لاتزال توابع القرار الذي أتخذه المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، بمنع فيلم "حلاوة روح " من العرض مستمرة ، وخاصة وأن القرار فتح باباً من الجدل والحوار حول صحة القرار من عدمه ، حيث أيد البعض الخطوة التي وصفوها بالمحافظة علي معايير الذوق والأخلاق في المجتمع المصري والذي تفشت فيه العديد من ظواهر الأنفلات والأنحلال الاخلاقي، وعارضه البعض و أنتقده بسبب ما رأه من تعنت السلطة في مواجهة ابداع السينما ، ومحاولتها فرض الوصاية علي المعايير السينمائية والنقدية ، ويرصد موقع " صوت الآمة" في هذا التقرير أبرز الحالات التي عانت منها السينما المصرية من قرارت المنع القصري سواء بمقص الرقيب الأخلاقي أو بتوجيهات سيادية ،اومن تعنت بعض المؤسسات الدينية. ونبدأ مع مقص الرقيب الأخلاقي للسينما المصرية والذي مثل دور الحارس الأخلاقي فى بعض الفترات التي شهدت موجة من الأفلام ذات المشاهد الأباحية، خاصة فى أعقاب النكسة67، وقبل حرب أكتوبر، وفى مرحلة الانفتاح، والتي تكررت فى فترة التسعينيات فيما كان يطلق عليه" أفلام المقاولات"، ومنها أفلام «أبى فوق الشجرة» فى عام 1969 و«حمام الملاطيلى» فى السبعينيات، و«خمسة باب» و«درب الهوا» فى الثمانينيات، و«المزاج» و«جنون الحياة» فى التسعينيات، و«دنيا» و«الباحثات عن الحرية» فى الألفينيات، وهى نماذج لأفلام أثيرت حولها معارك كبرى وصل بعضها إلى ساحات القضاء، ومنع بعضها وعرض البعض الآخر بعد حذف مشاهد كبيرة منها. ولم يكن العرى وحده هو محل الانتقاد فى هذه الأفلام وإنما جرأة التعرض لبعض المواضيع الحساسة كالختان، والمثلية الجنسية وإن كانت بعض أفلام السبعينيات والثمانينيات، على سبيل المثال، شهدت جدلاً كبيرا،ً إلا أن أفلام مثل "سيدة الأقمار السوداء" و"وذئاب لا تاكل اللحم " شهدت أباحية كاملة وخروجاً عن النص ،بعد أن قرر المخرج نفسه سمير خوري خوض التجربة ، فكان التصوير في الكويتولبنان بسبب الانفتاح الاجتماعي فيها آنذاك. فاللقطات غير المحتشمة في فيلم "ذئاب لا تأكل اللحم"، والتي كانت الممثلة المصرية الراحلة ناهد شريف بطلتها كانت محوراً رئيسياً في الأحداث ، وأسند الى الممثلة اللبنانية سيلفانا بدرخان دور" شريرة الغاوية "، وهذه الافلام وشاكلتها هي من فتحت الباب للأفلام الأباحية التي صورت في بلاد لبنان والاردن والتي لاقت ردود فعل عنيفة، وصلت الي تنكر العديد من أبطال هذه الافلام من بطولتها. فيما ظلت عبارة" مقص الرقيب" هى الشماعة التى يلقى عليها صناع السينما غيظهم من العقبات التى تعترض أعمالهم الفنية، إلا أن هذا المقص تحول في بعض الأحيان إلي يد أخري ، فالرقيب ومقصه هذه المرة كانا فعلياً فى يد آخرين، القصر الرئاسي ، ووزارة الداخلية والخارجية والمخابرات، والأزهر والكنيسة، ومجلس الشعب، والصحافة، والقضاة، كل هؤلاء لعبوا دور الرقيب بالتناوب . ففى فترة حكم الملك فاروق، كان الملك حريص على مشاهدة الأفلام التى يتنامى التى تحتوى على ما يثير المنع، وقد فرض على ستوديو مصر تغيير نهاية فيلم »لاشين«للراحل حسين رياض ،ما لم تكن المحاذير السياسية تعنى دائماً انتقاد رموز السلطة، إذ رفع فيلم «ليلى بنت الصحراء» فى 1937 من دور العرض حتى لا ينغص على شقيقة الملك فاروق زواجها من «رضا بهلوى» ولى العهد الإيرانى، كما رفع بعد يوم واحد من عرضه فيلم «أولاد الذوات» بسبب احتجاج الخارجية الفرنسية على مشاهد بالفيلم. الا أن تدخل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في الاعمال السينمائية كان الأكثر وضوحاً ففى الستينيات مُنع الفيلم البريطانى «دكتور زيفاجو» الذى قام ببطولته عمر الشريف من دور العرض المصرية بأوامر مباشرة من حكومة الاتحاد السوفيتى. ولم يكن الرئيس عبد الناصر يرفض الأفلام بل كان يتدخل فى اللحظة الأخيرة ليجيز الأفلام الممنوعة، مختتماً شهوراً طويلة من المرارة والمعاناة لصناع الفيلم بقفشة طريفة من قفشات الرئيس. وكان ناصر وراء منع فيلم «الله معنا» إنتاج 52 لأنه يظهر شخصية الملك فاروق على نحو يثير التعاطف، إلا أنه أبدى علناً اندهاشه من قرار المنع فى 1955، وحضر عرضه الأول فى السينما، واضطر الرئيس لمشاهدة فيلم «شىء من الخوف» للنجمة شادية والنجم الراحل محمود مرسي مرتين إحداهما مع نائبه أنور السادات قبل أن يسمح بعرضه قائلاً: «لو كنت أنا عتريس فأستحق ما جرى له» لأنه سمع أن شخصية «عتريس» ترمز له شخصياً، وشاهد عبد الناصر فيلمى توفيق صالح «المتمردون» و «يوميات نائب فى الأرياف» ومنح مخرجه نيشاناً عن الأول، وقال عن الثانى: «لو أنتجت المؤسسة أربعة أفلام دعائياً فى أغلب الوقت. وكان لحرس الثورة نصيب أيضا من مقص الرقابة، وعلى رأسهم شعراوى جمعة، وزير الداخلية آنذاك، الذى مارس أنواعاً متعددة من الضغوط على المخرج توفيق صالح بسبب «يوميات نائب فى الأرياف» لأنه رأى أن الفيلم يمسه شخصياً ويمس رجال الداخلية، فكوّن أكثر من عشر لجان لرؤية الفيلم، من بينها الاتحاد الاشتراكى، وطلب من مخرجه عمل فيلم قصير عن إنجازات الداخلية يعرض مع الفيلم، حتى تدخل الرئيس فى اللحظة الأخيرة لإجازته. وفشلت الفنانة ماجدة الخطيب فى مقابلة الرئيس السادات رغم محاولاتها المتكررة على مدى سبع سنوات لتطلب منه إجازة فيلم «زائر الفجر» إنتاج 1972، الذى رفع من دور السينما بعد أسبوع واحد بأوامر من الداخلية، وقد كانت بطلة الفيلم تعلم أن المسئول الأول والأخير عن منع أو إجازة الفيلم هو الرئيس شخصياً، إلا أن الرئيس السادات تدخل فى اللحظات الأخيرة،و أيضاً لإجازة فيلم «الكرنك» للراحلة سعاد حسني ونور الشريف ومحمد صبحي والذي لاقي ممانعة شديدة بعد أن حذفت منه الرقابة ،العديد من المشاهد التي فضحت ممارسات النظام القمعي الناصري وخاصة في مشهد أغتصاب سعاد حسني في المعتقل ،وكذلك فيلم "البرئ" للراحل أحمد زكي والذي انتقد فيه صراحة العديد من المواقف السياسية لرموز السجون الحربية والمعتقلات السياسية و، والذي منع من العرض لفترة طويلة حتي أنه عرض بدون مشهده الأخير والذي يطلق فيه الفتي الأسمرأحمد زكي الذي قام بدور المجند النار علي مرؤسييه اعتراضاً منه علي المعاملة السيئة التي يلقاها. اما المنع الديني للافلام فكان متمثلاً في أعتراض الكنيسة علي عرض افلام مثل" بحب السيما " ل"ليلي علوي" ومحمود حميدة بسبب جراءة موضوعاته ، وفيلم "حسن ومرقص" للزعيم عادل أمام والنجم عمر الشريف ،وكذلك كان الازهر علي الخط بأصراره علي منع فيلم" الرسالة " لفترات طويلة بسبب تعرضه لسيرة الصحابة ،وكذلك فيلم" الملحد" ومؤخرًا فيلم "نوح" والذي لازال يخضع لفترات الشد والجذب حتي الان ، وكذلك فيلم حلاوة روح موضوع الذي اصبح حلقة في صراع السينما مع جهات الرقابة المختلفة فهل تكوت الحلقة الاخيرة أم ستكون مقدمة لحلقات أخرى؟