صراع مكتوم تدور رحاه في أروقة السياسة الإيرانية .. طرفاه من جانب المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي واشد مناصريه من رجال الدين المعممين ورموز الحرس ويقف علي الجانب الآخر رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني وحلفائه السياسيين وعلي رأسهم الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني .. مفردات الصراع المحموم يدور حول دور الجيش الإيراني ومساحة الدور الممنوح للحرس الثوري . ومكانة المرأة هناك وقضايا الثقافة ودور الشباب .. ملامح الصراع ظهرت بمناسبة عيد المؤسسة العسكرية في 18 أبريل الماضي، حيث ألقى روحاني كلمة لها دلالات عميقة حول دور الجيش النظامي ، قال فيها : «إن أفراد جيش الجمهورية الإسلامية ينظر إليهم وعن حق أنهم الأبناء الحقيقيين للوطن». وان الجيش هو «المؤسسة المهنية المحترفة الحقيقية في الدفاع عن الوطن»، وأن «الجيش لا يتبنى أي منظور سياسي وهو ليس فئويا ، وفي أسوأ الأوقات، بعد انتصار الثورة، لم يتخل الجيش عن الدولة». التعامل مع الجيش الإيراني صاحب السمعة العالمية فترة حكم الشاه واجه صعوبات عدة بعد الثورة وإقصاء قيادته التي تربت علي الولاء المطلق للشاه وحكمه .. وتعرض للتهميش لصالح الحرس الثوري الذي أنشأته الثورة عند اندلاعها .. وتحمل الحرس الثوري العبء الأكبر في معارك الحرب العراقية الإيرانية .. في كلمته عاد الرئيس روحاني عاد ليمتدح الجيش ويعيد له اعتباره . ويتجاوز الحقيقة التاريخية التى عايشها الشعب الإيراني أنه في الأشهر الأولى لثورة 1979 أظهرت ألوية المشاة وسلاح الجو في الجيش التزاما بتنفيذ أوامر قيادتها السياسية في مواجهتها للمتظاهرين في هذه السنة. روحاني يعيد بكلمته ترتيب الأدوار وتوزيع المهام حيث وجه رسالة إلى الجيش والحرس الثوري بذلك ، قال فيها : «إن الدبلوماسية الإيرانية اليوم تقف على جبهة السلام، هي من يقوم بالنضال السياسي في المفاوضات بوجه القوى الدولية ، نحن اليوم القادة الدبلوماسيين من ندافع عن الدولة والثورة، والفريق المفاوض يستطيع أن يحمي مصالح الدولة». وفي هذه الرسالة تقليص وتحجيم لدور الحرس الثوري يواكبه ثناءه على الجيش النظامي وانضباطه فيقول : «إن الجيش لم يطلب أن يكون جزءا من الحكومة التي ينتخبها الشعب .. الجيش هو مرساة الاستقرار ويقف دائما إلى جانب الشعب، لا حكومات عسكرية في إيران، كما أن الجيش يسجل كل ريال يصرفه». في المقابل أبدت قيادات الحرس الثوري استيائها من إقصائها من المشهد السياسي ومحاولة إنهاء حالة الثورية التى تعايشها إيران منذ عقود .. وظهر ذلك في كلمة الفريق محمد علي جعفري قائد «الحرس الثوري» الإيراني بعد كلمة روحانى بأيام معدودات ، حيث قال جعفري في 21 أبريل : «إن حياة الثورات في الدول الأخرى تستمر عقدا أو عقدين من الزمن، لكن الثورة الإسلامية الإيرانية تدخل عامها السادس والثلاثين ومستمرة وهذا الفضل يعود إلى الحرس الثوري الذي أنشئ لحماية الثورة والنظام وهدفه و واجبه أن يقوم بهذا الدور على كل الجبهات». مرسخاً للحقيقة التى يريد أن يعبرها ويتجاوزها روحانى أن الحرس الثوري هو عماد الدولة وسندها .. ويؤكد ديمومة الحاجة له بقوله : إن أي استنتاج خاطئ حول وجود الحرس الثوري والشك في الحاجة إليه بعدما وصل النظام إلى قمة الاستقرار هو أمر خاطئ وخطير .. مردداً ما سبقه إليه في مناسبات عدة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي – الذي يلتزم الصمت حتى الآن - من أن الثورة لا معنى لها من دون إرادة الشعب ودعمه، لذا لا يمكن للحرس الثوري أن يكون ضد الشعب. ولم يفت جعفري في رده علي روحانى في مدحه الجيش النظامي على حساب الحرس، أن يلوح بقدرات مليشيات الباسيج فقال: هناك أكثر من 20 مليون عنصر في الباسيج، وهذا دعم كبير للحكومة خصوصا لسياستها المتعلقة بالاقتصاد الثوري. مؤكداً علي أن الحرس الثوري ليس مجرد عماد عسكرياً أو اقتصادياً للدولة بل يشكل سنداً ثقافياً حيث قال : لأن العدو يستهدف معتقدات الشعب التي انطلقت منها الجمهورية الإسلامية ، إن العدو يحاول أن يقنع الشعب بأن عليه إعادة النظر بمعتقداته، وأحد أهداف الحرس الثوري هو محاربة الأخطار الثقافية». لم يكن جعفري وحده في الميدان ؛ ففي اليوم التالي لكلمة روحاني تحدث محمود فاكفور قائد الذراع العسكري في الحرس قال: إن الحرس ليس جيشا كلاسيكيا، إنهم الأولاد الثوريون للدولة، واليوم يتولون كل القدرات العسكرية الأكثر تقدما والأكثر خبرة، في رد واضح وسريع ردا على مديح الرئيس روحاني للجيش النظامي بأنه هو المهني والأكثر خبرة). مساجلة اجري لكن في ميدان المرأة هذه المرة جرت رحاها هذه المرة بين المرشد الأعلى أية الله خامنئي والرئيس روحانى .. اختار فيها خامئنى وفي اليوم التالي مباشرة لكلمة روحاني أن يتحدث عن المرأة حيث قال : إن المساواة بين الجنسين مفهوم غربي خاطئ .. لقد أفسدوا أنفسهم، والآن يريدون إفساد الآخرين، وقال للمرأة: «أنت حكيمة وعليك أن تفكري باستقلالية بعيدا عن الأفكار الغربية، أنقذي نفسك من هذه الأفكار». لم يطل الانتظار بروحانى طويلاً حيث تعمد في اليوم التالي أن يرد على خامنئي بكلام واضح محدد ، فقال في 20 أبريل : حسب المفهوم الإسلامي لا يعد الرجل أولا و المرأة ثانيا .. ليس أي منهما أحسن من الآخر. نساؤنا لعبن دورا ليس أقل من دور الرجل في الثورة الإسلامية. على الذين يحملون أفكارا ضد المرأة ألا ينسبوا هذه الأفكار الخاطئة إلى الإسلام. هل المنزل هو وحده المكان الآمن للمرأة ؟ علينا أن نوسع إطار الأمن ليشمل كل مكان وكل المجتمع. يجب أن تتوفر لها فرص متساوية مع فرص الرجال. القصة ليست قصة الغرب ، أدعو رجال الدين المثقفين، ورجال المعرفة أن يدعموا حاجة المجتمع إلى فهم ما يتضمنه الإسلام من حقوق لكل الناس . رفسنجاني السياسي المخضرم والذي ترأس البلاد لدورتين ويترأس مجلس تشخيص النظام الآن لم يكن بعيداً عن هذه المساجلات المحمومة ، فسارع ليشخص بحرفية السياسي الصراع الدائر في إيران ويساند روحانى ، بقوله : هناك مسؤولون في الدولة يسوقون سياسة شيطانية، وبدلا من تشجيع الآخرين على التعاون مع الحكومة فإنهم يذكّون الآراء السلبية ضد التفكير المعتدل الذي أفرزته الانتخابات الأخيرة .. إن هذا التفكير المعتدل يؤكد الحاجة إلى تغيير الاتجاه .. هناك من يعتقد أن في استطاعته فرض ثقافة محددة على الناس عبر العنف ، الثقافة تتكون من الشعور بالاكتفاء والاعتقاد الداخلي. ويحاول رفسنجانى بحنكة السياسي المجرب ان يلفت الانتباه للخطر الحقيقي من وجهة نظره ، فيقول : إن أهم إنجاز للانتخابات الرئاسية كان إعطاء أمل للناس، وإبعاد التهديد الخارجي عن إيران ، إن الأطراف الخارجية التي حاولت أن تفرض عقوبات على إيران تتنافس الآن للتفاوض معنا. أرى خطرا حقيقيا على المصالح القومية الإيرانية من زوبعة بعض المتطرفين فيما يتعلق بالمفاوضات حول النووي. ويطالب رفسنجانى في ذات السياق في صحيفته «جمهوري إسلامي» المسئولين في النظام بأن يكونوا صادقين ويكشفوا الحقيقة مهما كانت مرة: الكل يعرف أن المتطرفين أساءوا إلى البلاد، وتعرضت ثقة الناس بالنظام لضربة قوية وما حدث في سجن إيفين (الذي فصل مؤخراً مديره) مثال على ذلك . دخل علي خط الصراع احد الصقور ، وهو حسين شريعتمداري مستشار للمرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي والصحافي والسياسي النافذ والذي يتولي رئاسة تحرير صحيفة «كيهان» التي تعبر عن رأي المرشد والمعروف بعدائه لرفسنجانى ، فكتب في 24 أبريل يقول: «إن رفسنجاني يمهد لبروباجندا جديدة من قبل أعداء الثورة». أي اعتبر رفسنجاني عدوا للثورة. الصراع محموم في إيران التي تحقق تقدم كبير في سياستها الخارجية وتتعافي من اثار العقوبات الطويلة التي خضعت لها .. إلي الآن المرشد الأعلى لم يتدخل بشكل صريح في الصراع و هو ما يدفع مقربين منه للرد، ويبقي السؤال هل تتخلص كان الضغط الدولي والعقوبات المفروضة علي إيران سبباً لتماسك الجبهة الداخلية ؟ أم أنها صراعات سياسية مقبولة ، وقد تكون صحية في بلد بحجم إيران وظروفها المعقدة داخلياً وخارجياً ؟ .. هذا ما ستكشف عنه الأيام ..