سعد أساتذة الجامعات بقرار مجلس الوزراء باعتبار جميع المناصب القيادية بالجامعات شاغرة في 1/8/2011 تمهيدا لانتخاب قيادات جامعية جديدة.. ولكن هل يؤدي قيام أعضاء هيئات التدريس بانتخاب قيادات جديدة للجامعات والمراكز البحثية الي اصلاح حقيقي لأحوال الجامعات؟ اذا سلمنا أن الهدف في النهاية هو الإرتقاء بالتعليم الجامعي بعد الوضع المأساوي الذي انتهي اليه، حيث أصبحنا نقدم للطلاب تعليما رديئا بتكاليف باهظة، فإن ذلك لن يتحقق بمجرد إقرار حق أعضاء هيئات التدريس في اختيار القيادات الجامعية.بل لابد من توفر ظروف موضوعية أخري كي تكون هذه الخطوة فالجامعات في مجملها تعاني حالة من الركود العلمي الشديد نتيجة لأن كل كلية وكل قسم يغلق الباب أمام الدخلاء من أعضاء هيئة التدريس. والدخلاء هم كل من لم ينشأ داخل الكلية بدءا من التحاقه بها بعد حصوله علي الثانوية العامة مرورا بحصوله علي درجة البكالوريوس وتعيينه معيدا، ثم حصوله علي الماجستير فالدكتوراة،ثم تعيينه مدرسا وترقيته الي استاذ مساعد فأستاذ داخل نفس القسم والكلية والجامعة.ينتهي الأمر إذن بكل قسم الي إعادة انتاج الكم المحدود من المعارف الذي تكون لديه منذ ثلاثين أو أربعين عاما دون منافسة حقيقية يتعرض لها أعضاء القسم من التيارات الفكرية خارج جدران جامعته.. مثل هذا الوضع لامثيل له في جامعات العالم المتقدم منه والنامي.فالذين درسوا منا الدكتوراة في جامعات أوروبا وأمريكا يعلمون أن عددا قليلا من الأساتذة هو الذي يستقر بنفس الجامعة لفترة طويلة بينما الغالبية يغيرون موقعهم من جامعة الي أخري كل عدد محدود من السنوات. بل إن معظم هذه الجامعات بها نسبة غير قليلة من الأساتذة الأجانب.يتواكب مع هذا وجود درجة عالية من الحيوية العلمية والمنافسة القوية للبحث العلمي في تلك الجامعات.. فإذا ذهبنا إلي ماليزيا كدولة صاحبة نهضة حديثة فنجد مثلا أن عدد أعضاء هيئة التدريس في "جامعة العلوم" لعام 2009 هو 1325 منها 130 أستاذا أجنبيا.هذا العدد موزع كالتالي: أستاذ 166، أستاذ مساعد 375 ، مدرس 784، حيث يلاحظ في هذا التوزيع أن الغالبية تقع في فئة شباب هيئة التدريس مما يعطي مناخا مواتيا للبحث العلمي.. كيف هو الحال إذن في الجامعات المصرية؟ لنأخذ أمثلة من بعض كليات جامعة عين شمس وهي تعطي نماذج متكررة خاصة قي الجامعات والكليات القديمة.. ففي كلية الحقوق، وبها أكثر من 35 الف طالب، يوجد 44 عضو هيئة تدريس عامل(تحت سن الستين) كما يوجد 34 أستاذا متفرغا(فوق سن الستين).. أما في كلية التجارة، وبها أكثر من 60 الف طالب،فيوجد 62 أستاذا منهم 48 أستاذا متفرغا، 38 أستاذا مساعدا منهم 9 متفرغون، 88 مدرسا منهم 6 متفرغون(إحصائية عام 2010/2009). وهذا يعطي صورة هرم مقلوب لتوزيع أعضاء التدريس، مما يشي بدرجة عالية من الركود العلمي يؤكدها وصول بعض الأساتذة المساعدين وبعض المدرسين الي سن المعاش(60سنة) دون الترقي الي درجة أستاذ.. يصبح السؤال إذن هل انتخاب قيادات كلية التجارة -علي سبيل المثال- يعطي فرصة اختيار حقيقية سواء علي مستوي الأقسام أوعلي مستوي الكلية ؟ فالقسم الذي أنتمي اليه بالكلية لم يكن به أستاذ عامل واحد منذ عام 2006بينما به 6 أساتذة متفرغون فوق سن الستين وقد رقي عضو هيئة تدريس واحد إلي درجة أستاذ هذا العام 2011 وهذه هي أول ترقية الي درجة أستاذ بالقسم منذ عام 1993فهل في الوضع الحالي للقسم هناك فرصة حقيقية لانتخاب رئيس للقسم؟ بل هناك علي مستوي الكلية كلها وبها أربعة أقسام عدد محدود جدا من الأساتذة العاملين(حوالي 16) سيكون مطلوبا انتخاب 8 منهم للوظائف القيادية(أربعة رؤساء أقسام و عميد وثلاثة وكلاء) فهل هناك فرصة حقيقية للاختيار باستخدام معيارالكفاءة العلمية أو الأمانة الشخصية من بين هذا العدد المحدود؟ لابد إذن إن أردنا أن نكون جادين-أن يتم قبل إجراء الانتخابات الجامعية - كسر حالة الاحتكار هذه التي فرضها بعض الأساتذة حتي تكون هناك فرصة اختيار حقيقية .و يتطلب هذا فتح الأبواب لانضمام أعداد من الأكاديميين الي هيئات التدريس بالأقسام والكليات التي تعاني نقصا في الأساتذة.. مثل هذا القرار لن يأتي من القيادات الجامعية المنتخبة لأن هؤلاء قد نشأوا أيضا في هذا المناخ الراكد ولهم -مثل غيرهم- مصالح في استمراره. القرار إذن يجب أن يأتي من جانب الدولة في سياق خطة شاملة للنهوض بالتعليم والبحث العلمي وستجد الدولة المئات من الكفاءات سواء من الحاصلين علي الدكتوراة بجهودهم الذاتية، أو من العاملين فعلا بالجامعات ومراكز البحوث المصرية، أو من العاملين بالجامعات الأجنبية ونقترح في البداية استقدام بعض الأساتذة المصريين العاملين ببعض الجامعات