سوف يخطئ النظام الحاكم، للمرة المليون، إذا تعامل مع ما حدث فى 25 يناير 2011 بعناد وتجاهل.. وسوف يخطئ أكثر لو «ارتكن» للطريقة القديمة: شرذمة ضالة.. عناصر أجنبية.. وجماعات محظورة.. فالخطر الحقيقى الذى يهدد أى «نظام» ليس المظاهرات ولا ضغوط المعارضة.. وإنما جموده هو.. عناده هو.. غروره هو.. وإغلاق عينه عن رؤية الحقيقة..! يا أيها النظام.. مصر تغيّرت.. يا أيها الحكام.. المصريون الجدد غير أبى وجدى.. زمان.. كان والدى، يرحمه الله، يعمل موجهاً فى التربية والتعليم.. كنت ألاحظ أنه مثل أبناء جيله.. يمشون «جنب الحيطة».. بعضهم كان يتمنى أن يمشى «جوه الحيطة».. ومعظمهم كان «يسمع الكلام» حتى يربى العيال بمرتب «30 جنيه» فى الشهر..! غير أن أمى، يرحمها الله، كانت تقول إن البركة وحدها جعلت ال«30 جنيه» تربى 7 صبيان وبنات.. وحيث إن «بركة» زمان راحت.. وحيث إن أبى وجيله ماتوا.. فإن جيلاً جديداً يمشى فى شوارع وحوارى مصر.. جيلاً لا هو تزوج وأنجب «ببلاش» مثل آبائه وأجداده.. ولا هو حتى يجد وظيفة ب«30 جنيه» فى الحكومة أو غيرها.. جيلاً يعرف كل شىء، وأى شىء.. يجلس على الإنترنت فيتجاوز مصر إلى الكون كله.. جيلاً لا يملك شيئاً يخاف عليه.. «لا عيّل ولا تيّل».. ولا زوجة.. ولا بيتاً.. ولا «فلوس».. فكيف تتغير مصر كلها.. ويظل النظام الحاكم ثابتاً.. جامداً.. وكأنه يحكم أبى وجدى، يرحمهما الله..!! أبى وجدى لم يخرجا فى مظاهرة إلا ليقولا لعبدالناصر «لا تتنحى».. ابنى وابنك كانا فى ميدان التحرير أمس الأول.. ابنى كان عنده امتحان فى الصباح التالى.. بكى لأول مرة منذ سنوات ليخرج فى المظاهرة مع زملائه بالجامعة.. قلت له «والامتحان يا ابنى».. نظر إلىّ، ومنعه أدبه من رجمى بالسلبية.. نظراته كادت تذيبنى.. أمه كانت خائفة عليه.. قال لها «فكرتينى بجدتى».. أمه خافت اتهامها بالرجعية.. انزوت فى غرفتها.. وتركناه - أنا وهى - يعيش مثل جيله..! لابد أن يعترف النظام بأن مصر تغيرت.. بينما هو لم يتغير.. ولابد أن طرفاً من الاثنين سيفرض وجهة نظره على الآخر.. فإما أن يقود النظام تغييراً من داخله.. أو يحاول «تجميد» الشباب وإخضاعهم لفكر «الأجداد»..! لابد أن يعترف النظام بأنه أخطأ فى ترك البلد فى أيدى حكومة لا تجيد فهم الشارع.. وحزب «متغطرس» يظن أن القضاء على أحزاب المعارضة والقوى السياسية نجاح له.. حزب يقوده أشخاص متحذلقون ينظرون باستعلاء للمواطن.. حزب تجاوز علاقة الزواج بين السلطة والمال.. فأنجب طفلاً غير شرعى، لا لونه قمحى، ولا شرب من نيل مصر..! ■ رسالة إلى البرادعى حيثما كان: كل مواطن من الآلاف الذين رابطوا فى ميدان التحرير أحق بالقيادة منك.. كل امرأة حملت حلمها فى مواجهة القنابل المسيلة للدموع أكبر منك.. كل شاب فتح صدره للرصاص المطاطى أغلى منك.. كل عجوز هتف من أجل الحرية أشجع منك.. يا خسارة..!! المصرى اليوم