منذ مئات السنين، وفانوس رمضان يحتل الصدارة كأحد أبرز معالم هذا الشهر. فعلي عكس ما يعتقد البعض، لم يظهر فانوس رمضان التقليدي منذ مائة عام بل يعود ظهوره للمرة الأولي في مصر إلي أيام الفاطميين وتحديداً مع وصول المعز لدين الله الفاطمي إلي مصر حيث وصل من المغرب في الخامس من رمضان عام 358 هجريه. ولأن المعز لدين الله وصل مصر ليلاً أمر قائده جوهر الصقلي المصريين بالخروج لاستقباله فخرج الأهالي حاملين الفوانيس التي ارتبطت برمضان منذ ذلك الحين. تمتع الفانوس بمكانة متميزة لدي الفاطميين حيث كان الاهالي يضيئون الفوانيس في موكب الخليفة الفاطمي بعد استطلاع هلال رمضان والتأكد من بداية شهر الصوم . استمر ارتباط الفوانيس برمضان خلال العصر المملوكي. ففي هذا العصر كان الناس يجتمعون بعد عصر يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان في بيت القاضي ثم يتوجه الجميع إلي منطقة مرتفعة علي أطراف المدينة لاستطلاع الهلال، فلو صحت الرؤية يعود الناس إلي القاهرة في أعقاب صلاة المغرب حاملين الفوانيس المضاءة. كان الأطفال أيضاً يستغلون فانوس رمضان للحصول علي النقود والهدايا من المتاجر والبيوت احتفالاً بقدوم رمضان. ربما أطرف القصص التي تتعلق بفوانيس رمضان تعود إلي عصر الحاكم بأمر الله الفاطمي المشهور بتحريمه للملوخية، حيث سبق له وأصدر مرسوماً بألا تخرج النساء ليلاً في مصر إلا إذا تقدمهن صبي يحمل فانوساً. وفي سنوات لاحقة لحكمه، صدر أمر بأن يتم تعليق فوانيس مضاءة علي أبواب البيوت ومآذن المساجد من المغرب وحتي طلوع الفجر. استمر وجود الفانوس كأحد أهم معالم شهر رمضان خلال العصور التالية وتعددت الألوان والأحجام فمنه الكبير الذي يستخدم لأغراض الإنارة لأسرة بأكملها ومنه الصغير الذي يستخدم لإنارة الطريق ولتسلية الأطفال. في بدايات القرن الماضي بدأ الفانوس يأخذ شكله الذي عرفناه خلال القرن الماضي قبل ظهور الفوانيس الصينية. وكانت أشهر أنواع الفوانيس هي المركب والترام والمرجيحة وأبو سبله وعبد العزيز وغيرها. وكانت تلك الفوانيس تصنع من الصفيح وقطع الزجاج الصغيرة. وعلاوة علي فوانيس الأطفال أنتشرت في مدن مصر خلال القرن الماضي فوانيس الحارات الكبيرة التي يقوم السكان بتركيبها في منتصف الحارة أو الشارع وكانت تصنع من الخشب والورق الزجاج. والواضح أنه خلال تلك الفترة كان الفانوس رمزاً قومياً في مصر حتي أن حكام البلاد كان يقومون مع بداية شهر رمضان بإرسال فانوس فخم إلي السلطان العثماني الذي كانت مصر تتبعه حتي منتصف العقد الثاني من القرن الماضي. ازدهرت تجارة الفوانيس الرمضانية وانتشرت في مصر خلال الفترة ما بين 1918 و1935 وفي تلك الفترة تعددت أشكال الفوانيس وتنوعت أحجامها وتطورت أيضاً فبعد أن كانت الفوانيس تضاء بالشموع كانت غالبيتها خلال تلك الفترة تضاء بمادة الكرون الأبيض الذي يجعلها تبدو كما لو كانت مصباحاً كهربياً. أما أسعار الفوانيس فكانت تتراوح ما بين مليمين و5 قروش وفقاً لحجمه والمواد الخام المستخدمة في صناعته. اختلف الحال اليوم مع ظهور الفوانيس الصينية التي صارت تنافس الفوانيس المصرية بسبب رخص سعرها وإن كانت الأخيرة لا تزال تنتج في بعض مناطق القاهرة مثل تحت الربع والسيدة زينب بل ويصدر بعض هذا الإنتاج إلي الخارج. لم تكن تلك الفوانيس الصغيرة التي يلهو بها الأطفال مجرد لعبة بل رمز يرتبط في أذهان الصغار والكبار معاً بقدوم الشهر الكريم. ولا يزال هذا الرمز حاضراً في اذهاننا حتي اليوم.