهواء المطلق». ولأننا سعينا فى بدايات تجربة «التحرير» إلى أن نقدم للقارئ القصة الخبرية كما تظهر فى الصحف الغربية فنسأل عن الخدمة الصحفية المختلفة التى يجب أن نقدمها للقارئ فى عصر المعلومات المتاحة طوال الوقت. يسجل الأستاذ هيكل اعتراضه أولًا على مصطلح الخدمة قائلا: «نحن نقدم سلعة، لا خدمة. الخدمة بها معنى التطوع ونحن نقدم مهمة أو وظيفة أو دورًا، ونتقاضى عنه أجرًا. ثم إنه لا يوجد شىء اسمه قصة خبرية بالصحافة الغربية وأخرى قصة خبرية للصحافة الشرقية. هناك دومًا قصة خبرية، ولكن الموضوع يتعلق بالكفاءة. نحن هنا نختصر الأمور. كل الصحف اليوم لا تزال تصدر وبها كل الأخبار التى عرفناها بالأمس. أليس محزنًا للصحافة أنه فى السنوات السابقة كانت الوكالات تنقل ماذا قالت الصحافة، والآن تنقل الصحف ماذا تقول الوكالات؟». فى هذا العصر الجديد.. ما الذى يجب على الصحفى أن يهتم به؟ نسأل والأستاذ هيكل جاهز دومًا بالإجابة الحاسمة. يتدفق الأستاذ هيكل مجدَّدًا: «نحن نعمل فى صحيفة. وعليه فأنت تهتم بكل ما يمكن أن يتطلع إليه القارئ. لا توجد وصفة سحرية. أنت مطالب باستمرار أن تقدم كل جديد. فى الصحف الإنجليزية الأسبوع الماضى، الخبر المهم هناك الآن عمره 3 آلاف سنة. مومياء مصرية وهم يضعونها تحت أحد أجهزة الأشعة اكتشفوا وجود (وشم) فى جسدها، وهو ما يعنى أن وراء ذلك قصة غرامية. ماذا يعنى ذلك؟ يعنى أن كل ما هو جديد يشكل خبرًا حتى ولو كان عمره آلاف السنوات. الخبر ليس ظاهر الحدث، وإنما الخبر هو ما يجرى داخل الحدث، وكيف تقدمه. كنت أقول دوما لزملائى فى ديسك (الأهرام): (أول عنوان يخطر على بالك ضعه فى سلة المهملات، وحاول أن تفكر باستمرار فى عنوان أكثر جاذبية). ليس هناك قاعدة ذهبية لأداء الأشياء (وإلا كانت تبقى سهلة) وضاع الابتكار. المسألة هى أنه كيف تكون أنت موجودًا فى الخبر وهو يمر من خلالك للقارئ». لكن كيف يرى الأستاذ مهنية وأخلاقية التسريبات التى ظهرت فى الصحافة المصرية فى سنوات التقلبات والارتباك التى نعيشها؟ يحرك الأستاذ يديه مستحسنًا السؤال قبل أن يقول: «أنتم تلمسون قضية مهمة، وهى الأخلاقيات. مجموعة قواعد السلوك التى نلتزم بها. أحد رؤساء الوزراء البريطانيين السابقين رفض الاطلاع على وثائق سرية، لأن (الجنتلمان) لا يجب أن يرى أسرار الآخرين. لكنى مستعد لتقبل التسريبات فى ظروف استثنائية، لأنها قد تقول أكثر مما يريد القائل أن يقوله. وقد يكون لا يريد أن يقول أشياء بعينها، لكن التسريبات هى الدالة على ذلك. فى الظروف الاستثنائية لا أستطيع أن أطبق قواعد السلوك التى يمكن أن تنطبق فى الظروف العادية. هذا تقديرى. نحن نعيش فى المنطقة فى ظل أوضاع سياسية ملتوية، وكثير من الأشياء تخفى عن الناس. نحن فى العالم العربى نعيش فى أكاذيب. وإذا كان التسريب يساعد على قول الحقيقة فلا أستطيع أن أقول لا. لكن لا أستطيع اعتماد ذلك كقاعدة للسلوك. هو استثناء فى لحظة استثنائية». غادر الأستاذ هيكل لقب رئيس التحرير منذ أكثر من أربعين عامًا، لكن اللقب لم يغادره قطعًا، ما منهجه إذن إذا أصبح اليوم رئيسًا لتحرير صحيفة يومية؟ يبتسم الأستاذ هيكل بلطف قبل أن يجيب: «نحن فى مهنة الصحافة لثلاثة أسباب، لا أربعة.. أن تعلم قارئك، أنت تحاول أن تعلمه، وأن تقدم له ثقافة وترفيهًا. والترفيه ليس معناه أن تتحول إلى بهلوان بالطبع. وهكذا إذا أردت أن تكون رئيس تحرير يجب أن تضع هذه الاعتبارات الثلاثة أمامك باستمرار. ذات يوم كنت أزور صحيفة (ديلى تليجراف) فى لندن، وحضرت اجتماع التحرير الصباحى. فقال لى رئيس التحرير (ماكس هستينجز Max Hastings): إن الأسبوع الماضى جاءهم ضيفًا رئيسُ تحرير (واشنطن بوست)، فأصبح يومها (Guest editor) رئيس التحرير الضيف، وطلب منى (ماكس) أن أكون رئيس التحرير الضيف للجريدة فى هذا اليوم، فاعتذرت قائلا له: إنى لم أعُد أحرر الصحف منذ 30 عامًا، وهناك وسائل تغيرت، أنا مستعد أن أكون معك co -editor مساعدًا لرئيس التحرير. وجلست أتابع دورة العمل. تغيرت الوسائل قطعًا. لكن الثلاثة أسباب التى قلت لكم عنها فى السابق لم تتغير». ورغم الاتفاق بأن الحديث سيكون خاليًا من السياسة، فإن سؤالا عن أزمة سهد النهضة، يستعصى على المقاومة فى حضرة هيكل، يستوقفنا الأستاذ قائلا «اتفاقُنا.. لا أسئلة فى السياسة». لكنه بتواضع مدهش،
يجيب عن السؤال مشترطًا عدم النشر. الأستاذ يعطى درسًا فى المهنة بهدوء وبساطة. وبذكر المهنة، كان من الصعب أن لا نسأل عن مستقبل «مؤسسة هيكل للصحافة» التى بشَّرت بتأهيل عالمى للصحفيين المصريين ثم توقفت.. ألا يوجد أمل فى أن تعود مجددًا؟ يقول الأستاذ: «المؤسسة توقفت لعدة أسباب. قد يدهشكم أننا صرفنا على الدورات التى قدمتها المؤسسة 5 ملايين جنيه وأرسلنا صحفيين فى دورة دراسية كاملة ب(أكسفورد) تكلف الواحد منهم 60 ألف دولار. لكن ذلك ليس هو الموضوع. الموضوع هو أن بعض الشباب اعتبروا المحاضرات التى يتلقونها فى الدورات مؤتمرًا صحفيًّا. وعندما جاء سيمور هيرش ليلقى محاضرة، تحول هدف الصحفيين المشاركين فى المحاضرة من التعلم من سيمور هرش إلى محاولة الفوز منه بتصريح أو بحوار للجريدة التى يعملون بها. والغرض من محاضرة سيمور هرش كان التعلم وليس الفوز بتصريح منه. هذا رجل من الصعب أن يأتى ليلقى محاضرة فى مصر بالأساس. ومع ذلك استمرت المؤسسة، لكن عند حضور الضيف رقم 26 وهو (اللورد ديفيد أوين) وزير خارجية إنجلترا سنة 1973، وكان المفترض أن يتحدث عن العلاقة بين الصحافة والدبلوماسية وكيفية كتابة التقارير الخارجية، وخلال محاضرته، سأل أحد المشاركين سؤالا عن (نصر أكتوبر)، فرد (اللورد أوين): وهل تظن أن مصر انتصرت فى حرب أكتوبر؟ فتحولت المحاضرة إلى مظاهرة، وتعرضت المؤسسة وتعرضت أنا شخصيا إلى هجوم متتال، فقررت وقف نشاط المؤسسة. لكن الوقفية موجودة. وحقيقة منذ البداية كنت أريد أن يتم تفعيل الوقفية فى مرحلة ما بعد هيكل».

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.