يتكرر السؤال كل يوم: ماذا نريد فى الخطوة القادمة؟ العودة إلى الوراء؟ أم صنع مستقبل نعبر فيه من الاستبداد إلى الديمقراطية؟ الخوف لا يصلح أن يكون أساس الإجابة عن السؤال/ وليس أساس إعادة بناء «نظام جديد».. المستقبل لا يُبنى بعيدًا عن الماضى/ ولا فى اتجاهه أيضًا/ المستقبل تبنيه إرادة الهستيريا فى مواجهة الجنون.. الإخوان يحفرون تحت أقدامهم بإعادة تكتيكات مستهلكة.. ولا يتبقى منهم سوى «تماحيك» تصور لهم فى لحظة أنهم سيصنعون مستقبلهم بالبكائيات، أو بمحو ذاكرة «السلطوية الشرسة» التى مارسوا فيها إقصاء/ وأعادوا بها «الشعب» إلى أحضان دولة ظلمتْه وثار عليها. الجماعة ليس لديها القدرة على الخروج من أَسْر خرافتها/ أو مواجهة جمهورها/ لكنها ما زالت تتعامل معهم على أنهم «زبائن»، ولا بضاعة تبيعها الجماعة لهم إلا الوهم والمظلومية. وفى المواجهة يتقدم السلفيون ليحتلوا مكان الإخوان فى هندسة السلطة/ ولأنهم ليسوا تنظيمًا/ والسياسة بالنسبة إليهم «دكان بيع الهوية» فإنهم أقل خطرًا على السلطة/ أكثر خطرًا على المجتمع/ فهم حلفاء الجالس على الكرسى/ يبررون له، وباسم الدين/ بينما يبتزون باسم الدين المجتمعَ فى تغطيةٍ على معارك اجتماعية وسياسية وحقوق وحريات بنزوع هوياتى يمنح السند للإرهاب. وفى مقابِلِه هناك النزوع الفاشى لدى قطاعات اجتماعية تشعر بالتهديد/ وتقفز على الخوف بصيحات «افْرُم يا سيسى...»/ ولأن الفاشية ابنة الإنجاز، لا الخيبة/ فإنها مجرد نزوع يحقق بعض الحضور لقوى تقليدية تريد أن ينتصر لها البطل الشعبى فى معاركها. النزوع للفاشية المتخيلة تسحب الواقع إلى مناطق الضباب.. وتضع «شعبية» السيسى فى مواجهة بناء نظام ديمقراطى. هذه المواجهة.. ليس المهم فيها اختيار السيسى/ ولكن قطع الطريق على استكمال مسار إعادة البناء.. ليصبح مجرد إصلاح أو ترميم (تنكيس) لنظام.. وتردُّد السيسى فى إعلان الترشح ليس حكمة سياسية أو فطنة مسبقة، لكنها محاولات ضمان لأنْ تكون نسبة نجاحه تقترب من الإجماع.. لأن هذا قرين الإذعان أو إعلان الولاء أو ما يسمى «مبايعة» وهى أسلوب الحكم الذى استُدعى من عصور الدولة الأموية وما بعدها. ليس فى الديمقراطية بيعة/ ولا يُنتخب رئيس بتفويض شعبى/ وهكذا فالمطلوب من ترشيح السيسى عند من يريدون مبايعته هو استغلال شعبيته لتتجمع صفوفهم حوله. ولأنهم ورثة دولة أمنية فاشلة وعصابات فساد أكلت بأنانيتها الدولة، فإنهم بدون خطاب سياسى ولا رؤية للمستقبل.. وكل مهارتهم اللعب على غريزة الخوف لتخرج الجماهير تطلب منقذها. هناك قطاعات شعبية أخرى ترى السيسى حلًّا/ لأنها تنتظر مخلِّصًا أو منقذًا لديه الحل السحرى للخروج من النفق/ وهو حِمْلٌ فوق قدرة شخص بمفرده/ فالدولة لا تحتاج إلى أبطال/ ولا البطل قادرٌ على صنع المعجزات. مصر تحتاج الآن إلى مؤسسات ودولة، لا إلى بطل ولا منقذ ولا مخلص.... تحتاج إلى إرادة بناء حقيقية وشراكة من القوى السياسية والاجتماعية التى لها مصلحة فى التغيير، لا فى «الترميم» ولا فى «الرمرمة» بتجميع نفايات الاستبداد والفساد ليتحلقوا حول بطل له شعبية يورطونه ويورطون البلد كلها فيه.... ويدفعونها إلى كارثة لا إفاقة منها. فليس المهم من سيترشح.. المهم كيف؟ بأىِّ جهاز سيحكم السيسى؟ هل سيحكم بالأجهزة الأمنية؟ أم بتكوينات سياسية جديدة؟ وهل سيبنى سلطة أم سيبنى نظامًا؟ هذه أسئلة تتعلق ببناء النظام.. إذا ترشح السيسى أو غيره. أما حفلات الغلوشة الكبرى التى تقيم الجدل حول الترشح من عدمه/ فإنها خطر ليس على الرئاسة فقط، ولكن على السيسى نفسه، فهذه هى المرة الأولى التى يثار فيها جدل على «صاحب شعبية» قبل أن يتمكن من السلطة/ وعبد الناصر نفسه لم يتقدم إلا بعد سنتين من طرد الملك/ ولم يقف فى البداية ضد الديمقراطية، وبدا بعيدًا عن ترتيب مظاهرات تهتف بسقوط الديمقراطية. باختصار، وكما سألت من قبل: هل يريدون السيسى رئيسًا أم ديكتاتورًا يحمى مصالحهم؟